أخبار العالمإفريقيابحوث ودراسات

25 جويلية 2021 :خطوة نحو التحول الديمقراطي

اعداد: صفاء الغضاب-متربّصة بالمركز الدولي للدراسات الإستراتيجية

ماذا حصل يوم 25 جويلية ؟

دخل تاريخ25 جويلية 2021 الى كتاب تاريخ تونس من بابه العريض فهو يوم انقاذ للوطن التونسي، امتزج هذا التاريخ بالذكرى 64 من اعلان الجمهورية التونسية، وتحول الى قرار مصيري للبلاد ليصحح مسار تونس بكامله، ويغرس جذور ونور الثورة الحقيقية ومبادئها من جديد.

 انه يوم النصر العظيم، يوم تأسيس دولة الحقّ والقانون، أخيرا انتصرت ثورة 14 جانفي 20211 التي نهبت وسرقت وسرق من خلالها حلم شعب كامل،سرقت مبادئها،” حرية،كرامة، سيادة للشعب وعدالة اجتماعية.

فما دام الشعب يريد رحيل البرلمان ورحيل الحكومةوما دام الكل يناشد هذا النصر الديمقراطي،والكل ينادي برحيل من حكموا البلاد عشر سنوات من الدمار والتفقير والتهميش واسقاط للدولة بطريقة ممنهجة…

 فلماذا انتفض الشعب في 2011 ؟ أليس مطالبة بإرساء الديمقراطية ونظام سياسي عادل وديمقراطي؟

فالرئيس قيس سعيد قد استجاب لنداء واستغاثة المواطنين في كل انحاء البلاد وولاياتها، استجاب لصرخة شعب  المطالبة برحيل المنظومة الفاسدة، برحيل طبقة سياسية مرتزقة من الحكومة والبرلمان.

الشعب يقرر والرئيس يستجيب، هذا ما فسر خروج الجميع للاحتفال بعد قرارات الرئيس لأنه لأول مرة في تراخ الشعب التونسي رئيسا يكون من الشعب والى الشعب فلا مرجعية غير مرجعية الشعب ولا صوت يعلوا فوق الشعب ولا دستور مقدس الاّ دستور الشعب.

  • مفهوم التحول الديمقراطي:

تعددت التعاريف لمفهوم التحول الديمقراطي، ومن بين أهم المفاهيم للديمقراطية :” أن التحول الديمقراطي هو عملية تطبيق القواعد الديمقراطية.”ستيفين جون كنك.

أمّا سليبا سارسار فعرّف التحول الديمقراطي بأنّه : “عملية اتخاذ قرار تساهم فيه جميع القوى.”

وبالنسبةلصموئيل منتغتون “أن التحول الديمقراطي في كل دولة هو نتيجة لمجموعة من الأسباب.”

في حين يعرف الدكتور برهان غلين التحول الديمقراطي على أنّه القبول بالتعددية واحترام الآخر، والقبول بالعدالة وضمان الحقوق والواجب المتساوية، والعمل بدولة القانون، والابتعاد عن العنف والاضطهاد.

  • مراحل التحول الديمقراطي وأنماطه ومعوقاته:

1/ مرحلة القضاء على النظام السلطوي:

وهي المرحلة التي تبدأ من صراع القوى السياسية على السلطة، وانقسام نخبته السياسية بين اصلاحيين ومحافظين، ونمو درجة استقلالية مؤسسات المجتمع المدني، مما يؤدي الى حدوث أزمة سياسية بالنظام السياسي التسلطي، قد لا يتبعه بالضرورة تأسيس نظام ديمقراطي. مما ينجم عنه الانهيار لشكل آخر من أشكال النظام التسلطي فنتيجة للالتفاف على التجربة الديمقراطية اذ لم يحصل تغيير جذري في الساحة.

فكل تحول سياسي يظل هشا ومرشحا للتراجع أو إعادة انتاج للإستبداد ما لم يبنى على مصارحة الذات واعتماد آليات بناءه تضمن انتقالا سليما يستند الى تجارب انسانية رائدة وبصورة بعيدة من منطق الانتقام والاقصاء كما هو الحال في تونس فالتجاذبات السياسية بين كتل البرلمان جعلت منه مصدر لتعطل مصالح البلاد وليس مصدرا لتقدمها وتطورها وتأسيس دولة الحق والقانون.

2/ مرحلة اتخاذ قرار النظام الديمقراطي:

وهي تمثل المدة الزمنية للانتقال من النظام التسلطي الى النظام الديمقراطي ويتخللها احتمالات الارتداد عن الديمقراطية وتوصف تلك المرحلة بأنّها المرحلة الفاصلة بين انهيار السلطة والانتقال الديمقراطي، وينبغي الاشارة الى أنّ هذه المرحلة هي التي تعبر عن مستوى نضوج القطاعات الشعبية بحجم المؤسسات الملقاة على عاتقها بضرورة الخروج من حالة الاستبداد ومحاربته، ونشر الفكر الديمقراطي الذي يؤسس لمرحلة التحول، والحال أن تونس تخطت هذه المرحلة بنجاح إذ تعالت نسب المشاركة في الانتخابات ومارس الشعب حقه في اختيار ممثليه.

3/ مرحلة تدعيم التحول الديمقراطي:

وهي المرحلة المقبلة لحدوث التحول، وذلك للحيلولة دون حدوث انتكاسات في مسار عملية التحوّل، فضمان ما يسمى “الديمقراطية الاجرائية” جلال مرحلة التحوّل لا يعني أن النظام استقر بشكل نهائي، وأنّ في طريقه بشكل سلس نحو مرحلة الرسوخ وتكريس الديمقراطية لتصبح الديمقراطية سلوك مجتمعي، فجوهر هذه المرحلة هو قبول الفاعلين السياسيين بشرعية المؤسسات الجديدة كافة.

والحال هنا أن في تونس أصبح مجلس نواب الشعب عائقا أمام تقدم مؤسسات الدولة لصعوبة التفاهم والانسجام بين فسيفساء الاحزاب والكتل المنتخبة ليصبح المجلس مصدرا لتعطيل عمل مؤسسات الدولة، وهذا ما دعا  الشعب التونسي اليه في يوم 25 جويلية، لإعادة النظر في اختياراته في النظام البرلماني ككل والتفكير في عدم نجاعته وتحقيقه لمصلحة البلاد ومطالب الثورة.

4/ مرحلة النضج الديمقراطي:

وهي المرحلة التي يتحقق فيها مستوى عالي من الثقافة السياسية وفهم المطلوب لحقيقة الديمقراطية ومعرفة الحقوق والواجبات لمرحلة الديمقراطية وفي هذه المرحلة يتم تحقيق مستوى من الديمقراطية على المستوى الاقتصادي والتي تعمل على تحقيق نمط متساوي لتوزيع السلع والخدمات، وتوفير فرص العمل وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، كما نتحقق من الديمقراطية على المستوى الاجتماعي التي تمنح مختلف فئات المجتمع بالقدر نفسه من حقوق المشاركة. ربما يكون ما بعد 25 جويليةهو تأسيس للوصول لمرحلة النضج والوعي من أجل البناء الصحيح.

  • العوامل المؤثرة في التحول الديمقراطي:

1/ العوامل الداخلية:

تختلف العوامل الداخلية لتحول الديمقراطي من بلد الى آخر ومن أهمها ضعف سيطرة النظم السلطوية ولجوئها للعنف السياسي واتباع سياسة القمع كذلك الثقافة السياسية حيث تتنوع الأحزاب ونشاطاتها وقيمها كما هو الحال في تونس فهي من البلدان التي يوجد بها عدد كبير من الأحزاب وهي مثال للتعدد والديمقراطية، كذلك يؤثر العامل الاقتصادي على عقلية المواطن الذي يحس بالقمع وبالاضطهاد، مما يدفع به الى الاحتجاج والمطالبة بحقه في العيش الكريم. كما لعبت مؤسسات المجتمع المدني دروا فعالا في نمو الحس الثوري والديمقراطي ومزيدامن ترسيخ الوعي السياسي والوعي الوطني.

2/ العوامل الخارجية:

من اهم العوامل الخارجية الباعثة للثورات والملهمة للتحرر نجد تأثير النظام الدولي الجديد بكامل منظماته الدولية والعالمية وأجهزته المتفرعة في الفكر السياسي والوعي الديمقراطي، كما لعبت العولمة والرقمنة دورا في نشر الفكر المتجدد وبعث التجدد والتغيير.

  • خطوات تونس نحو التحوّل الديمقراطي

إنّ العديد من الدراسات حول مفهوم التحول الديمقراطي ترى فيه عملية لا يمكن الحكم عليها خلال بضع سنوات، ومن الخطأ المنهجي والنظري الوقوع في فخ الثقافة التي تحاول أن تملأ الفراغات التفسيرية بتفسيرات معمقة، فالتحول التاريخي في الديمقراطية الناشئة عرف بدوره ثغرات وعقودا من الزمن أيضا.

صحيح ان تونس عرفت الديمقراطية عن طريق ثورة الياسمين لكنّ العوامل الداخلية التي ساهمت في فشل الديمقراطية المرساة وجعلت من الشعب يثور من جديد ليكون يوم 25 جويلية2021 نقطة التحول والوصول الى مرحلة النضج الديمقراطي كآخر مرحلة من مراحل التحول الديمقراطي فلا يكفي تغيير المنظومة السابقة وإعادة الانتخابات وتغيير الحكام لتكون تجربة التحول الديمقراطي مكتملة.

 فمفهوم الديمقراطية جاء بالأساس من أجل حكم الشعب لنفسه وممارسة الحقوق والحريات دون وصاية أو قيد فالمفكر جيم كليكولين يعرف الديمقراطية بأنّها:” الحكم من قبل الشعب نفسه” كما دعمه المفكر أندروهيوود بقوله: “أنّ للديمقراطية أشكالا متعددة وعرّفها بكونها المشاركة الفعالة.”

فأين فاعلية الديمقراطية المرسخة قبل 25 جويلية؟

 ليست موجودة بالتأكيد ما دامت مبادئ الثورة لم تتحقق والشعب مازال يثور من أجل نفس الأسباب التي ثار ضدّها في 2011 ليأتي فجر الديمقراطية من جديد في التاريخ العظيم يوم 25 جويلية 2021 متى اكتمل التحول الديمقراطي وبدأت الدولة تسير نحو أفق التغيير، والتجديد والتطور وعلى رأي الدكتور جون هيرست “الديمقراطية هي تمتع المجتمع بحق السيادة الكاملة”.

ارساء الديمقراطية يكون على مراحل ونحن الآن بفضل قرارات 25 جويلية بدأت اليوم من أجل الخلاص من أكبر عملية سطو على الدولة التونسية، من أجل تصحيح المسار الديمقراطي، ومن أجل إرادة وكلمة الشعب، من اجل مصلحة الوطن.

وسيادة الشعب عرفها كاري دي ملبارق: “هي السلطة العليا في الدولة، أي سلطة السلطات التي لها الكلمة الا مرة والأخيرة على سائر الأفراد والجماعات والهيئات داخل حدود اقليم الدولة.” ونحن في تونس أمام تحركات ونداءات الشعب، وفعلا فإنّ الدولة التي تعطي سيادتها لشعبها تعتبر نموذج لترسيخ الديمقراطية وبناءها.

وبالنسبة الى النظريات الديمقراطية نجد “الامة” هي صاحبة السيادة كما وقع تكريس هذه النظرية لأوّل مرة عند قيام الثورة الفرنسية، فقد تضمنت وثيقة حقوق الانسان والمواطن التي أقرتها الجمعية الوطنية عام 1789 مبدأ سيادة الأمة إذ نصت هذه الوثيقة في فصلها الثالث على أنّ : “الامّة هي مصدر كل سيادة ولا يجوز لأي فرد أو هيئة ممارسة السلطة إلّا على اعتبار أنّها صادرة منها.” ويعتبر المفكر “سياس ” من أبرز منظري سيادة الأمة وذلك في مؤلفه الشهير: ” ما هي الطبقة الثالثة؟”

كما نجد ايضا نظرية سيادة الشعب التي جاء بها جون جاك روسو في كتابه “العقد الاجتماعي” وتمّ تكريس هذه النظريات في الدستور الفرنسي المؤرخ في 24 جوان 1793 وبالتحديد في الفصلين 25 و26 منه لتكون من هنا تونس الدولة العربية الأولى التي تكرس مبدأ السيادة والشعب وذلك بالانسجام مع رغبات شعبها ودعواته لإسقاط الحكومة ومجلس نواب الشعب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق