فارس تريعي-تونس
تتعرض ليبيا لتدخل تركي سافر تجاوز كل الأعراف الدولية و الدعم لطرف في الصراع الليبي إلى تدخل مباشر و معلن لطرفاً في الحرب. و الملفت للانتباه ان الحكومة التركية تبعث بضباط يقودون معارك الميليشيات ضد الجيش الوطني الليبي ضمن غرف عمليات عسكرية، تركيا التي أرسلت أكثر من خمسة ملايين رصاصة إلى ليبيا، بمعدل رصاصة لكل ليبي، وهي التي أرسلت السفن الأربع محملة بأسلحة متنوعة خفيفة و ثقيلة؛ ومنها مسدسات كاتمة الصوت، التي تستخدم في عمليات الاغتيالات، مما يؤكد أنها تعبث بالأمن والاستقرار الليبي، و أرسلت ضباطاً وجنوداً ومدرعات عسكرية وعتاداً حربياً، وطائرات من دون طيار. و يزداد غطرسة و تحدي تركي لليبيين و للمجتمع الدولي بان يصل الأمر بمجاهرة إردوغان نفسه بأنه من أرسلها إلى طرابلس لدعم أنصاره من جماعة الإخوان، بالإضافة إلى الدعم الإلكتروني واللوجيستي عبر طائرات الإنذار المبكر التركية التي تحلق بالقرب من الأجواء الليبية كما تم تحويل مطاري مصراتة و زوارة إلى قواعد جوية تركية و غرف عمليات عسكرية و استخبارتية.
رغم أن عملاء تركيا في ليبيا، يزعمون أن لتركيا فضلاً على ليبيا لان السراج نفسه و حكومته هم من طلبوا بالتدخل العسكري التركي في ليبيا، فتركيا التي يربطها بليبيا تاريخ استعماري مظلم استمر لأكثر من 400 عام لم تبنِ فيه أي عمران سكني ولا حكومي، وما أنشأت نظاماً تعليمياً ولا صحياً يمكن الاستشهاد به اليوم على حجم التنمية التركية أو العثمانية، التي من المفترض أن ولاة السلطان العثماني قد قاموا بها في ليبيا، فالتاريخ يشهد على المجازر التي أرتكبها القرمانليين و احمد باشا السفاح تجاه القبائل الليبية.
ليبيا التي غيبتها تركيا 400 سنة عن الحضارة وسلمتها لمستعمر فاشي إيطالي بعد انسحابها من ليبيا، وترك الليبيين يواجهون مصيرهم مع مستعمر استيطاني جديد، فالخذلان التركي لليبيا، ليس فقط في هذه المرة الأولى، فقد سبق لتركيا العثمانية أن سلمت ليبيا المسلمة إلى الإيطاليين الكاثوليك، وفق معاهدة أوشي التي تم توقيعها إثر الحرب العثمانية الإيطالية (1911 – 1912).
عقدت في قلعة أوشي في ضواحي لوزان السويسرية في 3 أكتوبر 1912، والتي بموجبها انسحبت الدولة العثمانية من ليبيا، تاركة الليبيين عزلاً من دون سلاح، لمصيرهم أمام الغزو الإيطالي الاستيطاني، فعن أي حماية يتحدث عملاء تركيا؟
ليبيا اليوم لم تغزُ تركيا ولم تتدخل في شؤونها، ولا دعمت أكراد تركيا في قضيتهم ولا حتى الأرمن، بينما تركيا لا تزال تقف في الضفة الخطأ وتهدد الجيش الليبي، بقصف مقراته، فوق أرضه وتحت سماء بلاده، مما يؤكد حالة العربدة واللامسؤولية في احترام سيادة الدول.
تركيا تؤوي جميع المتطرفين و الإرهابيين و المجرمين في ليبيا من كبيرهم المفتي المعزول صادق الغرياني، إلى قيادات الجماعة الليبية المقاتلة عبد الحكيم بلحاج، إلى سامي الساعدي وعبد الوهاب القايد شقيق أبو يحيى الليبي الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة»، الذي قتلته القوات الأميركية.
تركيا تعالج جرحى الميليشيات بل وحتى الإرهابيين، ومنهم الهالك محمد الزهاوي زعيم تنظيم «أنصار الشريعة» الإرهابي، وفق تصنيف مجلس الأمن.
مئات من جرحى الميليشيات تعج بهم مستشفيات تركيا، ولم تتوقف عن دعم الميليشيات بل وتجاهر بالدعم المستمر واللامحدود لان الأموال ليبيا المنهوبة كلها في البنوك التركية.
فمن حق القوات المسلحة العربية الليبية الدفاع عن سيادة الأراضي الليبية المنتهكة من الجنود الأتراك، فليبيا لم ترسل جنوداً إلى تركيا ولا سلاحاً إلى معارضين أتراك، ولكن الحكومة التركية فعلت، فتركيا لا تزال معول شر في ليبيا للأسف، في حين هي دولة إقليمية كان يجب أن تكون وسيطاً نزيهاً في الأزمة الليبية لتتمكن تركيا من تحقيق شراكة اقتصادية ناجحة في ليبيا، ولكن هوس إردوغان بالخلافة العثمانية والهيمنة والنفوذ بدلاً من الشراكة جعله يتقاطع المصالح مع جماعة «الإخوان» التي مشروعها «الخلافة» ودولة المرشد، ولهذا تكون العلاقة بينهما، علاقة مصلحة مؤقتة، في حين كل منهما يسعى إلى الزعامة، دون الآخر، مما قد ينبئ بصراع وشيك بينهما حين تستقر الأمور لأحدهما.
مشروع إردوغان جعل الحكومة التركية تقف في الضفة الخطأ في ليبيا، وهي بذلك تناصب أغلب الليبيين العداء، بدلاً من أن تمارس دور الوسيط النزيه في الأزمة الليبية، بحكم حجمها الإقليمي إلا أن أطماعها لا تجعل منها وسيطا للسلام بل هي تريد بسط نفوذها عبر اذرعها الاخوانية في المنطقة.