أخبار العالمالشرق الأوسط

واشنطن تترك مقعدها في الشرق لـ “إسرائيل” وصراع على المقعد الثاني بين فرنسا وتركيا

فادي عيد وهيب: كاتب ومحلل سياسي

تعتزم الولايات المتحدة سحب أكبر كم من جنودها من دول الشرق الأوسط، وهذا ليس تقوقعا في سياسة ترامب، ولكن أستعداداً لما هو أهم للأميركي في المحيط الهادي وبحر الصين حسب إستراتيجية البنتاجون والإستخبارت المركزية والمجمع الصناعي العسكري الأميركي.


وهنا كان على الأمريكي أن ينصب إسرئيل كبديل له في بلاد الشام والخليج على الأقل، مستغلا تخوف العرب من إيران وضعفهم أمام تركيا، ولذلك فإن الخليج مجبر على التطبيع العلني (أقول العلني) مع إسرائيل، كخطوة محسوبة في مشروع سمي إعلاميا “صفقة القرن”، ويقضي بتشكيل تحالف بين الأعدقاء (دمج الأعداء والأصدقاء معا، العرب وإسرائيل)، وبالطبع معلوم من الذي سيجلس في المقعد الأول بذلك التحالف، ومن المستهدف أيضا.


وفي حقيقة الأمر، فإن ذلك المقعد ينتظر إسرائيل منذ سقوط العراق في2003م، ولكن لن تجلس عليه إسرائيل حينها ولا اليوم ولا غدا، قبل أن تصبغ كامل الشرق الأوسط بالصبغة الإبراهيمية، كي تطلب الشعوب قبل الحكام أن تجلس إسرائيل على ذلك المقعد وتدير المنطقة وتوزع هي الأدوار بنفسها.


فرنسا وهي أكثر الأطراف الأوروبية إدراكا لما يسعى له الأميركي، ترى في ذلك فرصة ذهبية لعودة الأمبراطورية الفرنسية، ولم يكن إجتماع مجموعة “ميد 7” في جزيرة “كورسيكا” مهد نابليون بونابرت وأمبراطوريته صدفة، وهي على يقين إنه لا يوجد كابوس يناكف حلمها التوسعي الجديد سوى أردوغان وبوتين.


بينما ينتظر الأكراد الفرصة بشكل أخر، ففي بداية 2009 قال مسؤول مخابراتي غربي على تواصل دائم مع الأكراد، بأن هناك فوضى كبيرة ستحدث في دول المنطقة وعلى أثرها سيأتي إستقلال كردستان، وقد كان بعد إنفجار ثورات الربيع العبري2011، وقريبا عاود نفس المسؤول اتصاله بالكرد وبشرهم بأن هناك حرباً قريبة ستحدث في الشرق الأوسط وعلى أثرها سيكون للكرد دولة.


و في 2009 (أي قبل اندلاع الفوضى بسورية بعامين) كان وزير الدفاع الأيطالي حينها ماريو مورو في زيارة لشمال العراق، وخلال زيارته تفقد مساحات ضخمة انشئ عليها مباني كثيرة بالإضافة إلى ورش كبيرة للبناء، فسأل مورو عن الهدف من انشاء تلك الأبنية الكثيرة في مكان بعيدا جدا عن التجمعات السكانية، فجاءه الجواب بأنها للاجئي الحرب في سوريا.


وكما كشفت مؤسسة “Die Welt” الإعلامية الألمانية استنادًا إلى مصادر تركية، فإن الرئيس التركي كان قد أصدر أمرًا بإغراق سفينة أو إسقاط مقاتلة يونانية لاستدراج أثينا إلى حرب مدبرة، لكن أوامره قوبلت بالرفض من قبل جنرالات الجيش، وهذا المشهد يعكس بوضوح التفاوت الكبير بين حسابات أردوغان الحزبية وحسابات الجيش الاستراتيجية، كحال التفاوت بين أردوغان ومدير مخابراته هاكان فيدان تجاه من يجلس على المقعد الأول في طرابلس، فايز السراج أم الإنكشاري فتحي باشأغا، كما أن هناك صراعاً خفياً أيضاً بين جناحي جنرالات الجيش التركي أنفسهم، بعد محاولة إنقلاب منتصف يوليو/ تموز 2016، بعد أن تم تصعيد العديد من جنرالات التيار الأوراسي على حساب الموالين لحلف الأطلسي، لكن “الناتو” للدولة التركية ليس مجرد استراتيجية فقط، بل هو عقيدة.


والأن تعزف تركيا على وترين متناقضين تماما، الأول التصعيد ضد العدو الجغرافي الأول لها اليونان، وهي مجبرة على ذلك، ولذلك أطلقت مناورات “عاصفة المتوسط” التي أنطلقت بتكبير من مسجد هالة سلطان في شمال قبرص، كي تظل الصورة أمام مريدي أردوغان من الإسلاميين في العالم والقوميين ببلاده بأنها حرب دينية، والوتر الثاني بحث التهدئة بأي شكل مع العدو التاريخي الأول لها مصر، بعد أن نجحت مصر في فرض خطها الأحمر في ليبيا وإنفتاح حكومة الوفاق على القاهرة أولا، وبعد أن نجحت مصر في جمع كل أعداء العثماني في خندق واحد ثانيا، وبعد وساطة ناجحة بين باريس وأثينا كي تدعم الأولى اليونان عسكريا ثالثا، وبعد أن فتحت مصر كل الجبهات على أردوغان في وقت واحد رابعا، وأخر تلك الجبهات كان على رقعة يريفان، بعد حضور وزير خارجية أرمينيا الى القاهرة.
في أغسطس الماضي أنتهت معاهدة سيفر بعد مرور مئة عام عليها، وبعد ثلاثة أعوام ستنتهي معاهدة لوزان بعد مرور مئة عام عليها أيضاً، بالتزامن مع الإنتخابات الرئاسية التركية، وأردوغان يرى في نهاية تلك المعاهدات أن له الحق في إسترجاع ما فقده أجداده، وهي لحظة لم يستعد لها اردوغان أو بالأدق منظري الشرق الأوسط الجديد، بل تم العمل عليها منذ أن صعد “حزب العدالة والتنمية” بالمشهد التركي بنهاية 2002 والذي لم يكن صدفة ان يمارس ذلك الحزب الإسلامي النشاط السياسي حينها بدعم خارجي ضخم جدا، ليتجه بعدها للخطوة الأخيرة المنتظرة وهي الزعامة على كل المسلمين السنة بالعالم، تحت راية أستاذية العالم، وهو ما ترجم حرفيا في وثيقة تدعي “التوجيه الأمني الرئاسي 11” أو “11PSD” في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق