من نزع الشرعية إلى التحريض: تصاعد الخطاب الاستيطاني الإسرائيلي وتفكيك القيادة الوطنية الفلسطينية

إعداد زهرة الهاني: قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 21-04-2025
مقدمة:
يعكس الخطاب السياسي الاستيطاني في إسرائيل في السنوات الأخيرة تصاعدًا خطيرًا في النبرة العدوانية تجاه الفلسطينيين، لا فقط على المستوى السكاني أو الجغرافي، بل أيضًا على مستوى القيادة السياسية الشرعية.
لم تعد دعوات التهجير أو نزع الشرعية مجرّد تهويمات أيديولوجية، بل باتت تعبّر عن رؤية سياسية ممنهجة تسعى إلى تفكيك الهوية الوطنية الفلسطينية، وتقويض وجودها القانوني والرمزي، سواء في غزة أو الضفة الغربية.
خطاب دانييلا فايس: التطهير العرقي كخطة استراتيجية
في مقابلة أجرتها قناة BBC مع الناشطة الاستيطانية البارزة دانييلا فايس، صرحت بما يلي:
“العرب لن يبقوا في غزة، اليهود هم من سيبقون. هناك إفريقيا، هناك كندا، العالم سيتكفل بتوطينهم.”
وعندما سُئلت إن كان هذا يعتبر تطهيرًا عرقيًا، أجابت:
“سمّيه ما شئت: تطهيرًا عرقيًا، تهجيرًا، لجوءًا، لا فرق. سنُشعل النار تحت أقدامهم.”
هذا الخطاب يعكس تحولًا نوعيًا في الذهنية الاستيطانية من خطاب “السيطرة” إلى خطاب “الإلغاء”، حيث لم يعد الوجود الفلسطيني يُنظر إليه كخصم سياسي، بل كـ”عبء ديموغرافي” يجب التخلص منه بأي وسيلة ممكنة، بما في ذلك التهجير القسري، في خرق واضح للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي تحظر النقل القسري للسكان في مناطق الاحتلال.
دعوة يوسي داغان لاعتقال اشتية: استهداف القيادة الوطنية
في تصريح لافت، دعا يوسي داغان، رئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية، الجيش الإسرائيلي إلى اعتقال رئيس الوزراء الفلسطيني السابق د. محمد اشتية، متهمًا إياه بـ”التحريض على قتل المستوطنين”.
هذه الدعوة لا يمكن فصلها عن مسار سياسي أوسع يسعى إلى نزع الشرعية عن القيادة الفلسطينية، وتجريم أي خطاب وطني يرفض الاستيطان أو يدعو للمقاومة الشعبية.
لقد كان الدكتور امحمد اشتية من أبرز القيادات الفلسطينية التي تحدثت بشكل واضح ضد السياسات الإسرائيلية، مؤكدًا في عدة مناسبات أن إسرائيل تسعى إلى “تفريغ القدس وغزة من سكانها عبر سياسات التهجير والتطهير العرقي”. وفي كلمة أمام المجلس الثوري لحركة فتح عام 2023، قال الدكتور اشتية:
“الوحدة الوطنية هي صمام الأمان الوحيد القادر على إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية في مواجهة مشروع الاستيطان والإلغاء”.
وفي مؤتمر صحفي في رام الله، وصف اشتية الاستيطان بأنه “الخطر الوجودي على الدولة الفلسطينية”، مشيرًا إلى أن إسرائيل “تستخدم الاستيطان كأداة لتفكيك الجغرافيا الفلسطينية وفرض الوقائع السياسية بالقوة”.
مقاربة تفكيكية: استهداف الإنسان والقيادة والأرض
إن الربط بين خطاب فايس القائم على التهجير العلني، وتصريحات داغان المحرّضة على القيادة الفلسطينية، يؤكد وجود مقاربة إسرائيلية استعمارية متكاملة، تسعى إلى:
- تهجير السكان الأصليين (كما في غزة والقدس)؛
- إسكات أو اعتقال القيادات السياسية الفلسطينية؛
- فرض رواية أحادية في الإعلام الدولي تُقدّم إسرائيل كضحية وتُجرّم الفلسطيني المقاوم.
هذا السلوك لا يمكن فهمه دون العودة إلى البنية الاستعمارية التي تأسست عليها الدولة الإسرائيلية، والتي تُعيد إنتاج ذاتها من خلال منظومات قانونية وعسكرية وإعلامية، تحوّل الفلسطيني من ضحية إلى متّهم، ومن مقاوم إلى “محرض”.
الخلاصة:
إن تصاعد الخطاب الاستيطاني الإسرائيلي، بشقّيه العنصري والإقصائي، يشكّل تهديدًا مباشرًا للقضية الفلسطينية برمتها، لا سيما إذا استمر الصمت الدولي وغياب آليات المحاسبة.
في هذا السياق، فإن استهداف قيادات مثل الدكتور أمحمد اشتية ليس مجرد اعتداء على فرد، بل ضرب متعمّد لركيزة من ركائز الصمود الوطني والسياسي الفلسطيني.
على مراكز البحث، ومؤسسات القانون الدولي، والمجتمع المدني العالمي، أن تعيد طرح السؤال المركزي:
هل يُسمح في القرن الحادي والعشرين باستخدام خطاب التطهير العرقي والاعتقال السياسي كأدوات مشروعة في إدارة الصراع؟
وإذا بقي هذا السؤال دون إجابة، فإن المجتمع الدولي يكون قد ساهم فعليًا في شرعنة استعمار جديد يرتدي قناع القانون، لكنه يُبقي الفلسطيني أعزل أمام منظومة إقصائية ممنهجة.
——————————
الهوامش والمراجع:
1- BBC News. (2024). Interview with Daniella Weiss. [Available at: https://www.bbc.com/news/…]
2- International Committee of the Red Cross (ICRC). (1949). Geneva Convention IV relative to the Protection of Civilian Persons in Time of War.
3- Times of Israel. (2024). “Settler Leader Calls for Arrest of Former Palestinian PM over Incitement.”
4- Palestinian News & Information Agency – WAFA. (2022). Statement by PM Mohammed Shtayyeh on forced displacement.
Al-Quds Newspaper. (2023). “اشتية أمام المجلس الثوري: الوحدة الوطنية شرط البقاء”.
6- Reuters. (2023). “Palestinian PM Shtayyeh: Settlements Are a Strategic Threat to the Two-State Solution”.