من جنون التسلح إلى الحرب الوشيكة…خطوات نحو الجرم الإنساني
اعداد فاتن جباري قسم البحوث والدراسات السياسية والعلاقات الدولية
مراجعة: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية
“اظهر قوتك حتى لا تضطر إلى استعمالها “
تلك هي الجملة الشهيرة التي دونها الكاتب الإسرائيلي افرايم اسكولاي، في إحدىأشهر كتبه المثيرة للجدل متحدثا عن احتمالية حرب كونية نووية تدل عن جنون علمي فتاك،منطلقه التسابق نحو التسلح واحتكار القوة النووية وأسلحة الدمار الشامل هذا في الوقت الذي كان فيه منالضروري العمل على دعم التوافق بين إرادات كل الدول نحو هدف أسمى هو نزع السلاح النووي وتوجيه هذه التكنولوجيا الرهيبة لخدمة الإنسانية بدل إفنائها.
إنها الفكرة التي جعلت العالم في اكبر مشهد ساخر لم يشهد له مثيل في مسرحية تديرها الشبكة الدولية الخفية الحاكمة لكوكبنا، وهي اليوم في إحدى مشاهدها المرعبةالتي احتوتهاعملية الغزو الأوكراني وأحسنت تدبيرها روسيا التي بدت متحكمة في مشهد تظهر فيه الولايات المتحدة لأول مرة وكأنها الشرطي الذي قديفقد سلاحه ضمن هذه اللعبة …
التقديم
اليوم لا يزال وميض السلاح النووي أخاذا لم ينطفئ بعد في واقع الحروب والتهديدات والمخاوف النووية حيث يتحول العالم إلى بؤرة توتر بين قطبين اثنين قطب تتزعمه روسيا ضد الولايات المتحدة الأمريكية في تجارب حربية تبعث على الرعب و القلق .
فالحرب لم تغادر كوكبنا لأنها لاتزال تندلع في كل مكان وتتكرس في الترسانات النووية وحتى في النفوس لان ملايين البشر يعدون العدة للحرب سرا وعلانية .
لقد أثيرت التساؤلات اليوم وأكثر من أي وقت مضى حول جدوى ما أنتجه الإنسان من نصوص فلسفية وأدبية وقانونية وماحققه من تطور علمي وتقني وما افرزه من أنظمة رمزية تحقق مطلب التواصل الإنساني وماصاغه من رؤى جمالية وأخلاقية تحفظ حسن البقاء وتحمي ماتبقى في إناء الإنسانية. بما يلبي حاجيات الإنسان المعاصر الذي يأمل في تحقيق السعادة والرفاه والأمن والسلم لتجاوز العصور المظلمة المثقلة بالصراعات و الحروب.
فكيف تنام البشرية مطمئنةآمنة في قريته الكونية وشبح الأسلحة النووية تهدد مصيره ؟
لقد بات من الصعب السيطرة على الأسلحة النووية في ضل الوضع النووي القائم الذي كرسته الاتفاقيات الدولية اذ يرى الكاتب الإسرائيلي افرايم اسكولاي “أن معاهدة حظر الانتشار النووي عفا عليها الزمن و لم تعد مجدية”.
في نظرة عن زمن غير بعيد،تعامل الإنسان منذ وجوده مع القوة والعنف كوسيلة غريزية لضمان بقائه. وفي المجتمعات القديمة كانت لغة السلاح هي الطريقة الأنجع لحل الخلافات حول نقاط المياه ومناطق الكلأ وحماية المصالح المختلفة،حيث أنه من الطبيعي، في مجتمع غير مركزي أن كل كائن وحسب الفطرة، يستعمل كل قواه لحماية حقوقه أو إستعادتها و الحفاظ عليها.
المعاناة وويلات الحروب والغزوات وكل أوجه الإحتلال والإستعمار والاستعباد هو ما طبع حياة الشعوب… وقد تميز كل عصر بتبريراته لاستعمال العنف والقوة، اما اليوم فلقد شكلت اسلحة الدمار الشامل في مجملها الوجه القبيح للتطور العلمي والتكنولوجي .
في الفترات الأخيرة، و خاصة منذ بداية القرن الحالي، بدأ الإنسان يكتشف أنه هو الخاسر الأكبر في كل مرة خاض فيها غمار الحرب وشارك في إسداء أوزارها.
وبنمو مفاهيم المجتمع الدولي، وحقوق الأمم، وحقوق الإنسان، بدأت مفاهيم أخرى، تتقهقر فيما يخص الإنتصار في الحروب، و الإنهزام، و قضايا الغنائم و ما شابه ذلك.
إتجه المجتمع الدوليبادئ الأمر إلى محاولة التخفيف من ويلات الحروب وتفادي الآلام التي يعانيها الإنسان من جراء إستعمال القوة فتعاقبت تنظيمات لاهاي بعد المؤتمر الدولي لعام 1864، و الدور الذي قام به الصليب الأحمر الدولي في مجال المعاملة الإنسانية لضحايا الحروب، ثم تحسين ظروف الأسرى والتخفيف من معاناة الجرحى، وتحديد وضع المدنيين والغير مشاركين في المجهود الحربي، ومن جهة أخرى تنظيم وسائل القتال والحد منها إعتمادا على مبادئ القانون الدولي الإنساني.
النصوص القانونية وحفظ السلام
السلم والسلام في القانون الدولي هو حالة اللاحرب والإمتناع عن إستعمال القوة فيما بين الأمم لبلوغ حالة دائمة ومستمرة من السلم، بالإضافة إلى محاولة القضاء على دواعي الحرب، فإن المجتمع الدولي قد شرع في سنّ نصوص قانونية تطمح إلى منع اللجوء إلى الحرب عن طريق نظام عصبة الأمم في البداية، وما لحقه من نصوص ما بعد الحرب العالمية الأولى ثم إستخلف بميثاق الأمم المتحدة بعد الحرب الكونية الثانية.
دور النظام الدولي في حماية الأمن والسلم في العالم:
لقد حضيت الاسلحة النووية باهتمام بالغ في القانون الدولي العام الذي تدور قواعده في قطبان قديمان هما الحرب و السلم مما افرز رؤية واقعية ملموسة عن حجم الدمار الذي تخافه لأنها تمتد عبر الزمان و المكان لتؤثر على الأجيال التي عاصرت تجربتها و الأجيال اللاحقة حيث أصبحت عاملا أساسيا في رسم معالم النظام القانوني الجديد ومقياس قوة كل دولة تسعى إلى فرض حضورها على الساحة الدولية لتنطلق بذلك فكرة الحظر الدولي لأسلحة الدمار الشاملعلى أساسها تلك الأسلحة ذات التفجيرات الذرية وأسلحة المواد المشعة والأسلحة الكيميائية والبيولوجية الفتاكة وأي أسلحة أخرى تنتج في المستقبل يكون لها خصائص مماثلة لهذه الأسلحة في الآثار التدميرية لإفناء وإحراق أو تلويث الكائنات الحية وسحق كل مضاهر الحياة في منطقة الانفجار وماحولها .
لطالما شكلت هذه الأسلحة الوجه القبيح للتطور العلمي والتكنولوجي حيث تنصرف إرادة الدول الأكثر قوة وتصنيعا وتصديرا في الوقت الحالي إلى التسابق نحو عرض قدراتها ومعداتها العسكرية لقد كشفت هذه الاستعراضات عن مدى تملك الدول لأسلحة لديها القدرة على تهديد بقاء الجنس البشري بأكمله إنها الأسلحة النووية التي عرفتها دول حلف الناتو بكونها : الأسلحة المصممة لاحتواء او استخدام الوقود النووي او النظائر المشعة والتي تحدث من خلال الانفجار وغيره من التحول النووي غير المنضبط التدمير الشامل أو الإصابة الجماعية آو التسمم الجماعي وتتنوع إلى أسلحة ذرية هيدروجينية ونيترونية.
تكمن الخصائص التدميرية للأسلحة النووية بأنواعها في ثلاثة اثأر الانفجار و الحرارة و الإشعاع ناهيك عن الغبار الذري والدخان الكثيف اللذان يغمران مكان الانفجار لسنين عديدة و لمساحات شاسعة الأمر الذي استدعى تدخل القانون الدولي لاحتواء مخاطر هذه الأسلحة والحد من تملكها وتصنيعها والتحكم فيها والتقليل من احتمالات نشوب حرب مدمرة وهي الطريقة الوحيدة لضمان سلامة العلاقات الدولية…
يعتبر رجال السياسة نظام عصبة الأمم و بعده عقد باريس لعام 1928 كنقطة تحول في مجال حفظ الأمن و حماية السلم في العالم فعملية التنظيم لمواجهة الحرب، في حد ذاتها، هي من المستجدات، فلأول مرة تحاول بعض الأمم تفادي قيام حروب مستقبلية، و تقيم منظمة دولية لذلك الغرض، فشل هذا النظام لا ينقص من أهميته كمبادرة أولى لها قيمتها في التطور الفكري لإنشاء نظام قانوني لحفظ الأمن و تنسيق الجهود للعيش في حالة سلم.
حفظ السلم و الأمن من خلال نصوص ميثاق الأمم المتحدة
هذا ما تضمنته الفقرة الرابعة من المادة الثانية التي تنص على أنه “يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد بإستعمال القوة أو إستخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أخرى أو على أي وجه آخر لا يتفق و مقاصد الأمم المتحدة”.
يلاحظ أن الميثاق، في مجال تحريم العنف في العلاقات الدولية، تفادى إستعمال تعبير “اللجوء إلى الحرب”، و ذلك نظرا للنقائص المرتبطة بتفسيره.
تعبير “إستعمال القوة”، الوارد في الميثاق أشمل، حيث أنه يغطي كل حالات إستعمال القوة الموجهة ضد الاستقلال السياسي و الوحدة الترابية لدولة أخرى، و كل أعمال العدوان، والتهديد باستعمال القوة و المساس بسيادة الدولة.
هذا التحريم الشامل والكامل لكل أوجه العنف والإكراه فيما بين الدول لا يستقيم إلا إذ تم تعويضه بوسائل تسمح بحل الخلافات والنزاعات الدولية سلميا. وفي هذا الشأن نصت الفقرة الثالثة من المادة الثانية على أنه “يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر”.
الوسائل السلمية المقصودة هنا هي المفاوضة، و التحقيق و الوساطة، و التوفيق، والتحكيم، والتسوية القضائية أو الحل السلمي عن طريق المنظمات الإقليمية أو أي وسيلة سلمية أخرى تتفق عليها الأطراف.
إلى جانب كل ذلك تم بناء نظام للأمن والسلم الجماعي عن طريق مؤسسات منظمة الأمم المتحدة و فروعها، قد يصل في النهاية إلى استعمال القوة من طرف مجلس الأمن بشكل قمعي ضد أي دولة في ظل الفصل السابع من الميثاق، وهناك استثناءات أخرى تقع على مبدأ تحريم العنف تتعلق بالدفاع الشرعي الواردة في المادة 51. وتجدر الملاحظة إلى أن هذا النظام رغم تكامله قد تعرض لهزات مختلفة وأعطيت تفاسير مختلفة لبعض نصوصه، و بصفة خاصة تلك المتعلقة بحفظ السلم والأمن.
فقد شاهدنا تقاعس مجلس الأمن الذي كبله “حق الإعتراض” في فترة الصراع في ظل التصعيد الحربي و الاتهامات الموجهة إلى روسيا في خصوص حشد قواتها العسكرية على الحدود مع اوكرانيا،موضوع السلم أخذ الآن يتطور في إتجاهات أخرى في الوقت الذي يعيش فيه العالم على وقع هاوية الحرب.
السلم كحق من حقوق الانسان
الحرب قديما كانت تدور رحاها في ميدان القتال بين القوات المسلحة النظامية، و نمت في ظل ذلك نصوص ومبادئ مختلفة لتنظيم العمليات القتالية ووسائل الجهات المتحاربة في ذلك. التطور المذهل في وسائل الحرب والأسلحة، سواء من ناحية القوة التدميرية، أو تقنيات إدارة العمليات، كان يظن أنه يتجه إلى حفظ المدنيين وتفادي إصابة الأفراد الغير مشاركين في المجهود الحربي، لكنه في كل من حرب الخليج و الكوسوفو تبين عكس ذلك، فالمدنيون دفعوا أغلى الأثمان.
التطور الكبير في إمكانيات وسائل الإعلام التي أصبحت تقدم الحرب على المباشر فوق شاشات التلفزيون وعلى أمواج الإذاعات، غير من نظرة الرأي العام الدولي للحرب ونتائجها، حيث أصبح مطلب السلم من حق الأفراد و ليس فقط إلتزاما فيما بينهم.
العيش في سلم حق من حقوق الانسان
القانون الدولي العام يخاطب أشخاصه التي في مقدمتها الدول، فلا يتجه الإلتزام و لا الحق مباشرة إلى الفرد بل يحتاج إلى المرور عبر الآليات التشريعية و التنفيذية للدولة.
هذه الفكرة الكلاسيكية في تغير مستمر، فمن الواضح أن الفرد يستمد حقوقه مباشرة من القانون الدولي في مجال حقوق الإنسانهذه الميزة دفعت جانبا من الفقه إلى اعتبار السلم من الجيل الثالث لحقوق الإنسان، والواقع أن من بين الحقوق الأساسية للإنسان، الحق في الحياة و الحرية. واعتبارا أن حالة الحرب أو أي شكل من أشكال العنف تهدد هذه الحقوق، فإن حالة السلم وحدها هي الكفيلة بتحقيق هذه الحقوق الأساسية على أحسن وجه.
السلم في حقيقة الأمر ضرورة لتحسين كل الحقوق الواردة في اتفاقيتي حقوق الإنسان لعام 1966 سواء منها الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية أو الحقوق المدنية و السياسية.
إذا كان حق الشعوب في تقرير مصيرها كحق جماعي قد أتجه تدريجيا، وبعد الانتهاء من عملية تصفية الاستعمار، إلى حق جماعي و فردي داخلي يتمثل في حق العيش في ظل نظام ديمقراطي تعددي، فإن الحق في السلم كحق كوني يتعلق ببقاء الشعوب إحتل مكانته كأخذ حقوق الإنسان في الدول الديمقراطية .
و رغم أن القرار السياسي باللجوء إلى العنف و السلاح، نظرا لطبيعته، لا يمر دائما عبر كل الأجهزة المعبرة عن رأي الشعب، فإن الممارسة في مختلف الدول تتجه إلى إقناع الجماهير بإجبارية الأمر وجدواه السياسية.
و من جهة أخرى يفترض أن الدول الديمقراطية لا تلجأ إلى النزاع المسلح إلا في حالة الدفاع الشرعي،لكن الدول القوية حاولت البحث عن شرعية قرار الحرب في كونه يواجه و يقاوم أعمال غير مشروعة في نظرها، هذه الأعمال كثيرا ما تهدد الأنظمة الديمقراطية، وهو الإدعاء الغالب في الحقبة الأخيرة وحدث هذا الأمر مع وضعيات دولية كثيرة.
وعلى كل حال فإن السلم شرط أساسي للتمتع بالحقوق التي يضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادتيه 3 و 28 و كذا المادتين 6 و 20 من إتفاقية الحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 ويتعلق الأمر بالحق في الأمن والحق في الحياة وهذا كاف للجزم بأن الحق في السلم من حقوق الإنسان.
قواعد حفظ السلم لها طبيعة آمرةوبذلك فانها تؤدي إلى إبطال كل ما يتعارض معها أو يخالفها من الاتفاقات التي تبرمها الدول والتي لا تتمتع أحكامها بنفس الطبيعة.
ولإيضاح هذه القواعد في القانون الدولي جرت العادة على إعطاء أمثلة مختلفة تتعلق بالجرائم ضد الإنسانية التي عرفها القانون الدولي العرفي مثل تحريم القرصنة، وإبادة الجنس البشري، والعنصرية، وقواعد حماية حقوق الإنسان، ويلاحظ أن كل الأمثلة والحالات تذكر الأحكام الخاصة بتحريم استعمال القوة والتهديد بذلك وأعمال العدوان بأنها في مقدمة القواعد الآمرة وعليه فإن أحكام حفظ السلم والآمن هي من بين هذه القواعد، خاصية الأمر والقطعية لنصوص و قواعد حماية السلم تعطي لها وزنا أكثر، و ذلك ما دفع إلى تصنيف الاعتداء عليها وعدم احترامها من بين الجرائم الدولية وترتيب المسؤولية الشخصية على ذلك.
ترتيب المسؤولية الشخصية عن خرق السلم
الجرائم في حق السلم من بين الأفعال التي تم تجريمها على المستوى الدولي، ويكون مرتكبها مذنبا على المستويين، الدولي و الداخلي، ولا يمكن التذرع بالحماية الدبلوماسية، ولا الحصانة على أساس أن القائم بهذا النوع من الجرائم كان في خدمة دولته و اقتصرت مهمته على تنفيذ أوامر السلطة العامة في الدولة.
المسؤولية الشخصية على الجرائم في حق السلم أقصى درجة من التطور الذي بلغه القانون الدولي في مجال حفظ السلم والأمن، مسؤولية الدولة المعتدية لا تنفي مسؤولية الأشخاص على الجرائم في حق السلم. ازدواج المسؤولية معمول به هنا.
هذه الجرائم كانت من بين التهم التي تضمنتها محاكمات النورنبورغ وطوكيو بعد الحرب الكونية الثانية، وقد تضمن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي تم تبنيه في روما عام 1998 جريمة العدوان التي قد تقابل الجرائم ضد السلم.
بناء ثقافة السلم يضمن الفعالية الواقعية للنصوص التي تحكمه
مرحلة الإنتقال من نصوص قانونية عقيمة، كثيرا ما نجحت المصالح السياسية للدول العظمى في إيقاف دواليب وضعها حيز النفاذ، فرضتها الحاجة الاجتماعية للسلم، و يُميَّز ذلك عبر إحياء المعطيات الدينية و العقائدية التي تحث على السلم.
ثقافة السلم تتطلب إقصاء العنف و القوة خارج الإطار الشرعي على المستوى الوطني كذلك هذه السبل تضفي على مجهودات تحقيق السلم فعالية واقعية ناجعة.
الحاجة الاجتماعية للسلم
الإجماع حاصل على مستوى الفكر السياسي الديمقراطي على أن السلم ضرورة اجتماعية تضمن إقامة علاقات متوازنة فيما بين أفراد المجتمع الواحد، وتطبع التعامل فيما بين المجتمعات المختلفة خاصة و أن الجميع ينعم بحالة السلم.
وخلال ما يقرب من قرن من التنظيم وتطوير النصوص القانونية للقضاء على الحروب وتحريم استعمال القوة في العلاقات فيما بين الأمم و تفادي الويلات التي تتعرض لها، لم يتم التحصل على النتائج المرضية.
يقول أحد الكتاب أن النظام الدكتاتوري يستطيع أن يصنع الحرب حسب هواه بينما يفتقر الحكام في الأنظمة الديمقراطية إلى هذا الامتياز المرعب، ظهور الثقافة الديمقراطية على المستوى العالمي يترجى منه بلوغ ذلك الهدف.
ثقافة السلم في رأينا هي إحدى أعمدة ثقافة الديمقراطية، السلوك الديمقراطي سلوك مسالم ينبذ العنف كيفما كان، ما عدا الدفاع الشرعي عن النفس، الذي هو من الحقوق الطبيعية، ويتخذ النقاش والحوار والإقناع كوسيلة للتعامل.
ان نشر ثقافة السلم في المجتمعات يمر عبر التعريف بالوسائل و الطرق السلمية لفض الخلافات. ويكون ذلك على المستوى الخارجي بإصلاح أجهزة العدالة الدولية وبناء ثقة الشعوب فيها، وتنظيم واستعادة الطرق الدبلوماسية الحديثة لحل الخلافات والنزاعات عن طريق المصالحة والحوار وغيرهما.
البعد الديني لثقافة السلم
ان العامل المشترك بين كل الديانات السماوية هو حثها جميعا على السلوك المسالم وإلحاحها على أنه سلوك حضاري، كما أن كل هذه الديانات لا تخلو من النصوص الحافظة للحياة والضامنة للحرية، إبراز هذه القواعد التي تدين بها مختلف الأمم يمكن أن يشكل أساسا لإصلاح نظام الأمم المتحدة في ميدان حفظ السلم في العالم، كما أن التعاليم الدينية تدعو لإقامة علاقات السلام بين مختلف الشعوب.
الدين الإسلامي خاتم الأديان جامع للتعاليم الواردة في الديانات التي سبقته في مجال السلم. و من الآيات القرآنية التي يستدل بها على أن السلم من تعاليم الإسلام و واجبات المسلم “يا أيها الذين آمنوا أدخلوا في السلم كافة و لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين “.
كما يأمر القرآن الكريم بالإستجابة إلى دعوة السلام والأمان بقوله “وإن جنحوا للسلم فأجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم ” .
كل ما سبق التعرض إليه من نصوص قانونية تخص العلاقات فيما بين الأمم، التي هي ملزمة بأحكام ميثاق الأمم المتحدة على أساس العضوية في هذه المنظمة العالمية، أو على أساس القانون الدولي العرفي بالنسبة للدول الغير أعضاء، ذلك أن الإجماع حاصل فقها وقضاء على أن كل المبادئ المتعلقة بحفظ السلم والأمن في العالم هي من قبيل القانون الدولي العرفي الآمر.
التطورات الأخيرة سواء على مستوى مفهوم السيادة الدولية و المساواة بين الشعوب، أو بالنسبة لتلك الأحكام في مجال الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، هذه الأسباب أدت إلى ظهور ملامح جديدة غيرت وجه العالم لكن في الحقيقة التزام الحفاظ على السلم له وجه داخلي وضعي.
حيث أن الكثير من الدساتير تخرج قضايا إعلان الحرب وإبرام معاهدات السلم من الاختصاص الانفرادي للسلطة التنفيذية، وتكتفي دساتير أخرى بتنظيم كيفيات الرد السريع والمجدي على أعمال العدوان والغزوات التي قد تتعرض لها.
إطلاع الرأي العام المتشبع بثقافة السلم على حقائق الأمور يكون الذرع المتين للدفاع عن السلم.