أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

هآرتس: العلمانيون في إسرائيل يموتون في حرب الأصوليين

الأصوليون في الكيان الإسرائيلي

نشرت صحيفة هآرتس مقالاً، يسأل فيه الكاتب الإسرائيليين عن موقفهم إذا احتلت حماس جزء من “أراضيهم” ويعتبر الإجابة واضحة “سنضع كل مواردنا ـ المادية والعقلية ـ في معركة لتحرير تلك الأراضي من أولئك الذين سلبوها منا”. بمعنى آخر يقول الكاتب أن أي شعب تُحتل أرضه سيقاوم من أجل تحريرها بجميع موارده. ويضيف بأن من يؤيد إعادة التوطين يدرك تمام الإدراك أن هذا لن يؤدي إلى تهدئة الفلسطينيين”.

العلمانيون في إسرائيل يموتون في حرب الأصوليين

إن سفر الأمثال ينصحنا بأن “لا تجاوب الجاهل حسب جهالته لئلا تصبح مثله”. إن الزعم بأن احتلال قطاع غزة سوف يعمل كرادع وسوف يتسبب في ندم الفلسطينيين على مذبحة السابع من أكتوبر/تشرين الأول هو زعم منفصل عن الواقع إلى حد كبير. إن تناول هذه الفكرة، حتى ولو باسم دحضها، قد يمنحها شرعية غير مستحقة. ومع ذلك فإن الفكرة التي بدأت كفكرة محيرة تكتسب زخماً في الخطاب العام وعلى أرض الواقع.

لقد نشأ خوف ملموس من أن ما نراه اليوم سخيفاً قد يتحول إلى حقيقة مريرة. ولعل هذا هو السبب الذي دفع كاتب الأمثال إلى اتباع نفس النهج السابق حين قال: “أجب الجاهل حسب جهالته لئلا يصير حكيماً في عيني نفسه”.

إن أولئك الذين يؤيدون احتلال غزة بشكل دائم يؤكدون أن الفلسطينيين يعطون الأرض أعلى قيمة، حتى أنها تفوق قيمة الحياة البشرية أو أي قيمة أخرى. وبالتالي فإن خسارة الأرض فقط هي التي ستقنعهم بتغيير سلوكهم. ولكن هذا التأكيد يتعارض مع التاريخ والمنطق.

لقد كانت جذور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني متأصلة في خسارة الأراضي، وهو الواقع الذي لم يؤدِ إلى المصالحة بل أدى فقط إلى تعميق الكراهية بينهما وإصرارهما على النضال. ويعلمنا التاريخ أن احتلال المزيد من الأراضي لا يؤدي إلا إلى تفاقم العداء. ولم تردع خسارة الأرض في حرب الأيام الستة عام 1967 الدول العربية، بل أدت إلى حرب الاستنزاف في الفترة من 1967 إلى 1970 وإلى حرب يوم الغفران عام 1973. بل إن استعداد إسرائيل للانسحاب من شبه جزيرة سيناء هو الذي أدى إلى اتفاقية السلام التاريخية مع مصر.

لقد كان الافتقار إلى التعاطف حجر الزاوية في نظام الاحتلال الإسرائيلي، وفي السنوات الأخيرة أيضاً داخل الخط الأخضر. ولا يتعلق الأمر فقط بالافتقار إلى التعاطف مع معاناة الآخرين، بل وأيضاً بالرفض العنيد للنظر إلى الواقع من خلال عيون الآخرين وتخيل أنفسنا في مكانهم.

إن تجربة فكرية بسيطة تؤكد هذا: كيف كنا لنرد لو نجحت حماس في مخططها واحتلت جزءاً من جنوب إسرائيل لفترة من الزمن؟ أو لو سيطر حزب الله على الجليل؟ هل كنا لنستسلم للوضع أم كنا لنضع كل مواردنا ـ المادية والعقلية ـ في معركة لتحرير تلك الأراضي من أولئك الذين سلبوها منا؟

والإجابة واضحة. فلا أحد يستطيع أن يتصور أن الفلسطينيين سوف يشعرون بغير ذلك إذا احتللنا أجزاء من غزة بشكل دائم وبدأنا في إعادة توطين اليهود هناك.

لا شك أن بعض الوزراء وأعضاء البرلمان والحاخامات الذين يؤيدون إعادة توطين غزة ليسوا أغبياء. فهم يدركون تمام الإدراك أن هذا لن يؤدي إلى تهدئة الفلسطينيين، بل إلى العكس. والواقع أن الهدف الحقيقي الذي يسعى إليه أولئك الذين يريدون إعادة توطين غزة يتلخص في أمر آخر ـ أداء فريضة غزو الأرض، وربما أيضاً إشعال فتيل حرب يأجوج ومأجوج التي سوف تجلب لهم الخلاص النهائي.

في مؤتمر “العودة إلى غزة” الذي عقد في يناير/كانون الثاني 2024، والذي حضره 11 من أعضاء مجلس الوزراء الإسرائيلي البالغ عددهم 37 عضواً و15 عضواً من أعضاء الائتلاف، تم الكشف عن الهدف الحقيقي. أعلن الحاخام دوف ليور أن الوصية المتمثلة في غزو الأرض حتى الحدود التي وعد بها الله، من نهر الفرات إلى نهر النيل، لها الأولوية على جميع الوصايا الأخرى.

ومن عجيب المفارقات أن الأصوليين اليهود هم الذين يفهمون الإسلاميين في حماس على أفضل نحو: فكلاهما ينظر إلى الأرض باعتبارها مقدسة. وهما يدركان أن احتلال المزيد منها لن يؤدي إلا إلى تأجيج الصراع بمزيد من العداء الديني. والحجة “الأمنية” لا تخدم إلا في تضليل الجمهور العلماني وإقناعه بمواصلة تحمل العبء العسكري والاقتصادي والأخلاقي والسياسي للاحتلال، من أجل تحقيق الرؤية المسيحية للأصوليين.

يقولون إن الأغبياء لا يموتون أبداً، ولكن الجنود العلمانيين الذين يصدقون هذه الكذبة سوف يموتون، وعبثاً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق