نتنياهو يعيد إشعال الحرب لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية تتجاوز غزة

قسم الاخبار الدولية 20/03/2025
استأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية ضد قطاع غزة في تصعيد جديد يعد الأعنف منذ الهدنة التي سرت في يناير الماضي، حيث تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمواصلة الحرب حتى “القضاء التام على حماس” و”ضمان عدم تشكيلها تهديدًا لإسرائيل”. لكن خلف هذه الشعارات، تتكشف ثلاث غايات أساسية تدفع نتنياهو نحو توسيع رقعة الحرب: حماية مستقبله السياسي، تعزيز المشاريع الجيوسياسية الإسرائيلية، وتنفيذ أجندة أميركية في المنطقة.
الهروب إلى الأمام: حرب تنقذ نتنياهو من أزماته الداخلية
يواجه نتنياهو تحديات سياسية داخلية خانقة، فملفات الفساد التي تلاحقه تهدد استمراره في الحكم، ومعارضوه يتزايدون داخل إسرائيل، خاصة مع تصاعد الغضب الشعبي إزاء استمرار احتجاز الرهائن وفشل العمليات العسكرية في تحقيق أهداف ملموسة. تزامن استئناف الحرب مع موافقة النيابة العامة على تأجيل محاكمته في قضايا الفساد، وهو ما يثير تساؤلات حول استغلاله للأزمة الأمنية لتأجيل استحقاقات قضائية كان من الممكن أن تؤثر على موقعه السياسي.
إلى جانب ذلك، شهدت الأسابيع الماضية ضغوطًا متزايدة من المعارضة وأطراف داخل الائتلاف الحكومي، حيث هددت أحزاب دينية متشددة بالانسحاب بعد استثنائها من مخصصات الميزانية، وهو ما دفع نتنياهو إلى البحث عن طريقة للحفاظ على تماسك حكومته. إعادة إشعال الحرب منحت حزب “العظمة اليهودية” اليميني المتطرف، بقيادة إيتمار بن غفير، مبررًا للعودة إلى دعم نتنياهو، مما ساعده على تأمين استمرار حكومته في وقت كان مهددًا فيه بفقدان الأغلبية البرلمانية.
الأجندة الإقليمية: توظيف الحرب لخدمة المشاريع الاقتصادية الإسرائيلية
لا تقتصر حسابات الحرب الإسرائيلية على الداخل فقط، بل تتصل بمشاريع إقليمية استراتيجية، أبرزها “الممر الاقتصادي الهندي” الذي تسعى إسرائيل لتكريسه كمنافس لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية. كان نتنياهو قد تحدث عن هذا المشروع في سبتمبر 2023 خلال قمة العشرين في نيودلهي، حيث أشار إلى أن هذا المسار التجاري سيحول إسرائيل إلى نقطة عبور رئيسية بين آسيا وأوروبا، مما يمنحها نفوذًا اقتصاديًا غير مسبوق.
اللافت أن التصعيد العسكري في غزة جاء بعد أيام قليلة من شنّ الولايات المتحدة غارات ضد جماعة الحوثيين في اليمن، وهي عمليات وُضعت تحت عنوان “حماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر”، لكن سياقها الإقليمي يوضح أنها جزء من خطة لضمان استقرار خطوط التجارة التي تمر عبر الممر الاقتصادي الجديد، عبر تقويض نفوذ إيران وحلفائها في المنطقة.
إسرائيل تخشى أن تشكل الفصائل المقاومة، سواء في غزة أو اليمن أو لبنان، تهديدًا لهذه المشاريع، لذلك فإن تصعيد العمليات العسكرية يأتي ضمن خطة لتأمين هذا الممر الاقتصادي، خاصة أن طريق التجارة البديل الذي تقوده الصين عبر قناة السويس يتعرض الآن لمخاطر بسبب تصاعد التوتر في البحر الأحمر.
أجندة أميركية إسرائيلية مشتركة: تحجيم إيران وإعادة رسم التوازنات
إلى جانب المصالح الاقتصادية، فإن الحرب الجارية تتصل بتصور أميركي إسرائيلي مشترك لإعادة رسم التوازنات في المنطقة، حيث ترى واشنطن أن تصعيد العمليات ضد حماس جزء من استراتيجية أوسع لمحاصرة النفوذ الإيراني.
الولايات المتحدة، التي تدير مواجهات متصاعدة مع جماعة الحوثيين، تسعى إلى تحجيم قدرة طهران على استخدام حلفائها الإقليميين كورقة ضغط، كما أن إسرائيل ترى في الحرب فرصة لإضعاف فصائل المقاومة في غزة قبل أي تصعيد محتمل على جبهات أخرى، خاصة في جنوب لبنان.
التنسيق الوثيق بين تل أبيب وواشنطن يظهر في تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي استخدم عبارة “ستفتح أبواب الجحيم”، وهي عبارة مستوحاة بشكل واضح من تهديدات سابقة للرئيس الأميركي دونالد ترامب. هذا التناغم يعكس مدى الترابط بين الخطط العسكرية الأميركية والإسرائيلية، وهو ما يدحض ادعاءات الحكومة الإسرائيلية بأنها أبلغت واشنطن بالغارات على غزة في اللحظة الأخيرة فقط.
تصعيد مفتوح أم حسابات محسوبة؟
بينما يواصل نتنياهو الترويج للحرب باعتبارها ضرورة لأمن إسرائيل، فإن الواقع يشير إلى أن أهدافه تتجاوز غزة، حيث يسعى لضمان بقائه السياسي، وتأمين مشاريع إسرائيل الاقتصادية، وتحقيق مكاسب استراتيجية في إطار التحالف مع واشنطن.
لكن في ظل الغليان الشعبي داخل إسرائيل، واستمرار المقاومة في غزة، والتعقيدات الإقليمية المتزايدة، يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع نتنياهو التحكم في مسار التصعيد، أم أن هذه الحرب قد تجر المنطقة إلى مواجهة أكبر لا يمكن حساب عواقبها؟