أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

بين واشنطن وأنقرة ودمشق: “قسد” عند مفترق التسوية والصدام…

تتزايد الأوضاع سوءا في الجزيرة السورية بسبب حملات الاعتقال الهستيرية التي تنفذها ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والمتواصلة بحق السكان هناك، حيث شهدت الأيام القليلة الماضية حملات اعتقال كبيرة شنتها هذه الميليشيا وطالت عشرات المدنيين من أبناء الحسكة والرقة ودير الزور، ومازالت مستمرة، والذريعة، كما العادة، الانتماء إلى تنظيم الدولة “داعش”.هذه الاعتقالات تبعها تصعيد آخر وكبير من نوعه، وهو إعلان ما يُسمى بـ”الإدارة الذاتية” التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي عن إيقاف التعليم بمناهج الحكومة السورية ومنعه في جميع المدارس، بما فيها المسيحية.

إنها تداعيات كانت متوقعة من جانب “قسد” بعد تعثر المفاوضات بينها وبين الحكومة السورية، حيث جاء هذا التصعيد مباشرة بعد رفض الحكومة حضور مؤتمر باريس، الذي كان من المزمع عقده في أوت الماضي ، وهو مؤتمر كان برعاية فرنسية، وعلى ما يبدو، فإن ميليشيا “قسد” كانت تعوّل عليه كثيرًا، إلا أنه من الواضح أن دخول تركيا على الخط كان له تأثير في دفع الحكومة السورية لعدم الحضور.

منذ أواخر شهر أوت، تشهد محافظات الرقة والحسكة ودير الزور في منطقة الجزيرة الخاضعة لسيطرة ميليشيا “قسد” حملة اعتقالات واسعة، طالت عشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال وكبار في السن، بذريعة الإرهاب والتعامل مع جهات خارجية أو مع الحكومة السورية. وتتزامن هذه الحملات مع عمليات تفتيش تنفذها الميليشيا داخل مخيم “الهول” شرقي الحسكة، في مشهد يتكرر إعلاميا تحت عنوان “مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية – داعش، لكنه يسير جنبًا إلى جنب مع الاعتقالات ويمنحها غطاءً تبريريا.

تواصل ميليشيا “قسد” تعزيز حشودها العسكرية على مختلف الجبهات، من ضفاف نهر الفرات في دير الزور مرورًا بالرقة وتل أبيض ، وصولًا إلى منطقة دير حافر شرقي حلب. وتشمل هذه التحركات حفر أنفاق جديدة، وإقامة سواتر دفاعية، إضافة إلى تلغيم مساحات واسعة، كان آخرها في المنطقة الممتدة من جنوب سد الفرات حتى أوتستراد المنصورة غرب الرقة، وفق ما أفادت به وكالة “نهر ميديا” المحلية.تراقب تركيا مسار تفكيك حزب العمال الكردستاني على جبهتين متوازيتين: الأولى داخل حدودها، والثانية في شمال سوريا وجبال قنديل. ويبدو أن أنقرة تُظهر قدراً كبيراً من الصبر في انتظار التخلّص من معضلة الحزب عبر تسوية سياسية مع مؤسسه عبد الله أوجلان، المعتقل في جزيرة إيمرلي منذ عام 1999. ورغم كثرة التساؤلات حول جدّية هذه التسوية وآليات تطبيقها، فإن المؤشرات تعكس إصراراً تركياً واضحاً على المضي قدماً في هذا المسار.

سوريا ليست بمنأى عن هذه العملية، فما زالت السياسة التركية حيال ميليشيا “قسد” تتسم بالمراقبة والحذر والتهديد المبطّن دون أي أفعال جادة حاليًا، بانتظار تقدم مفاوضات اندماج “قسد” مع الحكومة السورية.تجلت هذه السياسة في تصريحات وزارة الدفاع التركية الأخيرة، والتي تلاها تصريح زعيم حزب الحركة القومية المشارك في الائتلاف الحاكم، الذي قال: “يجب أن يعلم الجميع أن قوات سوريا الديمقراطية يجب أن تلتزم التزامًا صارمًا بمذكرة التفاهم الموقعة مع الحكومة السورية في 10 آذار 2025، وأن تفي بمتطلباتها بدقة. وإلا، فسيكون التدخل العسكري بإرادة مشتركة من أنقرة ودمشق أمرًا محسوما”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق