أخبار العالمبحوث ودراسات

هل يستعد العالم لحرب البحار: المضائق، الموانئ والثروات… وأي قدرات؟

  شكلت حادثة الحظر النفطي 1973حالة يقينية بأن منطقة الشرق الأوسط يمكنها أن تهدد القوى الكبرى في العالم وتعصف بأمنها الطاقوي ومكانتها الدولية، فأصبحت تنظر هذه الفواعل الى المنطقة بعين الريبة والتهديد، وتعتبر أن رمالها متحركة ولا يمكن الوثوق بها، فتوجهت بإستراتيجيات لتجميد وإبطال أي وعي نابع من المنطقة سواء من طرف الحكام أو الشعوب.

كما أن القوى الدولية المهيمنة على العالم وعلى رأسها أمريكا تعي تمام الوعي السلاح الاستراتيجي التي تمتلكه دول هذه المنطقة، والتي تعتبر المضائق والمسطحات المائية أحد أهم هذه الفرص الإستراتيجية بعد عامل الإحتياط الطاقوي الهائل الذي يمتلكه الشرق الأوسط.

هذا وتشير أغلب الأبحاث المجرات أن العالم قد إنقاد بصورة فعلية الى  حرب المضائق البحرية في الشرق الأوسط أو ما بات يعبر عنه “بالاغتيال الاستراتيجي ” بين هذه الدول روسيا، الصين، ايران، الكيان الاسرائيلي، السعودية، الولايات المتحدة الامريكية، الهند، القرن الإفريقي.

يتوفر الشرق الأوسط على مكانة جغرافية فريدة حيث تتواجد به المسطحات المائية البحر الأبيض المتوسط، البحر الأحمر، الخليج العربي وبحر العرب. كما يطل على المحيطين الاطلسي والهادي وتبلغ الأهمية الاستراتيجية مستوياتها القصوى من المضائق الى خبايا لسياسة العالمية في الشرق الأوسط حيث تأكيد التموضع الاستراتيجي على هذه البوابات او المنافذ البحرية العابرة للقارات

 والذي يؤكد بأن الشرق الأوسط وان جفت منابع الطاقة فيه فسيبقى ذو مكانة متميزة حتما ببقائه كشريان لعبور الطاقة من مناطق إستكشاف أو تنقيب جديدة وضمان إستمرارية الملاحة الدولية. حيث الأنطلاق من مضيق هرمز ثم باب المندب ثم قناة السويس فجبل طارق نحو أوروبا فالمحيط الأطلسي وبإنسداد أي ممر من هذه الممرات سوف تتعطل الملاحة الدولية بشكل كلي ولن تجد إلا الطريق الأطول وقتا وتكلفة بما يلحق خسارة كبرى على اقتصاداتها بما في ذلك النفط القادم من خليج العرب، مظهر من مظاهر شريان الحياة.

لقد بدأ مسلسل الصراع على الطاقة في شرق المتوسط في منتصف ثمانينات القرن، عندما تم الإعلان عن إكتشاف المواد الطاقية والهيدركربونية في المنطقة، وبدأ التنافس على إمتلاك الحقول والمناطق البحرية يزداد سخونة مع تدخل أطراف دولية وشركات كبرى، ومع تطور تكنولوجيا التنقيب، تتابعت الإكتشافات وظهرت حقول غاز كثيرة واعدة مع إحتياطي ضخم.

تعد أمريكا، المنافس الرئيس  الأشرس للصين حيث تعتمد استراتيجية أكثر تعقيداً في تواجدها العسكري البحري، وهو ما يطلق عليه” التأمين النيوكلاسيكي” الذي يستند إلى أفكار ألفريد ماهان، الضابط البحري والمفكر العسكري الأمريكي الذي كان يُعرف بأنه “الاستراتيجي الأمريكي الأكثر أهمية في القرن التاسع عشر الميلادي” والذي كان يقول إن السيطرة على المحيط الهندي هي مفتاح التحكم في البحار السبعة في العالم”

تقوم الاستراتيجية على السيطرة والتحكم بواسطة إقامة “رؤوس جسور” وقواعد بحرية وجوية بالقرب من المضايق والممرات المهمة. ثم في المستوى الثاني تأتي استراتيجية التطويق متعدد المراحل بدءاً من المستوى صفر -قاعدة كامب ليمونييه في جيبوتي- ثم تتسع الدائرة حتى تصل إلى مختلف القطع البحرية بما في ذلك تطويق المضائق من خلال عسكرة البحر وإنزال القوات وتركيز القواعد العسكرية.

ضمن مشروعها الأكبر “الحزام والطريق” قامت الصين في 2015 بالتعاقد مع باكستان على إدارة ميناء “جوادر” لمدة أربعين عاماً، ليصبح الميناء ركيزة لممر اقتصادي صيني باكستاني، يختصر المسافة أمام البضائع الصينية والنفط الخليجي، ليصبح أقرب إلى الصين من الصين نفسها كونه أقرب ميناء للإقليم الصناعي في الصين “شينجيانج”، واليوم دخلت الصين في مناورات حربية فعلية بالتعاون مع كل من روسيا وإيران.

يشير تقرير صادر عن  معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) بعنوان “الوجود العسكري الأجنبي في منطقة القرن الإفريقي” إلى أن القرن شهد انتشاراً للقواعد العسكرية الأجنبية وحشداً للقوات البحرية منذ عام 2001، ويأتي ذلك في سياق تأمين الممر البحري الاستراتيجي ضد العمليات الإرهابية والقرصنة، ثم في سياق المواجهة بين إيران والتحالف العربي على خلفية الصراع في اليمن.

هذا التواجد العسكري المكثف لنحو 16 دولة ،أنشأت 19 قاعدة عسكرية مطلة على سواحل القرن أفرز تحديات كبيرة للهياكل الأمنية الإقليمية لدول القرن الإفريقي والمنطقة بصفة عامة، التي لا يمكنها أن تتكيف بشكل جيد مع السياسات الأمنية الخارجية، فقد تحول الممر البحري إلى منطقة رخوة تنعكس عليها صراعات ونزاعات إقليمية، هذا الوضع أدى الى نشوب صراعات بالوكالة مع تزايد التوترات الجيوسياسية وتدافع للأجندات الأمنية للقوى الإقليمية والدولية في دول الساحل.

يشمل الوجود العسكري الأجنبي في القرن الإفريقي قواعد عسكرية وموانئ ومطارات، ومعسكرات تدريب ومنشآت شبه دائمة، ومراكز دعم لوجستي، كما يشمل القوات البحرية الموجودة في المنطقة، سواء بشكل دائم، أو في مهام مؤقتة.

تتواجد إسرائيل ضمن قاعدة عسكرية بإريتريا  إلى 20 نحو عاماً، حيث تسيطر على 3 جزر ضمن الأرخبيل ديسي ودهوم وشومي، تقيم على إحداها ثاني أكبر قاعدة بحرية لها خارج حدودها، وأحد أكبر مراكز التجسس المتقدمة في القرن الإفريقي، هكذا تمكنت من اختراق المجال الجوي للسودان مرات عديدة، واستهدفته بصورة متكررة أبرزها عامَي 2012 و2015و2023 حيث تضم قواعد تحت الأرض تحتفظ فيها تل أبيب بعدد من الطائرات والغواصات والقوارب العسكرية والطائرات المسيَّرة، بالإضافة إلى إنشائها أبراج استطلاع على جبال الجزر الإريتيرية لجمع المعلومات الاستخباراتية عن كافة الأنشطة العسكرية في البحر الأحمر.

بحسب موقع “Global Firepower” فإن 5 دول عالميا تتصدر قائمة أخطر عتاد حربي بحري، إذ تمتلك نحو 1688 سفينة حربية وحيث تحتل الصين المرتبة الأولى عالميا حيث تملك 714 عبارة بحرية، والولايات المتحدة الأمريكية 415، وروسيا 352، واليابان 131، وبريطانيا 76… هذا ويؤكد الخبراء في تقاريرهم أن العالم قد بات على شفى أخطر سياق حرب بحار دولية بين الخمس المتنافسة التي تملك أقوى الأساطيل الحربية في العالم.
تضم الأساطيل العملاقة عتادا، بداية من كاسحات الألغام البحرية وسفن الإنزال الخاصة بدعم القوات الأرضية، وحاملات الطائرات التي تمكنها من قصف مواقع العدو من البحر، إضافة إلى المدمرات التي تمكنها من خوض الحروب البحرية لبسط سيطرتها في أعالي البحار، والغواصات، التي تعد سلاح الردع الاستراتيجي لتلك الدول.
وقد جاء ترتيب الأساطيل البحرية العملاقة وفق المراكز التالية:

يمتلك 288 سفينة حربية، تضم 10 حاملات طائرات، و9 سفن إبرار بحري، و22 طراداً، و62 مدمرة، و17 فرقاطة، إضافة إلى 72 غواصة، بينها 54 غواصة نووية وتحمل غواصات الأسطول الأمريكي قوة صواريخ باليستية نووية تصل إلى 336 صاروخاً نووياً.
ويعد الأسطول الأمريكي الأوسع نطاقاً من حيث المناطق، التي تعمل فيها سفنه حول العالم بداية من المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ والمحيط الهندي والبحر المتوسط والخليج العربي والقرن الأفريقي إضافة إلى حشد سفن إضافية لليابان وأوروبا.

وتتكون القوة الجوية للأسطول الأمريكي من 3700 طائرة حربية، وتعد ثاني أكبر قوة جوية في العالم.

يعد النموذج الدولي الأعتى حيث زادت قوة الأسطول الصيني بصورة كبيرة منذ اعتماد خطة تطويره  وأصبح يمتلك حاملة طائرات و3 سفن نقل برمائية، و25 مدمرة، و 42 فرقاطة، و8 غواصات نووية هجومية، إضافة إلى 50 غواصة هجومية تقليدية، بينما يصل عدد جنوده إلى 133 ألف جندي.

وتتكون قوته الجوية من 650 طائرة حربية ومروحية على حاملة الطائرات وسفن السطح بينها جي ـ 15 و جي 10 متعددة المهام، وطائرة الدورية واي ـ 8 وطائرة زت ـ 9 المضادة للغواصات.

يمتلك الأسطول الروسي قوة بحرية هائلة، تجعله واحداً من أقوى الأساطيل البحرية في العالم، خاصة قوة الغواصات، التي يمكن لصواريخها إصابة أي هدف حول العالم في أي وقت دون أن يتم رصدها، ويصل عدد سفن الحربية إلى 352 قطعة بحرية، متنوعة، بينها حاملة الطائرات الأدميرال كوزنستوف.

 وتمثل الطرادات جزءاً مهماً من تسليح الأسطول الروسي وعددها 78 طراداً، إضافة إلى 9 فرقاطات، و13 مدمرة.

 ويمتلك الأسطول الروسي 62 غواصة، بينها 15 غواصة نووية و16 غواصة ديزل، و6 غواصات حاملة لصواريخ كروز، و9 غواصات حاملة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ويستخدم الأسطول البحري الروسي 41 سفينة دورية، إضافة إلى 47 كاسحة ألغام.
وتحمي القوات البحرية الروسية سواحل روسيا، التي تمتد لأكثر من 37 ألف كيلومتراً، وتمكنها الغواصات النووية من تأمين مصالحها في أعالي البحار وفي محيطات العالم.

وفقا للدفاع الروسية  فإن غواصات الصواريخ الروسية تقوم بدوريات حول العالم لتأمين قدرة روسيا على الرد الصاروخي في أي وقت على أي تهديد لها، كما تقوم الغواصات والسفن الحربية الروسية بدوريات لمراقبة أي عمليات إطلاق صواريخ باليستية وتدميرها، ويقول الموقع إن الغواصات التي تحمل صواريخ نووية تمثل مكون مهما من مكونات قوة الردع النووي للجيش الروسي، وتقول مجلة “The National Interest” إن أكثر 5 غواصات فتكاً في العالم بينها 3 غواصات روسية هي “بوري” و”دلفين” و”ياسن”.. وتعد الغواصات المنتمية لمشروع “ياسن” والفرقاطات من “مشروع 22350” بما فيها فرقاطة “الأميرال غورشكوف” وصواريخ “تسيركون” و”كاليبر” من بين أخطر أسلحة الأسطول الروسي.
وتمتلك روسيا أخطر سلاح نووي في العالم يعرف باسم “طوربيد يوم القيامة” الذي تم الكشف عنه عام 2015، وأكدته وثائق تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، ويطلق عليه “ستاتس – 6” ويمكنه أن يدمر شواطئ العدو بشكل كامل ويقضي على مظاهر الحياة فيها لأجيال، وفقاً لمجلة “بوبيلر ميكانيكز” الأمريكية.

يحتل الأسطول الملكي البريطاني المرتبة الرابعة بين أقوى 5 أساطيل حربية في العالم، لكن قدرته العسكرية تراجعت بصورة كبيرة لكنه سيمتلك حاملة طائرات في المستقبل تحمل اسم “أمير ويلز” إضافة إلى حاملة الطائرات “كويز إليزابيث” التي تجتاز مرحلة تجارب ما قبل دخول الخدمة رسميا.

يمتلك الأسطول الياباني 114 سفينة حربية، و45.8 ألف بحار، ويضم مجموعة متنوعة من المدمرات السريعة التي تمتلك قدرات نيرانية عالية، وغواصات ديزل هجومية بإمكانات متطورة، إضافة إلى سفن الإنزال، التي يمكن استخدامها في إبرار القوات من البحر بسرعة تناسب سرعة التغير في الحروب الحديثة.

 ولفت موقع “Global Firepower” إلى أن اليابان تمتلك 4 حاملات طائرات، و46 مدمرة، و6 كورفيتات، إضافة إلى 25 كاسحة ألغام بحرية.
اليابان استطاعت أن تصنع أسطولاً من أكثر الأساطيل تقدماً في العالم، وأن أفراده يمثلون نخبة من أفضل القوات البحرية المدربة في العالم، لكنهم يتوارون تحت مسمى قوة الدفاع الذاتي.

يبدو العالم أشبه بفوته بركان قابل للإنفجار في أية لحضة، وبينما يترقب عن كثب ما يحصل حيال دمار أرث بشري كامل بسبب الإنهيار النووي الحاصل ورد فعل الطبيعة إزاء مختلف الجرائم التي يرتكبها صانعو السلاح أخطرهم شركات السلاح العابرة للقارات والتي  تجذب إليها دولاً عظمى وكبرى وصغرى، وتُبتلع عشرات المليارات من الدولارات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق