أخبار العالمإفريقيابحوث ودراسات
أخر الأخبار

هل تنجح مفاوضات جدة هذه المرة في وضع حد للصراع في السودان؟

وعلى الرغم من قتامة المشهد، تُعلق آمال عريضة على استئناف مفاوضات جدة السعودية، والتي تُمثل بارقة أمل لإنهاء هذه الكارثة الإنسانية التي تُثقل كاهل الشعب السوداني. فكلا طرفي الصراع أدرك استحالة الحل العسكري وافتقادهم للدعم الشعبي الواسع. وقد تدفعهم الضغوط الدولية المتزايدة إلى تقديم تنازلات للتوصل إلى اتفاق يُنهي معاناة الشعب السوداني. ولكن، تبقى التحديات جسيمة، ممّا يثير تساؤلات حول إمكانية نجاح هذه الجولة من المفاوضات في وضع حد للصراع.

يُعاني السودان من أزمة إنسانية عميقة تتفاقم يوماً بعد يوم، في ظل جمود دبلوماسي واستمرار الحرب الضارية بين الجيش قوات الدعم السريع لأكثر من عام

فهل ستنجح مفاوضات جدة هذه المرة في وضع حد للصراع في السودان، على الرغم من التحديات الكبيرة والتناقضات بين أطراف النزاع؟

في خضمّ الصراع الحاد الذي اندلع في السودان، برزت مبادرة “منبر جدة” كشعاع أمل يسعى لإنهاء الحرب وإحلال السلام. أطلقت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية هذه المبادرة في ماي 2023، بعد شهر واحد فقط من اندلاع الصراع، حاملةً آمالًا عريضة في وقف إطلاق النار، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، وبناء الثقة بين الأطراف المتحاربة. فخلال عام كامل من الحرب، نجحت مبادرة منبر جدة في التوصل إلى 14 هدنة منفصلة، إلا أن تلك الهدن لم تصمد طويلاً، فسرعان ما عاد القتال ليتصاعد، تاركاً وراءه ضحايا مدنيين، ونزوحًا جماعيًا، وبنى تحتية مدمرة، وانقسامات مجتمعية عميقة.

رغم الدعوات الدولية المتكررة، بما في ذلك دعوات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لم تفلح جهود الأمين العام للأمم المتحدة في تحقيق وقف لإطلاق النار خلال شهر رمضان في مارس 2024. حيث اضطر الوسطاء السعوديون والأمريكيون إلى تعليق المفاوضات تحت مظلة “منبر جدة” في ديسمبر 2023، وذلك بسبب تقاعس الأطراف المتحاربة عن تنفيذ إجراءات بناء الثقة المتفق عليها.وفي محاولة أخيرة لإنقاذ المبادرة، تم التوصل إلى اتفاقية تعرف باسم “إعلان جدة” في 7 نوفمبر 2023، والتي حددت تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وخطوات بناء الثقة. إلا أن تلك الاتفاقية لم تر النور أيضًا، بسبب عدم التزام الأطراف بها.

رفض المفاوضون الذين يمثلون الجيش السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق مثل دارفور، باستثناء مطار بورتسودان، مما زاد من تعقيد عملية التوزيع وفاقم معاناة المدنيين. وعلى الرغم من الالتزامات الأولية بنتائج إعلان جدة، فإن استئناف المفاوضات وتحديد مواعيدها الجديدة يظل غير واضح، مما يسلط الضوء على التحديات الهائلة التي تواجه تحقيق سلام دائم في ظل استمرار الصراع.

منذ البداية، كانت مواقف قادة الجيش تجاه الحل الدبلوماسي متناقضة. عندما ناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش الفريقين بوقف القتال احترامًا لشهر رمضان، أعلن مندوب “حكومة الأمر الواقع” لدى الأمم المتحدة ترحيب قائد الجيش بالهدنة، بينما وضعت وزارة الخارجية أربعة شروط مسبقة للموافقة. في المقابل، رفض الفريق ياسر العطا في حفل تخريج ميليشيا تتبع لحركة العدل والمساواة الالتزام بالهدنة، وذهب إلى حد التلميح باستعدادهم لتقسيم البلاد إلى دولتين.

هذا التناقض ظهر أيضًا في تصريحات الفريق أول ركن شمس الدين كباشي الذي حذر من “تسيس المعسكرات المخصصة لتدريب الشباب” وخطر توزيع السلاح العشوائي، بينما قلل النائب الأول لقائد الجيش ياسر العطا من هذه المخاطر. وفي خطوة أخرى تدل على التخبط، رفض البرهان عقد لقاء مباشر مع قائد الدعم السريع حميدتي في جيبوتي تحت مظلة “منظمة الإيقاد” بعد أن كان قد وافق مسبقًا.

وفي نفس الوقت، أعلنت حركة العدل والمساواة جناح د. جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، دعمهم للجيش وانضمام قواتهم إلى المعارك في ولايات مختلفة. تصريحات البرهان وقادة الجيش الأخرى تعكس محاولة تحسين وضعهم العسكري الضعيف من خلال إطالة أمد الحرب والاعتماد على المكاسب الميدانية المحدودة.

هذه المواقف المتناقضة تعكس تردد قادة الجيش في الالتزام بالحل الدبلوماسي، مما يعقد جهود السلام ويطيل أمد الصراع.

على الرغم من اندلاع الحرب في السودان في 15 أفريل 2023، أبدت قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، استعدادها مبكرًا للدخول في محادثات مع الجانب الآخر لوقف الحرب عبر حل سياسي. اتخذت قوات الدعم السريع موقفًا ثابتًا وواضحًا – على عكس قادة الجيش – من الانخراط في مبادرة “منبر جدة”، والتي تهدف إلى رعاية مفاوضات بين الجانبين لوقف إطلاق النار والاتفاق على ترتيبات إنسانية وبناء الثقة بينهما تمهيدًا لإنهاء الحرب.

في الثاني من جانفي من هذا العام، عززت قوات الدعم السريع موقفها المؤيد للحل السلمي من خلال توقيع دقلو على وثيقة تفاهم مع “تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية” (تقدم)، عرفت بإعلان أديس أبابا، والتي تهدف إلى وقف وإنهاء الحرب. تضمنت الوثيقة تعهدًا من قوات الدعم السريع بـ “وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار”.

يُمكن تفسير موقف قوات الدعم السريع الإيجابي تجاه الحل الدبلوماسي لوقف الحرب وإنهائها بوضوح ومنطقية من خلال سيطرتها الميدانية العالية في جبهات القتال المختلفة منذ بداية الحرب، خاصة في جبهة ولاية الخرطوم، عاصمة البلاد ذات الرمزية القومية والسيادية والموقع الاستراتيجي العسكري.تُعزز هذه السيطرة الميدانية ثقة قيادة قوات الدعم السريع العسكرية، وبالتالي موقفها “الإيجابي” والثابت تجاه الحل السياسي الدبلوماسي لوقف الحرب وإنهائها. ومع ذلك، لا تزال الصورة معقدة بسبب تناقضات قادة الجيش، الذين يظهرون تمسكًا بالحلول العسكرية.

تشكل مفاوضات جدة نقطة تحول حاسمة في مسار الصراع السوداني، وتُمثّل شعاع أمل ينير درب الشعب نحو السلام. إنّ تحقيق هذا السلام يتطلب جهدًا جماعيًا متضافرًا من كافة الأطراف، بدءًا من الحكومة السودانية والجماعات المسلحة، مرورًا بالدول الإقليمية والمجتمع الدولي، وصولًا إلى الشعب السوداني. فمن واجب الحكومة السودانية إظهار التزامها الحقيقي بالعملية السلمية من خلال اتخاذ خطوات ملموسة لبناء الثقة وتقديم تنازلات ضرورية. كما يجب على الجماعات المسلحة التخلي عن العنف والانخراط بجدية في المفاوضات.ويقع على عاتق الدول الإقليمية والمجتمع الدولي مسؤولية دعم هذه المفاوضات وتقديم المساعدة اللازمة لتحقيق أهدافها .وأخيرًا لا يمكن تحقيق سلام دائم دون مشاركة شعبية فاعلة. فالشعب السوداني هو من دفع ثمن الصراع، وهو من سيحصد ثمار السلام لذا، يجب على جميع مكونات المجتمع السوداني التوحد والدعوة إلى حلّ سلمي عادل ودائم.

وفق تقديرات يمكن أن تكون مفاوضات جدة فرصة تاريخية تمكن السودان من الخروج من دوامة الصراع.كفرصة مهمة لتحقيق تقدم نحو السلام في السودان. على الرغم من التحديات والتناقضات بين الأطراف المتحاربة، فإن النجاح ممكن إذا أظهرت الأطراف التزامًا حقيقيًا بتقديم تنازلات وبناء الثقة. فإذا تمكنت الأطراف من التركيز على مصلحة السودان العليا والعمل معًا، فإن هذه المفاوضات قد تكون خطوة نحو إنهاء الصراع وتحقيق الاستقرار للشعب السوداني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق