واشنطن تنفذ خطتها لضرب “طريق الحرير” وتثبيت هيمنتها على الشرق الأوسط
إعداد: قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية
مراجعة: الدكتورة بدرة قعلول
تونس 24-11-2023
سعت الولايات المتحدة عبر العديد من الأحداث ضمنها حرب غزة، تنفيذ مخططها الذي يشمل عرقلة التقارب العربي مع روسيا والصين وخاصة تدمير مشروع طريق الحرير واستبداله بالمشروع الهندي أو كما يسمى “طريق التوابل”.
فحرب غزة تعد ضمن سلسلة أحداث شملت بعضها سوريا وبيروت وكذلك إشعال الأزمة الأوكرانية وذلك بهدف استبدال طريق الحرير بخط الهند مع أوروبا، وكذلك مد خطوط غاز من الخليج وبحر غزة إلى أوروبا.
كما أنّ واشنطن قادت أوروبا إلى السيناريو الحالي للابقاء على ضعفها وعدم وجود علاقات قوية مع روسيا، لضمان استمرار الهيمنة الأمريكية.
كما أن الأحداث المتتالية والمتواترة خلال السنوات الثلاثة الماضية يؤكد العديد من النقاط الهامة:
منها أن سلسلة الأحداث المرتبطة بمخطط واشنطن، تشمل تدمير مرفأ بيروت شرق البحر الأبيض المتوسط عام 2020 ومنع الدولة اللبنانية من الحصول على أي صور من الأقمار الصناعية الفرنسية والبريطانية، وإعاقة كل التحقيقات الخاصة بعملية التفجير الكارثية، ومن ثم تعطيل ميناء اللاذقية السوري بواسطة البوارج والطائرات الحربية الإسرائيلية وتفجير خط نورد ستريم الذي أكدت التحقيقات الخاصة به أن عملية التفجير هذه من صنع دول كبرى، واتجهت أصابع الاتهام نحو الولايات المتحدة الأمريكية.
وكان الهدف الأمريكي من هذه الأعمال “المافيوزية” هو أن جميع الأحداث تمحورت حول هدف واحد وهو إعاقة مشروع الحزام والطريق، الذي اعتمدته الصين وشارك معها كل من روسيا ودول مجموعتي البريكس وشانغهاي وأيدته عدة دول عربية من أبرزها مصر والمملكة العربية السعودية.
كما أن مشروع الحزام والطريق، يؤمن قدرا كبيرا من عوامل الازدهار والتنمية للدول التي سيمر بها وخاصة قناة السويس ودول الخليج العربي والأردن، مع ما ستنسجه هذه العوامل من تشديد وتثبيت الصداقة والتعاون بين كل أطراف هذه المجموعة، وهو الأمر الذي يتناقض اقتصاديا وسياديا مع مشروع الولايات المتحدة والحلف الأطلسي ذي الطبيعة الاستعمارية، فالطبيعة الأستعمارية الأمريكية ترفض أي تقدم وإزدهار للدول التي تعتبرها ملكا لها، ومن قوائم مصلحتها، فالولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني إزدهارهم وبقائهم يقام على التباعد والفتنة بين كل الدول في الشرق الأوسط والتبعية المطلقة لأمريكا.
تحذيرات كيسنجر
كما لا ننسى تحذيرات الثعلب العجوز للسياسة الأمريكية هنري كيسنجر، حيث سبق له وأن حذر من حصول هذا التوافق التنموي الإنمائي الاقتصادي بين الصين ودول شرق العالم والدول العربية، وقالها صراحة “إن التحكم بقلب العالم سوف ينهي الإمبراطورية الأمريكية”.
والغرب بقيادة الولايات المتحدة اعتمد خط الهند الذي يمر بالجزيرة العربية فالأردن وينتهي في مينائي حيفا ويافا شرق البحر المتوسط، ثم ينطلق من هناك نحو أوروبا.
وفي المقابل فإن مشروع طريق الهند أو كما سمي “طريق التوابل” يلغي دور قناة السويس، لأنه سيستكمل بشق قناة بن غوريون على البحر الأحمر، وصولا إلى البحر المتوسط وفي هذا المجال عدلت الولايات المتحدة وحلف الأطلسي طريق قناة بن غوريون، لجعلها تمر في غزة وصولا إلى البحر المتوسط، وهذا يعني إبعاد الأردن عن المشروع وتقصير المسافة مئات الكيلومترات واستثمار آبار الغاز والنفط المكتشفة في بحر غزة.
وعلى عكس مشروع الحزام والطريق، فإن استثمار الغرب لطريق الهند سيترتب عنه تثبيتا ومزيدا من السطوة الأمريكية والأطلسية على دول المنطقة، ومزيدا من التدخل بشؤونها وبانظمتها وبقراراتها الوطنية أي إعادة بعث الهيمنة الاستعمارية على مختلف المكونات الوطنية في الشرق الأوسط.
وفي نفس الإطار فإن ما جرى وما يجري اليوم كان الهدف منه بالأساس:
مصادر الطاقة
يتابع الأمر الأول السيطرة على مصادر الطاقة، والأمر الثاني هو السيطرة على الممرات، وكان موضوع دفع النظام الأوكراني للتصرف بعنصرية مع الروس المقيمين في بعض المقاطعات هو ابتزاز للدولة الروسية ودفعها باتجاه تأمين الحماية لهم لتتخذها الولايات المتحدة حجة لفرض عقوبات عليها، وتفجير أنابيب الغاز التي تصل إلى أوروبا وتخريبها ومنع أوروبا من تشبيك علاقاتها الاقتصادية مع روسيا ضمن علاقة استراتيجية.
العلاقات بين أوروبا وروسيا
فتقوية العلاقات بين أوروبا وروسيا لا يناسب الولايات المتحدة الأمريكية “لا سياسيا ولا أقتصاديا”، خاصة أنها المستفيد من هذه العقوبات بتقديم البديل وهو الغاز المسال وبأسعار مرتفعة دفع الاتحاد الأوروبي ودوله للمعاناة من نسب تضخم مرتفعة.
كما أن حركة الصين ومشروعها “طريق الحرير” الذي يربطها مع أوروبا من خلال العديد من الممرات لم يعجب الولايات المتحدة فتصدت له من خلال مشروع “الطريق الهندي”، والذي لن يكتمل إلا من خلال تطبيع علاقات دول الخليج مع الكيان الإسرائيلي وإقامة “قناة بن غوريون”، لذلك كان الضغط على مصر للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لتحويل الممر المائي إلى ممر دولي بعد أن كان ممرا خاصا بمصر وقد نفذت مصر عملية التنازل على الجزيرتين ارضاءا للمصالح الأمريكية.
كما رأينا الهجوم على غزة لطرد وتهجير الفلسطينيين من القطاع كون القناة المتعرجة التي لا تمر بالقطاع تكلف الكثير وتحتاج إلى ضعف الوقت لإنجازها، بسبب التضاريس التي ترتفع في بعض نقاطها إلى حدود 350 متر.
وبالتالي فأن الهجوم على غزة هو مشروع دائم للكيان يضاف إليه ما تحويه شواطئ غزة من كميات من الغاز كبيرة جدا، وما جرى اكتشافه رغم المضايقات يتجاوز 40 مليار متر مكعب من الغاز، يضاف إليه حاجة الكيان الإسرائيلي لشواطئ غزة لبنيتها التحتية وتمرير أنابيب الغاز من خلالها إلى مصر.
والمؤسف هناك انقسام كبير لدى الدول العربية بهذا الخصوص، رغم أن العديد منها والذي يماهي الولايات المتحدة هو متضرر من هذه المشاريع ولكنهم لا يقدرون على الخروج من الجلباب الأمريكي حتى ولو يتعارض مع مصالح شعوبهم ودولهم فهمهم الوحيد أن تؤمن لهم أمريكا كراسيهم.