أخبار العالمإفريقيابحوث ودراسات

هل التطبيع مع “إسرائيل” هو أصل الإحتجاجات في المغرب؟

منذ أواخر شهر سبتمبر 2025 بدأت التحركات الشبابية والمجتمعية تتحرك في المغرب وسط تعتبم إعلامي كبير، ولكن وسائل “الإعلام البديلة” مواقع التواصل الإجتماعي، قد قامت بالدور وكشفت المستور، فالشارع المغربي ومنذ ذلك التاريخ لم يهدأ بل شهد إحتجاجات يومية غير مسبوقة واصبحت تتسع من يوم الى لآخر في أغلب المدن المغربية، كما تحوّلت سريعًا إلى ظاهرة اجتماعية واسعة أُطلق عليها اسم “احتجاجات الجيل زد” أو “GenZ 212”.

في بدايتها، كانت المطالب واضحة ومباشرة:

  • تحسين الخدمات الأساسية في الصحة والتعليم،
  • ومحاربة الفساد،
  • والحدّ من التفاوت الاجتماعي.

غير أنّ جذورها أعمق من ذلك بكثير فلقد تفرعت الى العديد من المسائل العميقة والحرجة بالنسبة للمخزن المغربي، فهي تعبّر عن تراكم طويل من الغضب الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بالرغم الترويج الكبير للقفزة النوعية الإقتصادية للمغرب المزيف، بل الإحتجاجات والتحركات الشبابة جاءت لتكشف الواقع المغربي الصحيح وتعبر عن شعور جماعي بالاختناق وغياب العدالة في توزيع الثروة والفرص.

خرج آلاف الشبان في مدن عدة مثل الرباط والدار البيضاء وأغادير ووجدة وتزنيت، مطالبين بحقهم في التشغيل والعيش بكرامة خرجوا يحتجون وهم مدفوعين بإحساس بالحرمان وبالهوة المتسعة بين طموحاتهم وواقعهم اليومي وخاصة كما يعبرون الطبقية المجحفة التي يعيشها الشعب المغربي. وقد تحوّلت بعض هذه التجمعات إلى مواجهات عنيفة مع قوات الأمن، أفضت إلى اعتقالات وإصابات ووفيات، وسط تضارب الأرقام الرسمية وغير الرسمية حول حجمها وحتى نكون موضوعيين في هذا التقرير اخترنا عدم اعطاء الإحصائيات المتضاربة جدا.

اللافت أنّ الحركة لم تتبنها أي جهة سياسية ولا جهة مدنية يعني من دون قيادة  أو لنتماء واضح مثلما حصل في الثورات العربية لسنة 2011 فلقد بدت لامركزية بالكامل، منظَّمة عبر شبكات رقمية مثل “تيك توك” و”إنستغرام” و”ديسكورد”، وهو ما منحها زخمًا سريع الانتشار، لكنه في الوقت نفسه جعلها بلا أفق تفاوضي محدد، ولكن ربما في الأيام القادمة ستظهر فيها قيادة تسييرية وهذا ما تريده الحكومة المغربية.

الأسباب المعلنة للإحتجاجات

خلف هذا الغضب المباشر تختبئ أزمات بنيوية متراكمة:

  • نسب بطالة مرتفعة،
  • وركود اقتصادي مزمن،
  • وفوارق مجالية بين الشمال والجنوب والريف والمدن الكبرى،
  • وتراجع حاد في الثقة بالمؤسسات الوسيطة كالبرلمان والأحزاب والنقابات.

الشباب المغربي مثله مثل شباب العالم أصبح أكثر وعيا ومعرفة فهو شباب اصبح يتربى وينشأ في العالم الرقمي المفتوح، أصبح أكثر وعيًا بمحدودية الفرص وكذلك اصبح أكثر إطلاعا على ما يجري ووعيا به، وأكثر حساسية تجاه مظاهر الفساد واللامساواة الذي يعيشها بالرغم من آلة الإعلام القوية للفاسدين والأخبار المظللة، فباتت وسائل التواصل الاجتماعي منصته البديلة للتعبير والتنظيم والتوثيق، وخاصة كشف الحقائق.

اختلال السيادة الوطنية والحضور الصهيوني

 

في جوهر هذه الحركة يتقاطع البعد الاجتماعي مع بُعد وطني أعمق والسيادة الوطنية المنتهكة، فمنذ طوفان الأقصى والمغاربة يحتجون ويرفضون واقعا ملزما مع التطبيع مع الكيان الصهيوني.

فالمغاربة لا يحتجون فقط على الأوضاع المعيشية، بل على ما يعتبرونه “اختلالًا في السيادة الوطنية” والحضور القوي للصهيونية في بلدهم فهم يرفضون التعليلات الممنهجة ويرفضون الوعود الواهية فالشعب المغربي اليوم يعيش الواقعية ويرفض السردية التي تؤكد على حتمية التطبيع لصالح المغرب، فمنذ 2020 وتوقيع اتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني وتصاعد الحضور الإسرائلي في بلاده والمغربي اصبح يشعر بفقدانه للسيادة الوطنية والخوف من المستقبل.

 فقد تعززت العلاقات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، وتوسعت الاستثمارات المشتركة، ودخلت الشركات الإسرائيلية إلى مجالات حساسة في الاقتصاد المغربي وخاصة في المجالات العسكرية، ما أثار قلقًا واسعًا من حجم التأثير الخارجي على القرار الوطني.

وكان الزلزال الأخطر بالنسبة للمغاربة هو ما أُثير من قضايا “استرجاع الأملاك اليهودية”  في بعض المحافضات المغربية، والتعويضات لمهاجرين إسرائيليين، والتي أدت إلى طرد عائلات مغربية من منازلها على أساس أنها منازل يهودية ومن حقهم استرجاعها، فاعتبرها الشارع تعديًا على الكرامة الوطنية ورضوخًا لضغوط الصهيونية التي تريد أن تتحكم في المغرب على كل المستويات من السياسي الى الإقتصادي الى العسكري وصولا الى الاستيطان والغستحواذ على مناطق كاملة بالمغرب.

 هذه الوقائع، اصبح الاعلام البديل ينشرها وبكثافة وركزت على خطورة هذا التسلل الصهيوني في المغرب وأيقضت الوعي المجتمعي المغربي لطرح من جديد موضوع التطبيع كخطر داخلي يهدد السيادة المغربية، وخاصة أن التطبيع في المغرب ليس مجرد سياسة خارجية تخصّ رجال السياسية الذين يقصون شعبهم من القرار فليس من حق السياسي بيع دولته من دون علم الشعب.

وهكذا تزاوج الغضب الاجتماعي والمشاكل الإجتماعية التي سبق وطرحناها في هذا التقرير منذ البداية، الغضب السيادي والشعور الجماعي بفقدان الكرامة الوطنية والسيادة الوطنية وفسح المجال للصهيونية بالتلاعب بالدولة الوطنية، ما جعل شعار “استعادة السيادة” جزءًا من شعارات الاحتجاجات.

لم تنجح الحكومة المغربية في إقناع الشعب المغربي بالتطبيع، فالحكومة المغربية بررت التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل بأنه يدخل في خانة المصالح الاستراتيجية وملف الصحراء، لكن الشعب المغربي الواعي بالحقيقة لم يقتنع وظلّ يُنظر إليه كتنازل عن أحد الثوابت الوطنية. ومع كل عدوان على غزة، كان الشارع المغربي يعبّر عن رفضه للتطبيع بمسيرات ضخمة، بلغت ذروتها بعد بدء الإبادة في غزة عام 2023، وكانت الحكومة المغربية تتركهم يحتجون ويعبرون ويعدها يرجعون الى منازلهم وهي تعمل بمقولة “احتجوا وعبروا ونحن نفعل ما نشاء”.

 لقد غذّت صور القصف والمعاناة الفلسطينية الوعي الجمعي للشعب المغربي، وربطت بين نضاله الاجتماعي اليومي وبين معركة أوسع ضد الظلم والهيمنة والإستطان الذي أصبح المغربي يخشاه.

وخلاصة القول، فإنّ احتجاجات الشعب المغربي ليست بمعزل عن القضية الفلسطينية بل هي في قلب القضية الأم، حتى وإن لم تُرفع شعاراتها صراحة ولكنها كانت حاضرة في قلب الشارع المغربي. فالمطالب المتعلقة بالكرامة والعدالة والسيادة تتقاطع كلها في خيطٍ ناظم واحد: استعادة القرار الوطني من قبضة الصهيونية والفساد الداخلي.

 أصبح الوعي الفلسطيني عاملًا موحِّدًا بين تيارات فكرية متباينة: إسلامية ويسارية وقومية ومستقلة، فوسّع قاعدة الغضب وأضفى عليه بعدًا أخلاقيًا عابرًا للسياسات اليومية، بل القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية قبل أن تكون قضية الشعب الفلسطيني وهي قضية حرب بين الحق والباطل.

الشعب المغربي ينتفض من أجل الهوية والسيادة الوطنية

السلطات المغربية وكعاداتها لديها خطابين واحد للترويج الخارجي والثاني للداخل والتعامل مع الواقع فلقد ردّت السلطات بالاعتراف بحق التظاهر وفي الواقع كان الحال إطلاق فرض القبضة الأمنية وقد كانت الكثير من الفيديوهات تصور تجاوزات وعنف أمني كبير.

وفي المقابل ومن زاوية أخرى حاولت السلطات المغربية من التقليل من شأن التحركات الشبابية بوصفها “مؤقتة” أو “موجَّهة” وحاولت شيطنتها، ولكن الواقع كان يكشف في كل مرة على حقيقة واحدة وهي أن ما يجري في المغرب هو أعمق من مجرد احتجاجات عابرة.

فالشعب المغربي يعيش اليوم لحظة فارقة في تاريخه وهي بالأساسا وفي عمقها إعادة تعريف لعلاقته بالسلطة وبالهوية الوطنية وبمفهوم السيادة الوطنية التي يراها بدأت تتلاشى.

إنّ الإحتجاجات والغضب الشعبي الذي يهزّ المغرب يوما بعد يوم بل ويتصاعد ليس فقط نتيجة اختلالات اقتصادية وإجتماعية، بل هو تراكمات اجتماعية وثقافية وسياسية تتقاطع فيها خيبة الأمل الداخلية مع الإحساس بالمهانة والسيطرة الخارجية وانهيار السيادة الوطنية عندما فتحت السلطات المغربية أمام التطبيع مع الصهيوني الإستعماري.

 الشعب المغربي بدأ يملّ من التسويف وبدأ يرفض الوعود المؤجلة ويطالب بدولة تحترم كرامته وتعبّر عن إرادته لا تضعه أمام الأمر الواقع بل ولا تحترم إرادته ولا ذكائه.

فالإحتجاجات المغربية اليوم أصبحت واضحة وما على السلطة إلا القيام بواجبها تجاه شعبها فالمطالب ليست الخبز فقط بل تتعدة ذلك لتصل الى المطالبة بالسيادة الوطنية.

هذه الثورة الشبابية التي بدأت ترسم ملامح الوعي الشعبي الجديد في المغرب الذي يربط بين العدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني، بين الوطن والسيادة. هذه الثورة المجتمعية الشعبية هي تعبير عن الغضب الشعبي الراهن وهي كذلك انعكاسًا لتحوّل عميق في الوعي الجمعي المغربي، ثورة تقرع جرس إنذار لسلطة وحكومة فاشلة لم تعد قادرة على إدارة التناقض بين صورتها “الحديثة” وواقعها المتأزم وسردياتها الكاذبة.

فالشعوب ربما تتحمّل وتصبر من أجل المصلحة العليا للوطن، ولكن عندما تصبح القضية المساس بالسيادة الوطنية ومماطلة وكذب وزيف فالصبر ينفذ والرفض يصبح واجب وطني.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق