أخبار العالمأمريكاالشرق الأوسطبحوث ودراسات

“يائسون، جائعون، ومحاصرون” :تهجير إسرائيل القسري للفلسطينيين في غزة …

في 7 أكتوبر 2023، نفذت الجماعات الفلسطينيّة المسلّحة في غزة هجمات كاسحة على جنوب إسرائيل، وارتكبت العديد من جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة ضدّ المدنيين. ردّت إسرائيل بهجوم عسكري ضدّ الجماعات الفلسطينيّة المسلّحة في غزة. هذا الهجوم الذي يشمل قصفا مكثفا وهجمات بريّة في جميع أنحاء غزة المحتلّة من قبل إسرائيل، لا يزال مستمرا اليوم. نفّذت إسرائيل هجمات مستمرّة على أهداف عسكريّة، لكنها شنّت أيضا عددا كبيرا من الغارات الجويّة غير القانونيّة، ودمّرت البنية التحتيّة والمساكن، وفرضت حصارا خانقا على غزة تسبب في كارثة إنسانية، ما يرقى إلى العقاب الجماعي للسكان المدنيين، واستخدام التجويع كسلاح حرب. منذ أيام الهجوم الأولى، نفذت إسرائيل هذه الأفعال بالتوازي مع نظام إخلاء تقاعس بشكل صارخ عن الحفاظ على سلامة الفلسطينيين في غزة، بل جعلتهم عرضة للخطر. لم يعد هناك أيّ مكان آمن في غزة. كما سيوضح هذا التقرير، تسبّبت أفعال إسرائيل هذه في نزوح جماعي قسري ومتعمّد لغالبيّة السكان المدنيين في غزة.

وفقا لـ”الأمم المتحدة”، بلغ عدد النازحين في غزة 1.9 مليون شخص من أصل 2.2 مليون حتى أكتوبر 2024. يفحص هذا التقرير سلوك السلطات الإسرائيليّة الذي تسبب في هذا المستوى العالي جدّا من النزوح، ووجد أنّ هذه الأفعال ترقى إلى التهجير القسري. وبما أنّ الأدلّة تشير بقوّة إلى أنّ العديد من أعمال التهجير القسري نُفذت عمدا، فإنها ترقى إلى جرائم حرب. وجد التقرير أيضا أنّ أعمال التهجير القسري التي ارتكبتها الحكومة الإسرائيليّة واسعة ومنهجيّة. تُظهر تصريحات كبار المسؤولين المناطة بهم مسؤوليات قيادية أنّ التهجير القسري متعمد، ويُشكّل جزءًا من سياسة دولة إسرائيل، وبالتالي فهو يرقى إلى جريمة ضدّ الإنسانيّة. أن أعمال إسرائيل يُفترض أيضا أنها ترقى إلى تعريف التطهير العرقي.

إسرائيل هي سلطة الاحتلال في غزّة، وبالتالي ّ سلوكها محكوم بالقانون الدولي الإنساني. بموجب القانون الدولي الإنساني – أو قوانين الحرب – فإنّ النقل القسري للسكان، الذي يعني تهجير أيّ مدني داخل الأراضي المحتلة بشكل قسري، أمر محظور، وإذا ارتُكب بقصد إجرامي، فهو يرقى إلى جريمة حرب. الاستثناء الوحيد لهذا الحظر الأساسي هو عندما تعمد سلطة الاحتلال إلى إجلاء الناس لسلامتهم أو لسبب عسكري قاهر. لكي تُعتبر عمليات تهجير المدنيين قانونيّة، فإن الأعمال التي نفذتها إسرائيل ينبغي أن تُلبّي أيضا الشروط التالية: التأكد من وجود ضمان بحيث يتم نقل المدني الذي يُجبر على ترك منزله بشكل آمن، وعدم فصله عن أسرته، وحصوله على الطعام والمياه، والرعاية الصحيّة، والصرف الصحي، ومراكز الاستقبال أو المأوى، ضمان أن يكون الإخلاء مؤقتا، وiii تسهيل عودة الشخص النازح إلى منزله بأسرع وقت ممكن بعد انتهاء الأعمال العدائيّة في المنطقة التي هُجّر منها.

تزعم إسرائيل أن نزوح كلّ سكّان غزة تقريبا كان مبرّرا بأمن السكّان وأسباب عسكريّة قاهرة، واتخذت الخطوات اللازمة لحماية المدنيين. لأن الجماعات الفلسطينيّة المسلّحة تقاتل من وسط السكان المدنيين، يزعم المسؤولون الإسرائيليون أنّ الجيش أخلى المدنيين ليتمكّن من استهداف المقاتلين وتدمير البنية الأساسيّة للجماعات، مثل الأنفاق، مع الحدّ من إيذاء المدنيين، بحيث تكون عمليات التهجير الجماعية قانونيّة. خلُص هذا التقرير، الذي استند إلى مقابلات مع 39 فلسطينيا نازحين في غزة، معظمهم لمرّات متعدّدة، وتحليل معقّد لنظام الإخلاء الإسرائيلي، والدمار الواسع الذي أثبتته صور الأقمار الصناعيّة، وتحليل فيديوهات وصور لهجمات على مناطق وطرقات حُددت بأنها آمنة، والوضع الإنساني للسكان، إلى أن مزاعم إسرائيل بشأن النزوح القانوني كاذبة بشكل كبير. بدلا من ذلك، جمعت “هيومن رايتس ووتش” أدلّة على أنّ المسؤولين الإسرائيليين يرتكبون جريمة حرب تتمثل في نقل السكان بشكل قسري، وهو انتهاك خطير “لاتفاقيات جنيف”، وجريمة بموجب “نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائيّة الدوليّة”.

من الواضح أنّ إسرائيل لم تُخل المدنيين الفلسطينيين في غزة من أجل أمنهم لأنّهم لم يكونوا آمنين أثناء عمليات الإخلاء أو عند وصولهم إلى الأماكن التي حُدّدت على أنها آمنة. كما أنّ إسرائيل لم تثبت بشكل مقنع وجود ضرورة عسكريّة لإجبار معظم المدنيين الفلسطينيين على ترك منازلهم وتقتيلهم. حتى لو تمكنت من إثبات مثل هذه الضرورة، فإنّ تقاعسها عن ضمان أمن النازحين وحمايتهم أثناء فرارهم وفي الأماكن التي هُجّروا إليها يجعل التهجير غير قانوني. كما أنّ نظام الإخلاء لم يُحافظ على أمن الناس، بل غالبا ما استُخدم فقط لبث الرعب والخوف فيهم. أوامر الإخلاء كانت غير متسقة وغير دقيقة، وغالبا دون إخطار المدنيين بها ومنحهم الوقت الكافي للمغادرة أصلا. أوامر الإخلاء لم تراع احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، الذين لا يستطيع كثير منهم المغادرة دون مساعدة. كما هاجمن القوات العسكريّة الإسرائيليّة بشكل متكرر طرق الإخلاء والمناطق التي حددتها على أنها آمنة. بدلا من الوفاء بالتزاماتها بوضع الضمانات الأساسيّة للتأكد من حصول النازحين على الطعام والمياه والصرف الصحي والرعاية الصحيّة، اتخذت إسرائيل خطوات لقطع هذه الضمانات أو تقييد المساعدات الإنسانيّة بشدّة. علاوة على ذلك، إسرائيل ملزمة بتسهيل عودة النازحين إلى منازلهم في الأماكن التي توقفت فيها الأعمال العدائية، لكنها بدلا من ذلك جعلت أجزاء كبيرة من غزة غير صالحة للسكن. نفذ الجيش الإسرائيلي أعمال هدم، مما تسبب في تدمير متعمد للبنية التحتيّة المدنيّة، بما في ذلك المدارس والمؤسسات الدينيّة والثقافيّة، حتى بعد توقف الأعمال العدائية في منطقة ما وسيطرة قواتها عليها. يعمل الجيش الإسرائيلي أيضا على إنشاء ما يُفترض أنها مناطق عازلة، أي مناطق آمنة مفرغة من سكانها بين الحدود الإسرائيليّة وغزة، والتي من غير المرجح أن يُسمح للفلسطينيين بدخولها.

المصدر : Human Rights Watch

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق