أخبار العالمالشرق الأوسط

تصعيد إسرائيل على سبع جبهات: تحليل للجبروت والعنف ومصدر “البلطجة الدولية”

لواء دكتور محمد الكشكي هو مدير مركز جامعه بدر  للشئون الدوليه  وأستاذ في قسم العلوم السياسية في الجامعة.

 

شهدت المنطقة خلال الأشهر الأخيرة تصعيدًا غير مسبوق في حدة التوترات، بلغ ذروته بإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل تخوض حربًا على سبع جبهات في آن واحد. هذا التصريح يثير تساؤلات عميقة حول مفهوم الأمن الإسرائيلي التقليدي الذي قام على عقيدة عدم القتال على أكثر من جبهتين، ويدفعنا للبحث عن مصدر هذا الجبروت والعنف الإسرائيلي، ومن أين تستمد إسرائيل هذه “البلطجة الدولية” الموصوفة في ظل الفظائع التي ترتكبها، خاصة في قطاع غزة.

تحول في العقيدة الأمنية: من جبهتين إلى جبهات متعددة

لطالما ارتكزت العقيدة الأمنية الإسرائيلية على مبدأ أساسي وهو تجنب خوض صراعات متعددة الجبهات في آن واحد، لضمان الحفاظ على تفوقها العسكري وقدرتها على إدارة مواردها الاقتصادية. إلا أن تصريح نتنياهو الأخير يكشف عن تحول جذري في هذه العقيدة. فما الذي دفع إسرائيل إلى التورط في هذا العدد الكبير من الجبهات، وما هي طبيعة هذه الصراعات؟

الجبهات المشتعلة:

حرب غزة: حرب إبادة وتهجير قسري

تعتبر الجبهة الفلسطينية في قطاع غزة هي الأكثر دموية وإثارة للقلق. فمنذ 7 أكتوبر 2023، شنت إسرائيل حربًا واسعة النطاق على القطاع، أسفرت عن مذابح مروعة بحق الأطفال والمدنيين، وتدمير واسع للبنية التحتية، وتهجير قسري لمئات الآلاف من الفلسطينيين.

الخسائر البشرية:

  • تشير التقارير إلى أن عدد القتلى تجاوز 58,000 شخص، مع تقديرات أخرى تصل إلى 72,000 قتيل، وقد تتجاوز هذه الأرقام بكثير عند احتساب الوفيات غير المباشرة أو الأشخاص المفقودين تحت الأنقاض.
  • من بين القتلى المسجلين، حوالي 18,000 طفل و 12,400 امرأة.
  • هذه الأرقام هي تقديرات متحفظة، حيث أن هناك الآلاف من المفقودين الذين يُفترض أنهم لقوا حتفهم (أكثر من 14,000).
  • تجاوز عدد الجرحى 139,000 شخص.
  • أكثر من 9,312 معتقل، منهم 360 من الكوادر الطبية.
  • حوالي 90% من سكان غزة (أكثر من 2 مليون فلسطيني) نزحوا داخليًا.

الخسائر في البنية التحتية:

  • تدمير أو تضرر 92% من الوحدات السكنية (436 ألف وحدة  ).
  • تضرر وتدمير 80% من المرافق التجارية.
  • تضرر وتدمير 88% من المدارس، وانهيار نظام التعليم بالكامل.
  • أكثر من 50% من المستشفيات أصبحت تعمل جزئيًا.
  • تضرر حوالي 65% من إجمالي شبكة الطرق في القطاع.

هذا العنف المفرط يتجلى في استخدام أحدث وأبشع الأسلحة التدميرية ضد شعب لا يملك إلا إرادته وصموده. هذه الأفعال، التي وصفتها منظمات حقوق الإنسان الدولية بأنها ترقى إلى جرائم حرب، تلقى إدانة واسعة من المجتمع الدولي، لكنها تستمر دون رادع فعلي.

حزب الله في لبنان: تصعيد على الحدود الشمالية

تشهد الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان تصعيدًا مستمرًا مع حزب الله. الاشتباكات المتقطعة التي تتضمن تبادل إطلاق الصواريخ والقذائف والضربات الجوية أدت إلى نزوح السكان من كلا الجانبين. هذه الجبهة تمثل تهديدًا استراتيجيًا لإسرائيل، حيث يمتلك حزب الله ترسانة صاروخية كبيرة وقدرات عسكرية متطورة، مما يجعل أي تصعيد واسع النطاق يحمل في طياته مخاطر جسيمة على الأمن الإقليمي.

خسائر الجانب اللبناني:

  • الخسائر البشرية: تفيد المصادر أن عدد القتلى في لبنان وصل من 4,000 إلى ما يقارب 6,000 قتيل، يشمل مقاتلين من حزب الله وفصائل أخرى، بالإضافة إلى عدد كبير من المدنيين، منهم أطفال ومسعفون وأفراد طواقم طبية وصحفيون. بعض التقارير تشير إلى مقتل حوالي 532 من حزب الله وأكثر من 294 مدنيًا. وتجاوز عدد الجرحى 16,600 شخص. نزح أكثر من 875 ألف شخص داخليًا من المناطق الحدودية اللبنانية.
  • الخسائر المادية والبنية التحتية: تقدر الخسائر الكلية للبنان بنحو 8.5 مليار دولار. تم تدمير أكثر من 100 ألف وحدة سكنية، وتضرر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية (حوالي 3.2 مليون متر مربع تعرضت للحرائق)، وخسائر في المحاصيل والماشية تصل إلى 1.2 مليار دولار. بلغت الاضطرابات في قطاع التجارة نحو 2 مليار دولار، وتقدر خسائر القطاع السياحي ما بين 4 و 5 مليارات دولار. دمرت حوالي 220 مؤسسة تجارية وصناعية، وفقد نحو 166 ألف فرد وظائفهم.

الضفة الغربية: توترات واشتباكات مستمرة

لا تزال الضفة الغربية بؤرة للتوترات والاشتباكات بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية. عمليات الاقتحام الإسرائيلية للمدن والبلدات الفلسطينية، والاعتقالات الواسعة، وتوسع المستوطنات، كلها عوامل تزيد من حدة التوتر وتؤجج المقاومة الفلسطينية.

إجمالي الخسائر في الضفة الغربية:

  • أكثر من 950 قتيلًا، منهم ما لا يقل عن 181 طفلًا.
  • مقتل أكثر من 217 صحفيًا وإعلاميًا.
  • ما لا يقل عن 503 من أعضاء هيئة التدريس في المجال الصحي، وعدد كبير من الطواقم الطبية.
  • مقتل ما لا يقل عن 483 من عمال الإغاثة، منهم 326 من موظفي الأمم المتحدة (الأونروا). الحوثيون في اليمن: تهديد في البحر الأحمر

شهدت إسرائيل هجمات بصواريخ وطائرات مسيرة من قبل الحوثيين في اليمن، دعمًا لغزة ورفضًا للعدوان الإسرائيلي. هذه الهجمات، على الرغم من اعتراض معظمها، تشير إلى توسع نطاق الصراع ليشمل مناطق أبعد، وتلقي بظلالها على حرية الملاحة في البحر الأحمر، مما يهدد المصالح الاقتصادية والتجارية العالمية.

الخسائر في اليمن:

  • تشير التقارير إلى مقتل وجرح عدد من المدنيين نتيجة للغارات الجوية التي شنتها اسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة على اليمن، حيث ذكرت بعض المصادر مقتل ما لا يقل عن 266 مدنيًا وإصابة 774 آخرين.
  • بعض التقديرات تشير إلى أن أكثر من 122 من مقاتلي الحوثي قد قتلوا، بينما أصيب 314 آخرون.
  • أسفرت هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر عن مقتل 8 بحارة على الأقل وإصابة 10 آخرين، وغرق عدد من السفن التجارية.
  • الخسائر الاقتصادية والبنية التحتية: أعلنت جماعة الحوثي أن خسائر موانئ الحديدة بلغت نحو 1.4 مليار دولار حتى مايو 2025. أدت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر والردود العسكرية عليها إلى اضطراب كبير في حركة التجارة العالمية، حيث قامت أكثر من 2000 سفينة بتحويل مساراتها، وشهدت التجارة العالمية انخفاضًا بنسبة 1.3% بين نوفمبر وديسمبر 2023.

سوريا: استهداف المواقع الإيرانية والموالية لها

تواصل إسرائيل استهداف مواقع داخل سوريا، تزعم أنها تابعة لإيران أو ميليشيات موالية لها. هذه الضربات الجوية تهدف إلى تقويض النفوذ الإيراني ومنع تهريب الأسلحة. ورغم أن هذه العمليات تتم بشكل دوري، إلا أنها تزيد من احتمالية حدوث مواجهة أوسع نطاقًا مع إيران ووكلائها.

إجمالي الخسائر في سوريا:

  • 567 قتيلًا، منهم 68 مدنيًا بينهم طفلان و8 سيدات، بالإضافة إلى إصابة نحو 45 منهم.
  • تم تدمير حوالي 48 هدفًا، بما في ذلك مستودعات للأسلحة ومراكز وآليات.
  • تعرض مطار حلب الدولي للقصف 4 مرات وخرج عن الخدمة، كما تعرض مطار دمشق الدولي للقصف مرتين وخرج عن الخدمة.

الميليشيات الشيعية في العراق: هجمات متقطعة

شهدت القواعد الأمريكية في العراق هجمات متقطعة من قبل ميليشيات مدعومة من إيران، بعضها استهدف مصالح إسرائيلية. هذه الهجمات تعكس استراتيجية إيران لتعزيز نفوذها في المنطقة من خلال وكلائها، وتشكل مصدر قلق أمني لإسرائيل.

إيران مباشرة: المواجهة المباشرة

تجلت المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران في تبادل الضربات الصاروخية مؤخرًا. هذه التطورات تكسر حاجز المواجهة بالوكالة وتدخل الطرفين في صراع مباشر. محاولات إسرائيل لجر الولايات المتحدة إلى هذه المواجهة باءت بالفشل، مما أدى إلى ما يمكن وصفه بـ”تمثيلية عبثية” أزهقت فيها الأرواح دون تحقيق أهداف استراتيجية واضحة لأي من الطرفين، لكنها كشفت عن استعداد غير مسبوق للمخاطرة.

الخسائر:

  • خسائر إسرائيل: شهدت إسرائيل خسائر بشرية تصل إلى 28 قتيلًا (معظمهم من المدنيين) وأكثر من 1300 مصاب. اقتصاديًا، بلغت الخسائر المباشرة حوالي 3 مليارات دولار، نتيجة لتكلفة العمليات العسكرية والدفاعية (725 مليون دولار يوميًا)، وأضرار كبيرة في المنازل والمركبات، وتعطل مصفاة بازان بحيفا، وخسائر لشركة الطيران “إل عال”. كما نزح أكثر من 10 آلاف شخص، ومن المتوقع ارتفاع عجز الميزانية بنسبة 6%.
  • خسائر إيران: تشير التقارير إلى مقتل ما بين 78 إلى 610 أشخاص، منهم قادة بارزون وعلماء نوويون، وإصابة ما يقرب من 5000 شخص. عسكريًا، تكبدت إيران خسائر فادحة في بنيتها التحتية العسكرية، حيث تم تدمير أكثر من 200 منصة إطلاق صواريخ باليستية وحوالي 120 منصة دفاع جوي. كما تضررت المنشآت النووية في نطنز وفوردو، ودُمر مطار تبريز العسكري، واستهدفت مقرات عسكرية رئيسية، مما أدى إلى تدمير حوالي ثلثي قاذفات الصواريخ الباليستية لديها.

من أين تستمد إسرائيل هذه “البلطجة الدولية”؟

إن “البلطجة الدولية” التي تمارسها إسرائيل، والمتمثلة في تجاوزها للقوانين الدولية، وانتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان، واستهتارها بقرارات الأمم المتحدة، تستمد قوتها من عدة مصادر رئيسية:

  1. الدعم الأمريكي اللامحدود: يعتبر الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي الأمريكي حجر الزاوية الذي تستند إليه إسرائيل. هذا الدعم يوفر لإسرائيل غطاءً دبلوماسيًا في المحافل الدولية ويضمن لها إمدادات مستمرة من الأسلحة المتطورة، مما يمنحها شعورًا بالإفلات من العقاب. الولايات المتحدة تستخدم حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد أي قرار يدين إسرائيل، مما يحول دون فرض أي ضغوط دولية حقيقية عليها.
  2. الضغوط على المجتمع الدولي: تمارس إسرائيل وحلفاؤها ضغوطًا كبيرة على الدول التي تنتقد سياستها، وتتهمها بمعاداة السامية في كثير من الأحيان، مما يخلق بيئة من التردد والخوف لدى بعض الدول من اتخاذ مواقف صريحة ضدها.
  3. القدرات العسكرية المتفوقة: تمتلك إسرائيل جيشًا متطورًا وحديثًا، مزودًا بأحدث التقنيات العسكرية الأمريكية والغربية. هذا التفوق العسكري يمنحها القدرة على تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق دون الخوف من رد فعل قوي من خصومها، حيث إنها دولة نووية تهدد كل جيرانها.
  4. الاستخدام الفعال للدعاية والإعلام: تستخدم إسرائيل استراتيجيات دعاية قوية لتبرير أفعالها وتشويه صورة خصومها، مما يؤثر على الرأي العام العالمي ويصعب من مهمة إيصال الرواية الفلسطينية والمعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني.
  5. تفكك الصف العربي والإسلامي: ضعف التنسيق والعمل المشترك بين الدول العربية والإسلامية، وانشغال بعضها بقضايا داخلية، يقلل من فعاليتها كقوة ضغط على إسرائيل وداعميها.

دعوة للمساءلة الدولية

إن تورط إسرائيل في حرب على سبع جبهات،وما يرافقه من عنف وجبروت غير مسبوقين، يعكس تحولًا خطيرًا في استراتيجيتها ونهجها. هذا التصعيد، المدفوع جزئيًا بالدعم الدولي اللامحدود، يهدد بزعزعة الاستقرار في المنطقة بأسرها. ان غياب المساعده الدوليه الفاعله يغذي هذا السلوك مؤديا الي استمرار دائرة العنف والمعاناة.ان الطريق إلى الاستقرار الحقيقي يمر عبر إنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ومحاسبة جميع الأطراف على انتهاكاتها للقانون الدولي، والعمل بجدية نحو حل سياسي عادل وشامل يضمن الأمن والعدالة للجميع. فهل يستفيق المجتمع الدولي لخطورة الوضع قبل فوات الأوان؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق