أخبار العالمأوروبا

واشنطن أدركت أنّ الزمن يلعب لصالح روسيا .. فقرّرت تحريك السكين في الجرح الأوكراني

كييف: أوكرانيا: 28-02-2022

بقلم الكاتب والسياسي: ناصر قنديل

 الواضح أنّ الصراع لا يدور على حدود جغرافية وتوازنات إثنية وعرقيّة داخليّة في أوكرانيا، وفقاً لمضمون السردية الأوكرانية، فروسيا ذات المساحة المترامية الأطراف والمليئة بالثروات لا تحتاج لأطماع في الأراضي الأوكرانية، كيف إذا أخذنا في الاعتبار أنّ موسكو نجحت بضمّ شبه جزيرة القرم ذات القيمة الاستراتيجية العالية نظراً لإطلالتها على البحر الأسود، وليست بحاجة لتحرّش يعيد وضعها تحت الأضواء، وروسيا التي تجني ثمار التراجع الأميركي السياسي والعسكري، كما أظهر الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، لا تحتاج إلا للاستثمار على فعل الزمن..

 الأكيد، أنّ الحرب كانت خيارا صعبا ومؤلماً، اضطّر الرئيس الروسي لاعتماده بعدما تمّ وضعه بين خيارات صعبة. فواشنطن التي تدرك أنّ الزمن يلعب لصالح روسيا، والتي أدركت أنّ التلاعب في مناطق الفراغ في العلاقات الروسية الصينية ما عاد ممكنا، قرّرت تحريك السكين في الجرح الأوكراني وتسريع وتيرة التحرّك نحو ضمّ أوكرانيا لحلف الناتو وتشجيع حكومة كييف على حسم الخلاف مع الأقاليم الشرقية بالقوّة، وترك موسكو تختار بين قبول أمر واقع ينشئ على حدودها دولة أطلسية تمتلك سلاحاً نوويا، أو تذهب هي للحرب بعدما وضعت الغرب بين خياري التعهّد بعدم ضمّ أوكرانيا للحلف أو الحرب.

الحرب ليست نزهة، وليست هناك حرب جيّدة وحرب سيّئة، فالحروب كلّها سيّئة، وكلّ حرب تنتهي بوجود جيش أجنبي على أرض أي بلد ستتكفّل بمنح من يواجهه صفة المقاومة حتى لو كانت مقاومته مستأجرة من أجنبي آخر، ولحساب غير حساب الوطن الذي كان الحياد أفضل وسيلة لحفظ مصالحه، والذي يبقى السؤال الموجّه لقيادته، ما دامت لن تضمن الانضمام للناتو فلماذا لم تقبل تثبيت عدم الانضمام كضمانة لمنع وقوع الحرب، كتأكيد أنّ الحرب ترجمة لمصلحة خارجة عن الحسابات الوطنية الأوكرانية؟

 لكنّ الحرب بويلاتها وبتهجير المدنيين، وما ستجلبه من خراب، تشكّل بذاتها نجاحاً أمريكياً بامتلاك منصة للتحريض على روسيا وتشويه صورتها واستنهاض شرائح شعبية أوروبية وعالمية ضدّها.

الإجراءات الأمريكية والأوروبية تجعل الحرب قضية وجود بالنسبة لروسيا، حيث بات واضحاً للقيادة الروسية أنّ تشخيصها الذي بني عليه قرار الحرب حول درجة الاستعصاء وصولاً إلى التصادم كان في مكانه، ولو لم يكن كذلك لما بلغت التعبئة المعادية لروسيا المدى الذي بلغته خلال أيام، فلا مكان للصدفة في صناعة التاريخ.

والواضح أنّ تعبئة المرتزقة والمتطوّعين من كلّ أنحاء العالم للقتال في أوكرانيا وإرسال منظومات السلاح المتطوّر لمواجهة الجيش الروسي، هو نوع من الحرب العالمية التي نشهد فصولها بعدما شهدنا نوعاً مشابهاً عنها في سوريا، كما أنّه من الواضح أنّ القرارات التصعيدية مالياً بوجه روسيا عدا عن كونها نوعاً من البلطجة والسطو، وعن إعلان سقوط نظام الاقتصاد الحرّ، هي حرب كاملة ستجد روسيا نفسها مضطرة في مواجهتها لتسريع التكامل مع الصين ودول البريكس وحلف شانغهاي، لبناء منظومة مالية ومصرفية مستقلّة عن الغرب، وصولاً إلى عالم ثنائي الاستقطاب، شرقا تقوده روسيا والصين، وغربا تقوده أمريكا وأوروبا.

الأكيد أنّ أكبر الخاسرين سيكون الشعب الأوكراني، الذي ارتضت قيادته جعله وقوداً لحروب الكبار بينما كان الحياد خياراً مثالياً لتجنّب الحرب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق