آسياأخبار العالمأوروباإفريقياالشرق الأوسطبحوث ودراسات

النظام الدولي في مواجهة التوترات غير المسبوقة: “بين التكيف والانهيار”…

لم يشهد النظام الدولي منذ نهاية الحرب الباردة مثل هذا الزخم من الأزمات المتشابكة التي تهز أركانه اليوم. فالعالم يعيش على وقع نزاعات عسكرية ملتهبة، أبرزها الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على الأمن الأوروبي، والعدوان الإسرائيلي على غزة الذي كشف حدود الشرعية الدولية. وإلى جانب ذلك، تتسارع المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، بينما تحاول قوى أخرى مثل روسيا وتركيا وإيران إعادة صياغة مواقعها في الخريطة العالمية.

هذه التوترات لا تبدو عابرة، بل تحمل في طياتها ملامح تحول بنيوي في النظام الدولي. فالولايات المتحدة، التي كانت تتصدر المشهد كقوة مهيمنة، تواجه اليوم تحديات غير مسبوقة: اقتصاد صيني صاعد، محور روسي–صيني متماسك نسبياً، وتراجع ثقة حلفائها في قدرة “القطب الأوحد” على إدارة التوازنات.

لكن السؤال الجوهري: هل سيتكيف النظام الدولي مع هذه التوترات أم يتجه نحو إعادة تشكّل جذرية؟

الانعكاسات على الدول متباينة:

من جهة أولى، يمتلك النظام الحالي آليات مرنة – مثل المؤسسات الدولية (الأمم المتحدة، مجموعة العشرين) والتحالفات الاستراتيجية – تسمح له بامتصاص الصدمات. غير أن ضعف هذه المؤسسات وازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي جعلت ثقة الدول “النامية” في عدالة النظام شبه منعدمة.
من جهة ثانية، التوترات الراهنة قد تسرّع ولادة نظام متعدد الأقطاب، حيث تتقاسم القوى الكبرى مناطق النفوذ، مما يفتح الباب أمام عودة توازنات جديدة تشبه الحرب الباردة، ولكن بأدوات اقتصادية وتكنولوجية أكثر من كونها عسكرية بحتة.

القوى الكبرى تخوض معركة “من سيكون مهندس النظام المقبل”.

القوى الإقليمية تجد في الفوضى فرصاً لتعزيز أدوارها (تركيا، إيران، الهند).
أما الدول الصغيرة والنامية، فهي الحلقة الأضعف، إذ تُفرض عليها الاصطفافات القسرية بين المحاور الكبرى، في حين تواجه أثماناً باهظة من حيث الأمن الغذائي، الطاقة، والاستقرار الداخلي.
في المحصلة، نحن أمام عالم يقف على مفترق طرق: إما أن ينجح النظام الدولي في التكيّف عبر إصلاح مؤسساته وقواعده، أو أن ينزلق إلى فوضى استراتيجية تُعيد رسم الجغرافيا السياسية بقسوة، وتضع الجميع أمام مرحلة “ما بعد الهيمنة الأمريكية”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق