أخبار العالمأوروباإفريقيا

هل بلغ التوتر الجزائري – الفرنسي مرحلة لا رجعة فيها؟

لطالما كانت العلاقات الجزائرية – الفرنسية محفوفة بالتحديات بسبب التاريخ الاستعماري الملتبس الذي لا يزال يؤثر على مجريات العلاقات بين البلدين. إلا أن الواقع الحالي يوحي بأن هذه العلاقات قد تقترب من نقطة اللاعودة، حيث تتزايد التوترات وتتعقد الملفات العالقة التي باتت تبرز بشكل أكبر في السنوات الأخيرة.

يرتكز أساس التوتر الدائم على ذاكرة الحرب الاستعمارية في الجزائر، حيث تطالب الجزائر فرنسا باعتراف رسمي بمسؤوليتها عن ممارسات الاستعمار الوحشية، بما في ذلك المجازر الجماعية والتعذيب، وهو ما ترفضه فرنسا تحت مبررات سياسية وتاريخية. هذا الرفض الفرنسي لم يقتصر على المواقف الرسمية فقط، بل توسع ليشمل أحيانًا تصريحات غير دبلوماسية من بعض المسؤولين الفرنسيين حول الشأن الداخلي الجزائري، مما فاقم من الجروح القديمة.

وتزداد المسافة بين البلدين في سياق السياسة الإقليمية، حيث تجد الجزائر نفسها تبتعد عن الهيمنة الفرنسية وتبحث عن شراكات جديدة في سياق إعادة تقييم أولوياتها السياسية والاقتصادية. فرضت الجزائر نفسها كفاعل رئيسي في منطقة شمال إفريقيا، خاصة في مواجهة قضايا الأمن الإقليمي مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، مما جعلها تتطلع إلى تعزيز علاقاتها مع القوى الكبرى مثل روسيا والصين، إضافة إلى جيرانها العرب.

هذه التغيرات لم تمر دون رد فعل من باريس، التي بدت قلقًا من فقدان نفوذها في المنطقة لصالح قوى أخرى. ومع تصاعد التوترات الاقتصادية والتجارية، حيث أظهرت الجزائر رغبة في تنويع شركائها التجاريين بعيدًا عن فرنسا، باتت العلاقات بين البلدين تتخذ منحى أكثر عدائية، مع إغلاق أبواب الحوار الفعّال في بعض المجالات.

علاوة على ذلك، يظهر جليًا أن ملف “الذاكرة” لم يعد مجرد قضية تاريخية بل أصبح أداة تستخدمها الجزائر لاستعادة كبريائها الوطني وللتأكيد على سيادتها المستقلة بعيدًا عن النفوذ الفرنسي. من جهة أخرى، تواجه فرنسا تحديات داخلية مع تنامي الحركات السياسية اليمينية التي تؤثر على سياساتها الخارجية، بما في ذلك تجاه الجزائر.

هذه الديناميكية السياسية والاقتصادية تشير إلى أن العلاقات الجزائرية – الفرنسية قد تكون في طريق مسدود، حيث تتشابك القضايا التاريخية مع الواقع المعاصر في شبكة معقدة يصعب فكّها. إن الخلافات الراهنة قد تحول دون أي تصالح حقيقي بين البلدين في المستقبل المنظور، ما لم تشهد المواقف الفرنسية تغييرًا جذريًا في التعاطي مع مطالب الجزائر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق