وشهد شاهد من أهلها
تونس العاصمة-تونس الحبيب الأسود-13-7-2020
أفراد الجماعات المسلحة لا يملكون مشروع دولة.. مهمتهم جلب الإستعمار الأجنبي على أنقاض ما يخربونه من الدولة،فليس في مقدور هذه الجماعات صناعة ثورة، أو قيادة دولة، أو حفظ حرمة وسيادة وطن.
من مخرجات ما سموه بـ”الربيع العربي” أن نتأت جماعات مسلحة تعد بالآلاف، تقاتل الأنظمة الحاكمة وتتقاتل في ما بينها، وتعددت راياتها وألقابها، من جند الشام إلى جيش الإسلام إلى دولة الخلافة إلى القاعدة إلى جبهة النصرة إلى الأحرار إلى الديمقراطية، إلى ألقاب تحكي انتفاخا صولة الإسلام والجهاد والحرية…
بحثت في هويات المتقاتلين، وفحصت سجلاتهم، وقرأت كتاباتهم ومنشوراتهم، واستمعت إلى خطبهم وبياناتهم، فوجدتهم كلهم يدّعون الإيمان بالله ورسوله، ويرون أنفسهم مسلمين موحّدين، يرفعون الأذان ويصلون، ويقرؤون القرآن ويجيدون ترتيله…
لكنهم يلعنون بعضهم البعض، ويستشهدون بالآيات نفسها لتبرير القتل بينهم، ويُسمّون قتالهم جهادا وطاعة وطلبا للشهادة، وكل فريق منهم يدّعي أن الله معه، وأن الفريق الآخر من المغضوب عليهم، وأن قتلاه في الجنة، وقتلى الآخرين في النار، وكلّ منهم يتهم الآخر بالكفر والردة، ويصفه بالخائن والعميل… والدماء بينهم تسيل، لا يُراعى فيها حُرمة ولا دين…
يخربون بلدانهم بأيديهم، ويهتكون الأعراض، ويستبيحون المحارم، ويهلكون الحرث والنسل، ويفتحون أبواب الإستعمار الأجنبي على أنقاض ما يخربونه من الدولة… وجدت حبالهم غير موصولة بالله، ووجدتها موصولة بـ”إسرائيل” وأمريكا وفرنسا وروسيا وبريطانيا وإيطاليا، وبدول أخرى ثانوية، كتركيا والإمارات وقطر وغيرها ، تستعملها قوى البغي في العالم للتمويل والتسليح والتجنيد وتشغيل آلة الدمار الذاتي من أجل تدمير الدولة والقوة…
إنهم أفراد جماعات لا يملكون مشروع دولة، ولكنهم مسكونون بفكر الجماعة والفئة والطائفة، وتحركهم رغبة الثأر والإنتقام من أنظمة استبدت بهم وقهرتهم، وعلى ذلك استعملتهم الدوائر المخابراتية النافذة في العالم من أجل تفتيت الدول بما يسهل إتمام مشروع الشرق الأوسط الجديد الأمريكي، وتمرير صفقة القرن بما يضمن مزيد السيطرة على ثروات الشعوب ومقدراتها، ويحفظ أمن “إسرائيل” ووجودها وتفوقها على باقي الدول المشتتة من العرب والمسلمين…
وحتى الذين مارسوا السياسة في إطار دولة، رأيناهم كيف اختزلوا الدولة في الجماعة بعقلية الغنيمة والمحسوبية والمحاباة..
ففي مصر، رأينا كيف يقف رئيس منتخب بين يدي المرشد العام للإخوان صاغرا ليتسلم خطابا يلقيه على أسماع الشعب المصري، فظهر رئيسا لجماعة الإخوان برتبة أقل من المرشد، ولم يكن رئيسا لمصر، وفي تونس رأينا الجماعة كيف يسيّرون الدولة وكأنهم في مخيم كشفي ذي أبعاد عالمية، فظهروا وكأنهم لا تعنيهم الدولة وحدودها ولا الوطن ومقوماته السيادية.
وفي سوريا وفي ليبيا لم يكن للجماعات المسلحة هناك من همّ سوى تقاسم ريع النفط، وتداول النفوذ بالسلاح على المدن والقرى والشوارع والأزقة، وجلب المستعمر الأجنبي مقابل حفنة من الدولارات، فلا يعنيهم بناء الدولة بمؤسسات عصرية، ولا تهمهم وحدة وسلامة وطن، وكل همّهم الغنيمة حتى وإن كانت بمدد من أعداء الملة والدين…
فليس في مقدور هذه الجماعات صناعة ثورة، أو قيادة دولة، أو حفظ حرمة وسيادة وطن!