نتنياهو وترامب.. شراكة الإجرام والاستعمار والاستثمار
![](https://i0.wp.com/strategianews.net/wp-content/uploads/2025/02/1effa7f2-5329-4a91-8a76-73cc2539ced1.jpg?resize=780%2C470&ssl=1)
أحمد عويدات قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 07-02-2025
![](https://i0.wp.com/strategianews.net/wp-content/uploads/2025/02/2-1730470780-1.webp?resize=708%2C472&ssl=1)
من الواضح تماما، أن الجحيم الذي وعد به الرئيس الأمريكي رونالد ترامب الشرق الأوسط قد بدأ فعلا في غزة؛ مانحا النعيم لمجرمي الكيان الصهيوني، ليكشف بذلك ليس عن انحيازٍ أمريكي كاملٍ “لإسرائيل” فحسب، بل عن شراكةٍ مع الفاشية النازية الجديدة المتمثلة بنتنياهو وحكومة المتدينين اليمنيين.
هذا الجحيم ظهر من خلال تصريحات ترامب والقاضية بالسيطرة على قطاع غزة، وتهجير سكانه قسريا إلى مصر والأردن اللذين رفضا هذا الطرح، ضاربا عرض الحائط بالقانون الدولي الإنساني وإعلان حقوق الإنسان، وتجاوزا لكل قيم ومبادئ الأمم المتحدة؛ مما يعتبر تطهيرا عرقيا وجريمة حرب ضد الفلسطينيين بقوله “الفلسطينيون ليس لهم سبيل سوى مغادرة غزة”، وهذا ما يعكس العقلية الاستعمارية الاحتلالية الإجلائية العدوانية.
ويشكل من جهةٍ أخرى، اعتداء صارخا على سيادة الدولتين مصر والأردن عندما هدد بقوله “أريد أن أرى مصر والأردن تستقبلان فلسطينيين من غزة”، وكان قد أكد تهديده هذا قائلا: “سيفعلان ذلك”، وهذا ما يشير أيضا إلى اللغة الاستعلائية والغطرسة والعنجهية الأمريكية المتجاوزة لكل الأعراف والمواثيق التي تحترم سيادة الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
على الرغم من المفاجأة التي شكلتها هذه التصريحات، فإن هكذا خطوات ليست غريبة أبدا عن ترامب الذي سبق أن اعترف بضم الجولان السورية إلى “إسرائيل”، والاعتراف بالقدس عاصمة لها، ونقل السفارة إليها.
إن إصرار ترامب على هذا التهجير القسري وبهذه الظروف يؤكد مما لا يدعو للشك مشروع ترامب الاستثماري الاقتصادي لصالحه ولصالح دولة الكيان، وتأكيدا للوثيقة التي كشفت عنها الاستخبارات الإسرائيلية المتعلقة بخطط التهجير للفلسطينيين من غزة، ووثائق بريتش غاز التي تحدثت عن الكميات المهولة للغاز ذي النوعية النادرة الموجودة في بحر غزة مارين قبالة مخيم النصيرات، والتي تقدر بمليارات الدولارات، وكذلك الوثائق التي كشف عنها معهد إنسبكت الأمريكي “Inspect”، والتي تحدثت عن خطط التهجير القسري.
نسي ترامب أن الفلسطيني هو عامل تغييرٍ وثورة أينما حل، ونسي أيضا السمات الشخصية للفلسطيني ونفسيته وآماله وطموحاته وقدرته على التكيّف مع كل الظروف، فهذا الفلسطيني الذي تحمّل 15 شهرا من القصف بالقنابل والقذائف أمريكية الصنع، والذي تحمّل التدمير لكل جوانب الحياة، وكل أنواع الإبادة، وخبِر كل أنواع التهجير والنزوح واللجوء
يريد ترامب أن يكمل ما بدأه نتنياهو وفشل في تحقيقه حتى الآن من انتزاع الفلسطيني من أرضه ووطنه، بعد تدمير كل جوانب الحياة في غزة من ماء وكهرباء وبناء وخدمات صحية وتعليمية واجتماعية، لذلك فإن ترامب حدد فترة من 10 إلى 15 سنة لإعادة الإعمار، إمعانا منه في القضاء على ما تبقى من حياة للغزيين، وكأحد السيناريوهات التي ستُعتمد للضغط على الفلسطينيين لتهجيرهم طوعا أو قسرا، وهذا ما يعكس العنصرية التوسعية والفاشية الأمريكية التي تميّز ترامب الآن ومن قبله بايدن، وهذا يتماهى مع الإجرام الصهيوني المتمثل بنتنياهو واليمين الديني المتطرف.
إن ترامب بمخططه هذا ينظر بعين العطف والشفقة إلى “إسرائيل” -كما أشفق بلفور من قبله- بوصفها تعيش على أرض صغيرة وأنها بحاجة إلى مساحة أوسع، فيُصر على تهجير الفلسطينيين لإحلال المستوطنين مكانهم، ويُصر على التطبيع مع دولٍ عربية لينعم نتنياهو وأركان حربه ومستوطنيه بسلام دائم.
إن ما يسعى إليه ترامب ليس تغيير جيو- سياسي للشرق الأوسط الجديد الذي يحلم به مع نتنياهو، بل هو تحويل ديموغرافي أيضا في دول الطوق، وهذا ما سينعكس عليه وعلى المنطقة جحيما لن ولم يتوقعه.
لقد نسي ترامب أن الفلسطيني هو عامل تغييرٍ وثورة أينما حل، ونسي أيضا السمات الشخصية للفلسطيني ونفسيته وآماله وطموحاته وقدرته على التكيّف مع كل الظروف، فهذا الفلسطيني الذي تحمّل 15 شهرا من القصف بالقنابل والقذائف أمريكية الصنع، والذي تحمّل التدمير لكل جوانب الحياة، وكل أنواع الإبادة، وخبِر كل أنواع التهجير والنزوح واللجوء التي بلغت أحيانا أكثر من 25 مرة مُتنقلا من منطقةٍ إلى أخرى ضمن مساحة 365 كـم مربعا هي الأكثر كثافة في العالم، والموت يحيط به من كل جانب، تارة يحمل خيمة وتارة يحمل جسدا مكفنا ابنه أو ابنته.
هذا الفلسطيني العصيُّ على الهزيمة يرى في الأنقاض والركام قوته وعزيمته على إعادة تدويرها وبناء صرح حياته من جديد. لم يدرك ترامب أن الفلسطيني يعود من الموت يحيا ويغني، فيقول هذا الفلسطيني “عهد الله ما نرحل، نموت، نجوع ما نرحل”.
إن الفلسطيني يعشق الموت العزيز كما يعشق الحياة الكريمة، فهو رمز العزة والإباء ورمز الكرامة والكبرياء، إنه كالسنديان والزيتون متجذرا في الأرض لا الرّياح العاتية ولا العواصف الهوجاء تستطيع أن تقتلعه من غزته، من أرضه، من مخيمه، من شاطئه، من بيت حانونه وجباليته، ورفحه، وحي زيتونه، وتل هواه، ودير بلحه.
ما يطرحه ترامب يمثل تخليا عن التزاماته ومسؤولياته الدولية كدولة عظمى تدّعي دوما حرصها وحمايتها للأمن والاستقرار والسلم العالمي. إن في طرحه هذا يعيد ترامب للأذهان سلطة ودور شرطي العالم الذي يحكم بقوة السلاح وسطوة الطغاة؛ خرقا وانتهاكا لكل القوانين والأعراف والقيم والمبادئ التي أجمع عليها العالم
إن الفلسطيني عنوان الانتماء للوطن، وصرخة الحياة بوجه الغاصبين والمستعمرين الجدد، فهل يعي ترامب ذلك؟
إن ذرف الدموع على غزة والغزيين واستعطاف العالم عليهم يستدعي -إذا كان ترامب صادقا بمشاعره وعواطفه- أن يعيدهم إلى الأرض التي هُجّروا منها، وإلى الوطن الذي سُلب منهم، وأن يعيد من جاء مهاجرا من بقاع شتى في أوروبا وآسيا وأمريكا إلى حيث كان؛ لا أن يتذرع ترامب وأركان إدارته بأن غزة مكان غير آمن، وأن هناك أبنية آيله للسقوط، وأن هناك أكثر من 30 ألف طن من المتفجرات لم ينفجر بعد.
ألا يطمح أن ينهي ترامب الحروب؟ ألم يَعدْ بذلك؟ ألا يريد أن يكون صانع سلام؟
فالسلام يبدأ هنا، بإعادة الأرض لأصحابها وليس استبدالها بأرضٍ أخرى في دول مجاورة وإن كانت شقيقة، وإعمارها بأموال “دول الشرق الأوسط” كما قال.
إن ما يطرحه ترامب يمثل تخليا عن التزاماته ومسؤولياته الدولية كدولة عظمى تدّعي دوما حرصها وحمايتها للأمن والاستقرار والسلم العالمي. إن في طرحه هذا يعيد ترامب للأذهان سلطة ودور شرطي العالم الذي يحكم بقوة السلاح وسطوة الطغاة؛ خرقا وانتهاكا لكل القوانين والأعراف والقيم والمبادئ التي أجمع عليها العالم.
إن مصائر الشعوب والدول لا يقررها مزاجُ شخصٍ لا يرى سوى نفسه ومصالحه وحلفائه من شذاذ الآفاق، أو توقيعٌ يملأ الصفحات، ولا تُقررها دولةٌ تمتلك كل عوامل القوة لإخضاع الآخرين، إن الشعوب التي هزمت أعتى الإمبراطوريات الاستعمارية عبر التاريخ لقادرة أن تقرر مصيرها بنفسها، وإن الشعب الفلسطيني كسائر هذه الشعوب، وهو الذي صمد صمودا أسطوريا على كل أنواع الإبادة، لقادر -مع مقاومته الباسلة ومع تضامن ومناصرة الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم- أن يهزم مشاريع الاستيطان والتهجير، وعنوانه خيمة ولو كانت فوق أنقاض بيته في وطنه.