أخبار العالمأمريكابحوث ودراسات

رسائل ترامب في خطابه أمام الكنغرس

ترامب يستعرض قوته واعادة تشكيل السياسة الأميركية

لم يكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطابه الأول أمام الكونغرس صباح يوم امس 05 مارس 2025، مجرد رئيس يلقي بياناً عن حالة بلاده، بل زعيم حركة سياسية مصمم على إعادة تشكيل الواقع السياسي الأميركي بالقوة وعلى طريقته الخاصة.

 كانت رسالته صريحة واضحة تنم عن غطرسة وثقة في النفس أكثر من اللوزوم: هذه ليست مجرد ولاية ثانية، بل إعادة ترسيم لقواعد اللعبة.

ترامب وإعادة ترسيم لقواعد اللعبة السياسية في الداخل والخارج

بدأ ترامب خطابه بالحديث كمنقد قومي أمام الكنغرس في عملية “بطولية” لم تشهدها الولايات المتحدة سابقا، فالبطل القومي يتحدث عن استعادة السيادة الوطنية “المسلوبة” والتي تكبّلها الإتفاقيات التي كانت هي الادارات الأمريكية والدولة العميقة الأمريكية من صاغها واليوم يأتي “ترامب” وبطريقته الإستعراضية الفضّة يقول “سنتحرر من الإتفاقيات وسنسترجع السيادة الوطنية”، مؤكداً أن الولايات المتحدة لم تعد رهينة الاتفاقيات الدولية التي تكبل حركتها.

وبجرة قلم وبتوقيع إستعراضي انسحب من اتفاق باريس للمناخ، أوقف تمويل منظمة الصحة العالمية، وأعاد رسم أولويات العلاقات التجارية الأميركية على أساس المنفعة المباشرة. إلغاء الإتفقيات والإنسحاب منها حسب رؤيته، هي التي تعيد للولايات المتحدة السيادة الوطنية ومكانتها العالمية دون الحاجة إلى التنازلات أو التفاهمات غير المتكافئة.

من شاهد شكل ترامب ونبرات صوته وهو يلقي الخطاب أو محتوى الكلمة فهو يدرك تماما هذه العقلية “المافيوزية” أو لنقل “عقلية التاجر الدولي” فهو يؤمن بمنطق الصفقة لا الشراكة وبحسب المعطيات التي نعرفها فكل “بزنس” ترامب ليس فيه شراكات ولا يعتمد على الشركات فإعتماده المبدئي هو الصفقات وهذا ما سيطبقه في علاقاته الدولية بمنطق الصفقة لا الشراكة.

 التركيز على مصلحة “أميركا أولاً” فالرجل يتحدث عن إسترجاع السيادة الوطنية وطبعا هذا الخطاب قد هزّ الرأي العام الأمريكي أولا وكذلك جعل من الحلفاء التقليديين أكثر حذراً في التعامل مع واشنطن “الترامبية”، بينما عزز لدى خصومها شعوراً بأن المواجهة قادمة لا محالة. والحرب الكبرى على الأبواب… فالرجل تحصّل على الولاية الثانية في صفقة كبرى من أجل الحرب الكبرى…

أمريكا الجديدة في عهد “الترامبية المتوحشة”

الملف القديم الجديد: تشديد سياسة الهجرة وإغلاق الأبواب:

بدأ الرجل خطابه بالتركيز على السياسات الداخلية فقد احتلت إعادة النظر في القضايا الداخلية جزءاً واسعاً من خطاب ترامب، وعلى رأسها ملف الهجرة وما أدرك من هذا الملف فهو الملف الذي خاض به حملته الإنتخابية وهو أول ملف قد تطرق إليه وأتخذ فيه قرارات منذ أوّل يوما دخل فيه مكتبه بالبيت الأبيض.

أعلن حالة الطوارئ على الحدود، واعتبر أن بلاده تواجه “غزواً” يجب إيقافه بكل الوسائل. الإجراءات التي تحدث عنها شملت زيادة عدد قوات الحرس الوطني، توسيع عمليات الترحيل، والتضييق على المدن التي تمنح المهاجرين غير الشرعيين الحماية القانونية.

مع العلم ان هذا التشدد في التعامل مع المهاجرين ليس جديداً، لكنه اليوم أكثر راديكالية وعلى الطريقة الترامبية المتطرفة. ترامب لا يكتفي بمنع دخول المهاجرين غير الشرعيين، بل يستهدف البيئة القانونية التي تسهل وجودهم، في محاولة لإعادة تشكيل التركيبة السكانية والاجتماعية بما يخدم رؤيته القومية المتشددة فالرجل رأسمالي ويميني متطرف.

السياسة الاقتصادية والنموذج الترامبي:

ترامب قدم أمام الكنغرس في كلمته أرقاماً عن انخفاض البطالة، ارتفاع معدلات النمو، وزيادة الأرباح في أسواق المال، مشدداً على أن هذه النتائج هي ثمرة سياساته الحمائية ومع العلم أن العديد من الصحف الأمريكية قد كذّبت إدعاءات ترامب وقالوا إنها مغالطات أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي.

فرض تعريفات جمركية جديدة على الصين والمكسيك وكندا، واعتبر أن هذه الخطوة أعادت التوازن إلى التجارة الخارجية وأجبرت الشركات على العودة إلى الداخل الأميركي وبحسب خبراء إقتصاديين أن هذه الإجراءات ليست لصالح أمريكا وستكون عواقبها وخيمة وأنّ خلف هذه الأرقام، هناك واقع مختلف تماما على ما يدّعيه ترامب ومجموعته.

وبحسب خبراء الإقتصاد الأمريكان، ارتفاع الأسعار الناتج عن الحروب التجارية أثقل كاهل المستهلك الأميركي، فيما استفادت الشركات الكبرى أكثر من العمال. سياسات ترامب الاقتصادية عززت الاستثمارات الرأسمالية، لكنها لم تحل جذرياً مشكلة الفجوة الطبقية المتزايدة، بل زادت من اتساعها لصالح الفئات الأكثر ثراء.

الترامبية والعلاقات الخارجية

لم يكن خطاب ترامب في الشأن الخارجي، سوى إعلان صريح عن الهيمنة بالقوة والإعلان على أنه “الفرعون الأمريكي” الجديد الذي سيحكم العالم بالقوة وعلى الجميع القبول وإلاّ سوف يستعمل “العصا”.

ترامب لا يؤمن بالعطاء دون مقابل وبهذا بدأ كلمته حول التعامل مع الخارج، فقد قال في ما معناه الولايات المتحدة، ليست ملزمة بحماية أحد دون مقابل، ولا يجب أن تتحمل أعباء التحالفات التقليدية إلا إذا كانت في مصلحتها المباشرة.

تحدث عن ضرورة أن يتحمل الحلفاء مسؤولياتهم المالية داخل الناتو، وأكد أن بلاده لن تتردد في استخدام القوة حيثما دعت الحاجة.

هذا نهج إذا لم تنفع الجزرة فالعصا جاهزة، فالتهديد بالمنهج العسكري الصريح يعكس استراتيجية إدارة السياسة الخارجية كملف اقتصادي بحت، حيث تُقاس العلاقات الدولية بناء على الربح والخسارة والصفقات.

وطبعا ستكون النتيجة الحتمية لهذه المقاربة “الترامبية” هي تصاعد التوترات بدلاً من احتوائها، وخلق أجواء دائمة من الإستعداد للمواجهة بدلاً من الاستقرار.

الترامبية ترفض الهزيمة في أي معركة سياسية:

ترامب ظهر عليه الحدّة والشراسة في كلمته عندما تطرّق الى موضوع الإنتخابات فقد وصف ما حدث سابقا بأنه “سرقة”، وأكد أن إدارته لن تسمح بتكرار ذلك… كان هذا إعلاناً صريحاً بأن معركة الانتخابات المقبلة قد بدأت منذ الآن، وأن الطعن في أي نتيجة لا تخدم مصالحه سيكون جزءاً من الاستراتيجية السياسية.

الخلاصة

ترامب أمام الكنغرس وفي هذا الخطاب شكلا ومضمونا، لم يكن مجرد رئيس تقليدي قد فاز بولاية ثانية ويتحدث عن إنجازاته، بل كانت هئته وملابسه ونبرة صوته والمصطلاحات التي إستعملها تخرج عن مالوف الرؤساء الأمريكان، كان يظهر وكما أراد مع فريقه أنه “زعيم قومي” يريد أن يدخل التاريخ بشتى السبل زعيم يقود مرحلة سياسية كاملة عنوانها المواجهة والقوة والعنهجية.

ليس هناك مجال للتسويات أو الحلول الوسطى لترامب ومجموعته، بل هيمنة مطلقة في الداخل والخارج، تحت شعار واحد: أميركا أولاً، وبالقوة إذا لزم الأمر.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق