آسياأخبار العالمإفريقيا

 من قلب المعرض الاقتصادي والتجاري الصيني-الأفريقي: آفاق جديدة تدعم التعاون الصيني-العربي

في أجواء من الحراك الاقتصادي والتجاري المتسارع، أُسدل الستار يوم الأحد الماضي في مدينة تشانغشا، حاضرة مقاطعة هونان بوسط الصين، على فعاليات الدورة الرابعة من المعرض الاقتصادي والتجاري الصيني-الأفريقي، الذي يُعد الحدث الاقتصادي والتجاري الأكبر من حيث الحجم والتأثير في إطار منتدى التعاون الصيني-الأفريقي. وقد سجل المعرض رقما قياسيا سواء من حيث عدد المشروعات أو القيمة الإجمالية للاتفاقيات المبرمة.

وبحسب اللجنة المنظمة، تم توقيع 176 مشروعا بقيمة 11.39 مليار دولار أمريكي خلال فترة المعرض. ويمثل هذان الرقمان زيادة بنسبتي 45.8 في المائة و10.6 في المائة على التوالي مقارنة بالدورة السابقة في عام 2023.

وما يلفت الانتباه في هذه النسخة هو الحضور العربي البارز، إذ شاركت دول مثل مصر والجزائر والمغرب وغيرها من الدول العربية الأفريقية بفعالية وحيوية، مما أضفى بُعدا جديدا على آفاق التعاون الصيني-العربي، وأسهم في توسيع نطاقه وتعميق انفتاحه، فاتحا بذلك آفاقا واعدة لمزيد من العمل المشترك في المستقبل.

اختراقات رئيسية شهدها المعرض

في ختام المعرض الذي انعقد في الفترة من 12 إلى 15 يونيو الحالي تحت شعار “الصين وأفريقيا: معا نحو التحديث”، تم تحقيق أربع خراقات رئيسية في مسيرة التعاون الصيني-الأفريقي.

أولا، تشكل التجارة الإلكترونية العابرة الحدود والتطبيقات الذكية منظومة تجارية جديدة. ففي ظل التحول المتسارع نحو الاقتصاد الرقمي، الذي بات قاطرة جديدة لدفع التعاون الصيني-الأفريقي، أُطلقت رسميا منصة للتجارة العابرة الحدود بين الصين والدول الأفريقية في تشانغشا، جمعت بين تقنيات “آمازون كلاود” و”علي إكسبريس”، التي تُعد أكبر منصة صينية للتجارة العابرة للحدود وفق نموذج الأعمال من الشركات إلى المستهلكين (B2C).

وقد وسّعت “علي إكسبريس” نطاق خدمات الدفع المحلي في القارة الأفريقية، فيما غطت خدمات منصة “كيليمول”، وهي أول منصة صينية للتجارة الإلكترونية تُنشئ مرفقا لتخزين البضائع في أفريقيا، ست دول أفريقية، وبلغ عدد مستخدميها ثلاثة ملايين مستهلك. وأسهمت هذه الخطوة ليس فقط في تعزيز التسهيلات التجارية، بل أيضا في ترسيخ دعائم منظومة للتجارة الإلكترونية في أفريقيا.

وفي هذه النسخة من المعرض، تم تخصيص جناح للصناعة الرقمية ضم منصة هواوي كلاود وشركة سينس تايم، إلى جانب 33 شركة صينية رائدة عاملة في هذا المجال، حيث تم توقيع 28 اتفاقية تتعلق بمشروعات البنية التحتية الرقمية المرتبطة بالمدن الذكية والحكومة الرقمية.

كما تم التوقيع على اتفاقية إطارية لبناء شبكة خاصة للبيانات العابرة الحدود، تعد الأولى من نوعها في القارة السمراء، وهو ما يرمز إلى دخول التعاون الرقمي الصيني-الأفريقي مرحلة الربط العميق للبنى التحتية.

ثانيا، يسهم التعاون في مجال الطاقة الجديدة في رسم ملامح خارطة الطاقة في القارة الأفريقية. فأفريقيا تمتلك وفرة في موارد الطاقة المتجددة، لكنها طالما عانت من نقص في إمدادات الكهرباء. ومن هنا، يوفر التعاون الصيني-الأفريقي في مجال الطاقة الجديدة فرصة لدعم اعتماد القارة على مصادرها الذاتية من الطاقة. وفي هذا السياق، كان لمشروع محطة الطاقة الحرارية الأرضية في كينيا، الذي نفذته شركة “سينوبيك” الصينية، دور بارز في زيادة القدرة المركبة لمولدات الكهرباء الحرارية بنسبة 50 في المائة. كما من المتوقع أن يلبي مشروع كابوي للطاقة الشمسية الكهروضوئية في زامبيا، الذي تبلغ قدرته 100 ميغاواط وتقوم بتنفيذه شركة بناء الطاقة الصينية “باور تشاينا”، احتياجات 150 ألف أسرة من الكهرباء. هذا إلى جانب المشروعات المصرية-الصينية الكبرى في مجال محطات الطاقة الشمسية التي تؤدي دورا متزايد الأهمية في صعيد مصر.

ثالثا، تلعب الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم دورا فاعلا في ابتكار آليات التعاون. ففي سابقة هي الأولى من نوعها، قدمت نسخة تشانغشا من المعرض الاقتصادي والتجاري الصيني-الأفريقي نموذجا جديدا للخدمة يُعرف بـ”الترابط المتسلسل”، استُخدم خلاله نظام مواءمة قائم على الذكاء الاصطناعي بهدف مساعدة أكثر من 800 شركة أفريقية متوسطة وصغيرة ومتناهية الصغر على الوصول إلى شركاء صينيين محتملين، ومن بين تلك الشركات، نجحت شركة جزائرية متخصصة في صناعة المنتجات الجلدية في العثور على شريك من مقاطعة تشجيانغ يعمل في مجال صناعة الحقائب، حيث وقع الطرفان مذكرة تفاهم تتعلق بشراء المواد الخام وتحديث التقنيات. وبفضل هذه الآلية المبتكرة بكل المقاييس، شهد عدد العقود المبرمة بين الشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في الصين والدول الأفريقية زيادة بلغت ثلاثة أضعاف مقارنة بالنسخ الثلاث السابقة من المعرض.

مشاركة نشطة للدول العربية الأفريقية

علاوة على ذلك، برزت في المعرض بؤرة ساطعة أخرى تمثّلت في المشاركة النشطة من جانب دول عربية أفريقية مثل مصر والجزائر والمغرب وغيرها، مما يجسّد الدور المهم الذي يلعبه المعرض بوصفه منصة فعالة أخرى لتعزيز التبادل التجاري والاقتصادي بين الصين والدول العربية، إلى جانب المعرض الصيني-العربي.

وفي هذه النسخة من المعرض، أظهرت مصر مميزاتها في مجالات عدة، منها الزراعة، والصناعة التحويلية، والخدمات. وقد أبدت الشركات الصينية رغبة شديدة في التعاون مع نظيراتها المصرية في مجالات تشمل تجارة المنتجات الزراعية، وصناعة السيارات، والخدمات اللوجستية. فعلى سبيل المثال، وقعت شركة زراعية مصرية اتفاقية تعاون مع شركة صينية متخصصة في تصنيع المنتجات الزراعية، بهدف العمل المشترك على تطوير المنتجات الزراعية المميزة في مصر، مثل التمر والبرتقال، وتوسيع حضورها في السوق الصينية. بالإضافة إلى ذلك، عرضت مصر خلال المعرض أيضا مواردها السياحية التي لاقت اهتماما واسعا من العديد من شركات السياحة الصينية، ومن المتوقع أن يسهم ذلك في تعزيز التعاون السياحي بين الصين ومصر.

أما الجزائر، فتتمتع بإمكانات قوية في مجالات مثل الطاقة والتعدين والبنية التحتية. وخلال المعرض، أجرت الشركات الجزائرية مباحثات معمقة مع الشركات الصينية حول مشاريع التعاون في مجالات الطاقة وتطوير الموارد التعدينية والبنية التحتية، وقد تم توقيع عدد من اتفاقيات التعاون. ومن بين هذه الاتفاقيات، أبدت شركة طاقة جزائرية رغبتها في التعاون مع شركة صينية متخصصة في تكنولوجيا الطاقة، للعمل معا على تطوير مشاريع الطاقة الجديدة والاستفادة منها، بما يدعم التحول الطاقوي في الجزائر.

ويعد المغرب واحدا من بين الدول الأفريقية الأكثر تعاونا في المجالين الاقتصادي والتجاري مع الصين. ففي هذه النسخة من المعرض، عرضت الشركات المغربية منتجاتها وتقنياتها في مجالات متعددة، منها الملابس والمنسوجات. وتوصلت الشركات المغربية والصينية إلى توافقات بشأن توطيد التعاون في مجالات عدة، مثل إنتاج قطع غيار السيارات، وصناعة المعلومات الإلكترونية، والملابس والمنسوجات. إضافة إلى ذلك، عرض المغرب في المعرض أيضا بيئته الاستثمارية وسياساته التفضيلية، مما جذب اهتمام المزيد من الشركات الصينية للاستثمار وبدء أنشطتها في السوق المغربية.

مجالات واعدة للتعاون الصيني-العربي

في هذا الحدث الكبير، برزت العديد من المجالات الصاعدة والواعدة التي تنير طريق التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني العربي في المستقبل.

أولا، يعد مجال الذكاء الاصطناعي محورا رئيسيا في المعرض. فمع التطور المتسارع لتقنياته، تتسع آفاق التعاون الصيني-العربي في هذا المجال الحيوي، حيث تتمتع الصين بقدرات بحثية وتطبيقية متميزة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، بينما تمتلك الدول العربية الأفريقية مزايا مهمة من حيث موارد البيانات والاحتياجات السوقية. ومن ثم، يمكن للطرفين التعاون في تطوير التقنيات، ونشر التطبيقات، وتدريب الكوادر البشرية لدفع عجلة التطور التكنولوجي في المنطقة. فعلى سبيل المثال، يمكن تنفيذ مشاريع الزراعة الذكية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين الإنتاجية، أو توظيف هذه التقنيات في بناء المدن الذكية لتعزيز الإدارة الحضرية.

ثانيا، يشهد مجال الطاقة الجديدة مسارا تعاونيا واعدا. فالدول العربية الأفريقية تتمتع بموارد وفيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بينما تمتلك الصين خبرات متقدمة في مجال التطوير التكنولوجي وتصنيع المعدات. ومن خلال التعاون في نقل التكنولوجيا وتنفيذ المشاريع، يمكن للجانبين دفع التحول الطاقوي نحو الاستدامة. ولعل أبرز مثال على ذلك يتجسد في إمكانية مساهمة الشركات الصينية في إنشاء محطات طاقة شمسية ومزارع رياح لتعزيز إمدادات الطاقة المحلية.

ثالثا، يشكل الاقتصاد الرقمي، بما في ذلك التجارة الإلكترونية والدفع عبر الهاتف المحمول وتحليل البيانات الكبيرة، مجالات جديدة للتعاون المستقبلي. أما في مجال التنمية الخضراء، فيتعاون الجانبان في حماية البيئة وإدارة الموارد لمواجهة تحديات التغير المناخي. وعلى الصعيدين الثقافي والسياحي، يسعى الجانبان إلى تعزيز التبادل الثقافي وتطوير السياحة، بما يسهم في توثيق أواصر التواصل بين الشعوب ودفع عجلة النمو في هذه الصناعة الحيوية.

المصدر وكالة شينخوا

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق