أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

هل تنهار اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية؟

شكل احتلال إسرائيل لمحور صلاح الدين (فيلادلفيا)، وقبل ذلك سيطرة الجيش الإسرائيلي على معبر رفح من الجانب الفلسطيني، ورفع العلم الإسرائيلي عليه، ثم استشهاد الجندي بقوات حرس الحدود المصرية “عبد الله رمضان” على يد القوات الإسرائيلية، شكّل هذا كله خرقًا كاملًا لنصوص “اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية”، التي وقعتها القاهرة وتل أبيب في 26 مارس 1979، والتي أنهت الحرب المصرية الإسرائيلية، واستعادت مصر بموجبها كل شبر من شبه جزيرة سيناء التي احتلتها إسرائيل في 5 يونيو 1967.

وتتعرض اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية التي ظلت صامدة أكثر من 4 عقود كاملة “لامتحان قاسٍ” بفعل الممارسات الإسرائيلية التي تهدف إلى تفريغ قطاع غزة من سكانه؛ من خلال تحويل محافظات قطاع غزة الخمس إلى مناطق غير قابلة للحياة؛ ومن ثم دفع نحو 2.3 مليون فلسطيني إلى الهجرة القسرية خارج القطاع باتجاه شبه جزيرة سيناء، أو حتى الخروج إلى دولة ثالثة.

وتعد مشاركة “فرقة عسكرية إسرائيلية كاملة”- هي الفرقة “162”- في المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في مدينة ومحافظة رفح “أوضح خرق” إسرائيلي لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية التي نصت على نشر أعداد بسيطة على جانبي الحدود المصرية والإسرائيلية، وهو ما يطرح عددًا من الأسئلة عن مستقبل الاتفاقية التي ظلت “عنوانًا وركيزة أساسية” للسلام والاستقرار في المنطقة العربية والشرق الأوسط.

 وإلى أي مدى يمكن أن يقود التوتر الحالي في العلاقات المصرية الإسرائيلية إلى إلغاء أو انهيار أول اتفاقية اعترفت بوجود إسرائيل؟

 وما البروتوكولات الإضافة لاتفاقية السلام التي تتذرع إسرائيل بأن نصوصها تعطيها الحق الكامل في كل ما تقوم به في رفح وقطاع غزة؟

 وما بدائل مصر للتعامل مع الوضع الشديد التعقيد على الحدود مع غزة، دون المساس باتفاقية السلام مع الجانب الإسرائيلي؟

حلت اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس 1979، التي جاءت في 9 مواد رئيسة، بالإضافة إلى الملاحق الإضافية، محل اتفاقية “كامب ديفيد” التي وقعها الجانبان المصري والإسرائيلي في سبتمبر (أيلول) 1975، وتقوم اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية على مجموعة من المبادئ، من أهمها أن السلام والاستقرار في المنطقة هو الهدف الأول، وأن الدبلوماسية  وليس “لغة البندقية” هي الأداة الوحيدة للتعامل مع المشكلات التي يمكن أن تنشأ بين إسرائيل وجيرانها في المنطقة.

وفي الملحق الأول من البرتوكول الخاص بالانسحاب الإسرائيلي وترتيبات الأمن، نصت المادة الثانية منه على أشكال القوات المصرية وتوزيعاتها في سيناء، وعدد وقدرات القوات الإسرائيلية على الجانب الإسرائيلي والفلسطيني من الحدود وفق الترتيب التالي:

يحدها من الشرق الخط (أ)، ومن الغرب قناة السويس والساحل الشرقي لخليج السويس، وتوجد في هذه المنطقة قوات عسكرية مصرية تتكون من فرقة مشاة ميكانيكية واحدة ومنشآتها العسكرية، بالإضافة إلى تحصينات ميدانية أخرى، وتتكون العناصر الرئيسة لهذه الفرقة من 3 ألوية مشاة ميكانيكية، ولواء مدرع واحد، و7 كتائب مدفعية ميدانية، لديها نحو 126 قطعة مدفعية، و7 كتائب مدفعية مضادة للطائرات تتضمن صواريخ فردية أرض- جو، و126 مدفعًا مضادًا للطائرات عيار 37 مم فأكثر، و230 دبابة، و480 مركبة أفراد مدرعة من جميع الأنواع، بإجمالي لا يزيد على 22 ألف فرد.

توفر الأمن في المنطقة (ب) وحدات حدود مصرية من 4 كتائب مجهزة بأسلحة خفيفة ومركبات، وتتعاون الشرطة المدنية في المحافظة على النظام في هذه المنطقة، وتتكون العناصر الرئيسة لكتائب الحدود الأربع من 4000 فرد، كما يمكن للقوات المصرية في المنطقة (ب) إقامة نقاط إنذار ساحلية أرضية قصيرة المدى، ذات قوة منخفضة لوحدات الحدود على ساحل هذه المنطقة، كما يمكن أن تنشأ في هذه المساحة- التي تغطي وسط سيناء من الشمال إلى الجنوب- تحصينات ميدانية، ومنشآت عسكرية لكتائب الحدود الأربع.

يحدها من الغرب الخط (ب)، ومن الشرق الحدود الدولية بين مصر من جانب، وكل من إسرائيل وقطاع غزة، وخليج العقبة من جانب آخر، وتتمركز في المنطقة (ج) قوات الأمم المتحدة، والشرطة المدنية المصرية فقط، وتتولى الشرطة المدنية المصرية المسلحة بأسلحة خفيفة أداء المهام العادية للشرطة داخل هذه المنطقة، وتتوزع أيضًا في المنطقة (ج) قوات الأمم المتحدة.

وهذه المنطقة هي التي عليها خلاف الآن في ظل ما يجري في رفح، واحتلال إسرائيل محور فيلادلفيا، وتقع بالكامل داخل إسرائيل وقطاع غزة بمحاذاة الحدود المصرية مع إسرائيل وقطاع غزة، وليست في سيناء، وهي بعمق من 2.5 إلى 4 كم، وتوجد في هذه المنطقة قوات إسرائيلية محدودة من 4 كتائب مشاة ومنشآتها العسكرية، وتحصينات ميدانية، ومراقبو الأمم المتحدة، ولا تتضمن القوة الإسرائيلية في المنطقة (د) أي نوع من الدبابات، أو المدفعية، أو الصواريخ فيما عدا صواريخ فردية أرض- جو، وتتضمن العناصر الرئيسة لكتائب المشاة الإسرائيلية الأربع حتى 180 مركبة أفراد مدرعة من جميع الأنواع، بإجمالي حتى 4000 فرد.

تفاصيل المنطقة (د) تؤكد- بوضوح- أن إسرائيل تجاوزت ما جاء في نص اتفاقية السلام مع مصر؛ ولهذا توترت العلاقات المصرية الإسرائيلية عندما احتلت إسرائيل معبر رفح على الجانب الفلسطيني من الحدود المصرية مع قطاع غزة، وأدخلت تل أبيب فرقة عسكرية كاملة بالدبابات والمدفعية، وهي “الفرقة 162″، وهذا محظور في نصوص الاتفاقية، بالإضافة إلى إدخال تل أبيب 4 كتائب من شرق رفح إلى وسط المدينة، واحتلت محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، الذي يصل طوله إلى 14 كم، من ساحل البحر الأبيض المتوسط شمالًا حتى معبر كرم أبو سالم؛ ولهذا طلبت مصر من إسرائيل سحب قواتها بالكامل من رفح الفلسطينية، ومحور فيلادلفيا، والالتزام بما جاء في اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية.

قرر رئيس الوزراء الاسرائيلي أرئيل شارون الانسحاب البري من قطاع غزة عام 2005، وتسليم القطاع للسلطة الوطنية الفلسطينية؛ ولهذا تم التوقيع على “اتفاقية المعابر” في 15 نوفمبر 2005، على أن تُوجَد السلطة الوطنية الفلسطينية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، مع وجود بعثة من الاتحاد الأوروبي تراقب التزام السلطة الوطنية الفلسطينية باتفاق المعابر الذي كان يضمن لإسرائيل معرفة ومراقبة كل شيء يدخل إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، وسمح هذا الاتفاق لمصر بنشر 750 شرطيًّا إضافيًّا على الجانب المصري من الحدود مع قطاع غزة لتأمين الدخول والخروج من معبر رفح، وعندما فازت حماس في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية عام 2006 ساءت علاقاتها مع السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة فتح، ثم اندلع القتال بين حماس وفتح، التي كانت تمثل السلطة الفلسطينية في معبر رفح، وبعد هزيمة قوات فتح في هذه المعارك الدامية، وسيطرة حماس على قطاع غزة، سيطرت حماس بالكامل على معبر رفح من الجانب الفلسطيني، لكنها ظلت تنسق مع الجانب المصري حركة المرور في المعبر، حتى سيطرة الجيش الإسرائيلي على معبر رفح من الجانب الفلسطيني في 7 مايو من العام الحالي.

 أعلنت مصر رسميًّا في 10 نوفمبر 2021، تعديل بنود اتفاقية دولية أمنية مع إسرائيل، لتعزيز الوجود المصري في المنطقة الحدودية برفح؛ مما يعزز الأمن طبقًا للمستجدات والمتغيرات، بحسب ما نشره المتحدث العسكري المصري العقيد أركان حرب غريب حافظ عام 2021، والآن تدعي إسرائيل أن دخول قواتها إلى محور صلاح الدين (فيلادلفيا)  ينطلق من الاحتياجات الأمنية لإسرائيل، كما سمحت إسرائيل في السابق لمصر عام 2021 بتعديل بنود اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية لصالح مصر.

لكن هذا التفسير رفضته مصر لسببين:

 الأول: أن تعديل الاتفاقية عام 2021 جاء باتفاق بين القاهرة وتل أبيب، وليس بمخالفة من جانب القاهرة،

 ثانيًا: أن تعديل عام 2021 لا يضر بالمصالح الإسرائيلية، أو بالأمن الإسرائيلي، وهذا عكس ما تقوم به إسرائيل في الوقت الراهن؛ حيث يشكل احتلالها مدينة رفح، ومحور صلاح الدين، ومعبر رفح، إضرارًا واضحًا بالأمن القومي المصري، الذي يمكن أن يتأثر بالتهجير القسري للسكان الفلسطينيين في قطاع غزة بوجه عام، وسكان رفح والجنوب بوجه خاص.

ترتبط السيناريوهات الثلاثة لمستقبل اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية بمدى تقدير مصر للضرر الواقع عليها وعلى أمنها القومي نتيجة للخطوات الإسرائيلية الأخيرة في محور صلاح الدين، ومدينة ومحافظة رفح، والسيناريوهات الثلاثة هي:

ويعتمد هذا السيناريو على تفسير بعضهم بأن ما تم في رفح يأتي في إطار أن غزة ما زالت محتلة رغم الانسحاب الإسرائيلي البري من القطاع عام 2005، وأن تجميد المعاهدة أو إلغاءها مرتبط باعتداء مباشر على مصر، وهو لم يحدث؛ ومن ثم لا يمكن الحديث عن إلغاء المعاهدة؛ لأن ما حدث من جانب إسرائيل لا يمس بها قانونيًّا، ومع الاتفاق على أن كل ما قامت به إسرائيل منذ 8 أكتوبر الماضي مرفوض سياسيًّا ودوليًّا، وأن العملية العسكرية في رفح زادت توتر العلاقات المصرية الإسرائيلية، لكن لا يوجد اعتداء أو مساس بالاتفاقية يسمح بإلغائها، أو حتى تجميدها، خاصة أن الاتفاقية ظلت أساس السلام والاستقرار في المنطقة العربية والشرق الأوسط منذ نحو 45 عامًا، وقامت عليها اتفاقيات أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل عام 1993، واتفاق وادي عربة بين إسرائيل والأردن عام 1994، واتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين في 13 أغسطس 2020.

ويقوم هذا السيناريو على وجود ضرر بسيط بالمصالح المصرية دون المساس بالأمن القومي المصري، وهنا يمكن للقاهرة- وفق هذا السيناريو- أن تجمد بعض الاتفاقيات الأخرى التي كانت ثمرة ونتيجة لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، مثل “اتفاقية الكويز”، وهي اتفاقية تم التوقيع عليها في 4 ديسمبر  2004 بين مصر وإسرائيل، وتسمح لمصر بتصدير المنسوجات إلى الولايات المتحدة الأمريكية دون حواجز جمركية، بشرط أن تحتوي تلك المنسوجات على 11 % من المكونات الإسرائيلية، وكانت مصر ثاني دولة توقع هذه الاتفاقية مع إسرائيل بعد الأردن، التي وقعت هذه الاتفاقية مع إسرائيل عام 1996. ووفق هذا السيناريو أيضًا، قد توقف مصر اتفاقيات استيراد الغاز الإسرائيلي وتسييله عبر محطات الإسالة في إدكو، ودمياط.

ويتحقق هذا السيناريو إذا شعرت مصر بخطورة شديدة على الأمن القومي المصري، مثل دفع إسرائيل مليوني فلسطيني من القطاع ناحية شبه جزيرة سيناء، وتصفية القضية الفلسطينية تصفية كاملة. وبعد أن تفشل واشنطن تمامًا- وهي الضامن لهذه الاتفاقية- في الضغط على إسرائيل لوقف تجاوزاتها بحق اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، هنا فقط يمكن الحديث عن إلغاء الاتفاقية أو تجميدها.

المؤكد أن هناك توترًا شديدًا بين مصر وإسرائيل، لكن هذا التوتر لن يدفع القاهرة في الوقت الحالي، أو حتى في المديين القريب والمتوسط، إلى التخارج من اتفاقية السلام مع إسرائيل، وهي الاتفاقية التي دشنت وحافظت على السلام في المنطقة على مدى أكثر من 45 عامًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق