أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

التهجير كهدف رئيسي للمشروع الصهيوني

ليس تهجير الفلسطينيين مجرد نتيجة مأساوية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بل انه هدفًا محوريًا للحركة الصهيونية منذ نشأتها كمشروع استعماري استيطاني.

نستكشف في هذا المقال كيفية تطبيق التهجير بشكل ممنهج، وأشكاله المختلفة، والسياق التاريخي، والمقاومة الفلسطينية، والمنظور القانوني الدولي لهذه الممارسات-في غزة.

مفهوم “التفكيك”

لا يقتصر التهجير على التهجير الجسدي؛ بل يسعى أيضًا إلى محو الروابط التاريخية والقانونية والثقافية للفلسطينيين بأرضهم. وقد شملت عملية “التفكيك” ما يلي:

  • محو الذاكرة المكانية: تدمير القرى وتغيير أسمائها لمحو الوجود الفلسطيني.
  • التلاعب القانوني: سن قوانين مثل “قانون أملاك الغائبين” لمصادرة أراضي اللاجئين.
  • الحرب على الأرشيف: تدمير ممنهج للوثائق والسجلات التي تثبت الملكية والتاريخ الفلسطيني.

أساليب التهجير الممنهجة

شكّلت نكبة عام 1948 لحظةً مفصليةً في التاريخ الفلسطيني، حيث طُرد أكثر من 700 ألف فلسطيني من منازلهم. في جنوب فلسطين وقطاع غزة، أُعيد توطين السكان قسرًا في مناطق مكتظة لتسهيل السيطرة عليهم.

صودرت أراضٍ خصبة مثل بربرة والجورة، وأصبحت السيطرة على موارد المياه أولويةً استراتيجية. أدى تدمير ومصادرة الآبار وشبكات المياه الفلسطينية إلى أزمة مياه مستمرة في غزة، وهو إرثٌ لا يزال يؤثر على المنطقة حتى اليوم.

العنف البطيء والإبادة السرية

لا ينتج التهجير دائمًا عن عنف مباشر كالقتل أو الهدم. بل غالبًا ما يتجلى في صورة “عنف بطيء” – عملية تدريجية، غالبًا ما تكون خفية، تفرض ظروفًا معيشيةً قاتلة على الفلسطينيين.

يشمل ذلك الحرمان من الموارد الأساسية، وفرض الحصار، وفرض قيود صارمة على الحركة.ان الطبيعة الخبيثة لهذا النهج تجعل من الصعب اكتشافه ومعالجته، إلا أن تأثيره عميق ودائم.

العمارة سلاح

يُستخدم التخطيط العمراني والعمارة بشكل استراتيجي كأدوات للتهجير، بهدف بناء المستوطنات، وجدران الفصل، والحواجز، والطرق الالتفافية إلى تجزئة الأراضي الفلسطينية، وقطع التواصل الجغرافي، وتعطيل الحياة اليومية. هذه التدخلات المكانية ليست عرضية، بل هي جزء من سياسة مدروسة لترسيخ السيطرة وتسهيل تهجير الفلسطينيين من أراضيهم.

التخطيط والممارسات القانونية

تُعدّ الأدوات القانونية والبيروقراطية أساسية في عملية التهجير. تستخدم السلطات الإسرائيلية تصنيفات مثل “المناطق العسكرية” و”المحميات الطبيعية” و”المواقع الأثرية” لتبرير عمليات الإخلاء ومنع التنمية الفلسطينية. كما أن رفض منح تصاريح البناء، والهدم القسري، والسياسات التي تُعيق التوسع العمراني، تزيد من خنق المجتمعات الفلسطينية، وتدفعها نحو الهجرة القسرية.

وأخيرًا، أحدث أساليب التهجير اللاإنسانية هي آلية توزيع المساعدات الأمريكية-الإسرائيلية في غزة (مؤسسة غزة الإنسانية – GHF)، التي تديرها مؤسسة خاصة مرتبطة بالمخابرات الأمريكية، ويحميها الجيش الإسرائيلي، مع إقصاء تام للمنظمات الدولية والمحلية المستقلة.

وقد اعترضت عليها منظمات حقوق الإنسان والمدنية الفلسطينية، واعتبرتها “تهديدًا قاتلًا” لحياة عشرات الآلاف من الجياع، لا سيما بعد استشهاد عشرات الفلسطينيين بنيران الاحتلال قرب نقاط توزيع المساعدات في خان يونس.

وتعتبر تهديدًا مباشرًا لحياة المدنيين وانتهاكًا للقوانين والمعايير الإنسانية الدولية، حيث يتم تجميع الجياع حول نقاط التوزيع ثم قتلهم – كبار السن والأطفال والنساء على حد سواء. كما تُعتبر أداة لتعميق الأزمة الإنسانية، وتطبيق سياسات التهجير والتغيير الديموجرافي في القطاع، هوجريمة إبادة جماعية بحق الفلسطينيين.

على الرغم من الجهود المستمرة لتهجيرهم ومحوهم، طوّر الفلسطينيون أشكالًا متنوعة من المقاومة:

  • المقاومة الأرشيفية: حفظ الوثائق، وتسجيل الشهادات، وإنشاء أرشيفات رقمية لحماية التاريخ والحقوق.
  • المقاومة القانونية والسياسية: السعي لتحقيق العدالة في المحاكم المحلية والدولية.
  • المقاومة المكانية: إعادة بناء المنازل المهدمة، وزراعة الأراضي، والحفاظ على أسماء القرى الأصلية.
  • المقاومة الثقافية: استخدام الأدب والفن واللغة للحفاظ على الهوية وتأكيد الوجود.
  • المقاومة الرقمية: الاستفادة من الخرائط الرقمية وتقنيات الواقع الافتراضي لتوثيق واستعادة المساحات الفلسطينية.

الناحيه القانونية:(بناءً على الملاحظات القويه لسعادة السفيرة الدكتورة نميرة نجم: التهجير في غزة)

  • رأي عام ٢٠٠٤: قضت محكمة العدل الدولية بأن بناء جدار الفصل العنصري والسياسات المرتبطة به يُعدّ تهجيرًا قسريًا، وهو انتهاك للقانون الدولي.
  • رأي عام ٢٠٢٤: وصفت محكمة العدل الدولية التهجير بأنه جريمة دولية، لا سيما عندما يكون ممنهجًا ويهدف إلى هندسة ديموجرافية. وأكدت المحكمة على الالتزام بإنهاء الاحتلال وتقديم تعويضات عن الأضرار، مشيرةً إلى أن عمليات الهدم المستمرة لتُهيئه بيئة تُنفّر السكان قسرًا.

التعريف الموسّع للتهجير

تقرّ الأطر القانونية الحديثة بأن التهجير لا يقتصر على الطرد المادي؛ بل يشمل سياسات تجعل الحياة غير صالحة للعيش، مما يُجبر الناس على الرحيل. ويُنظر إلى هذه الممارسات بشكل متزايد على أنها أشكال من الفصل العنصري والتطهير العرقي.

 دور الأمم المتحدة

تُدين قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – مثل القرار 194 (1948)، والقرار 237 (1967)، والقرار 465 (1980)، والقرار 2024 – التهجير وتطالب بحق العودة للاجئين، بالإضافة إلى وقف النشاط الاستيطاني.

الاتفاقيات الدولية

  • قواعد لاهاي واتفاقية جنيف الرابعة: تحظران العنف والعقاب الجماعي والتهجير القسري، وتُصنّفان هذه الأفعال كجرائم جسيمة.
  • نظام روما الأساسي: يُعرّف التهجير بأنه جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب.
  • القانون الدولي العرفي: يُؤكد حق النازحين في العودة إلى ديارهم.

الخلاصات القانونية والسياسية

  • يُعدّ تهجير الفلسطينيين جريمة بموجب القانون الدولي، حيث تُصنّف سياسات إسرائيل المنهجية على أنها تطهير عرقي.
  • الزام إسرائيل بالاتفاقيات الدولية التي تحظر هذه الممارسات.
  • رفض مفهوم “الهجرة الطوعية” على نطاق واسع باعتباره خدعة قانونية تهدف إلى إضفاء الشرعية على التهجير القسري.
  • يُعدّ الضغط السياسي، والإجراءات القانونية، والتضامن الدولي أمرًا أساسيًا لمواجهة هذه الممارسات والمطالبة بالمساءلة.

ختامًا، واستنادًا إلى الأدلة والتحليلات المقدمة، تُقترح التوصيات التالية:

العمل السياسي الدولي:

العمل على تحويل وقف إطلاق النار المؤقت إلى سلام دائم، بمشاركة فاعلة من الجهات الفاعلة العربية والإسلامية والدولية لضمان حماية حقوق الفلسطينيين ومنع المزيد من التهجير.

الضغط القانوني والإعلامي:

ممارسة أقصى قدر من الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة من خلال اللجوء إلى محكمة العدل الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية. استغلال وسائل الإعلام ومراكز الفكر، وخاصة داخل الولايات المتحدة، لفضح الانتهاكات المستمرة على أرض الواقع.

رفض مخططات التهجير والتصفية:

رفض أي مخططات تهجير تُمهد لتصفية القضية الفلسطينية رفضًا قاطعًا، وكشف هذه المخططات من خلال جميع القنوات القانونية والدبلوماسية والإعلامية المتاحة.

التوثيق والرقابة القانونية:

إعداد ملف قانوني شامل وموثق جيدًا حول انتهاكات التهجير القسري. بالإضافة إلى ذلك، الدعوة إلى تشكيل لجنة طوارئ عربية-دولية لرصد حالات التهجير الجماعي والاستجابة لها.

الأمن القومي المصري:

حماية الأمن القومي المصري برفض مقترحات فتح الحدود كحل سياسي. دعم التنمية والسكان في منطقة سيناء لمواجهة أي فراغ ديموغرافي محتمل.

الإعلام والتوعية العامة:

توحيد الخطاب الإعلامي بين مصر وفلسطين. إطلاق حملات توعية عالمية لتوثيق معاناة المدنيين وكشف استراتيجيات التهجير، مع إشراك مراكز الأبحاث في جهود المناصرة.

الدعم الإنساني والاقتصادي:

تعزيز صمود الفلسطينيين من خلال دعم البنية التحتية في غزة وتأمين الوصول إلى الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والغذاء والدواء. ضمان وصول المساعدات الطارئة إلى المتضررين لمساعدتهم على البقاء في منازلهم.

التنسيق الداخلي الفلسطيني:

تشجيع الوحدة بين القيادة الفلسطينية والدفع نحو بيان موحد من جميع الفصائل يرفض التهجير القسري. تعزيز الأولوية الوطنية للصمود وحق البقاء على أرضهم. وفي نهاية المطاف، يتعين علينا أن نبذل كل جهد ممكن لمنع أي شكل من أشكال التغيير الديموجرافي القسري في غزة أو الضفة الغربية، مع الحفاظ على الحق غير القابل للتصرف للفلسطينيين في العودة والعيش بكرامة وحرية على أرضهم التاريخية.

كاتب المقال:

لواء اح م د محمد الكشكي مدير مركز الشؤون العالمية في جامعة بدر وأستاذ في كليه العلوم السياسية بالجامعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق