من تصور ملهم إلى صداقة حقيقية… “رحلة جديدة” لابن بطوطة من بلاد الأندلس الى الصين العصر الجديد
بكين 5 سبتمبر 2024 (شينخوا) قسم الأخبار العالمية
قبل نحو سبعمائة عام، بدأ الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة رحلته انطلاقا من شمال أفريقيا، وزار أكثر من 40 دولة في قارات العالم القديم الثلاث، ووصل أخيرا إلى تشيوانتشو وهانغتشو بالصين، حيث وصف في كتابه تطور المجتمع هناك وتحدث عن الخزف الرائع والحرير الشهير وما شاهده من السفن الضخمة.
وفي الجانب الآخر، قام البحاران الصينيان وانغ دا يوان وتشنغ خه برحلات تاريخية زارا خلالها أفريقيا أيضا، وهو ما مهد السبيل لعقد عُرّى صداقة حقيقية لا تنفصم.
وقال ناصر بوشيبة، رئيس جمعية التعاون الأفريقي-الصيني للتنمية في المغرب، إن “المآثر الخالدة لهم قد نسجت خيوطا متينة بين الحضارات العريقة في أفريقيا والصين، مما أفسح المجال لآفاق رحبة للتفاهم المتبادل والتلاقح الثقافي. كما أن بذور الود والتقارب التي غرسها هؤلاء الرواد قد أثمرت في نفوس الشعب المغربي وسائر الشعوب الأفريقية لتشكل تصورا ملهما وخيالا خصبا حول الصين”.
ومع ارتباط أفريقيا والصين بعلاقات صداقة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، يؤكد الخبراء أن قمة منتدى التعاون الصيني-الأفريقي (فوكاك) لعام 2024، التي تُعقد فعالياتها في بكين خلال الفترة من 4 إلى 6 سبتمبر الجاري، ستضخ زخما قويا في الصداقة الصينية الأفريقية.
ــ ازدهار التبادلات الثقافية والحضارية والشعبية
ترى الباتول نجاوي، وهي طالبة مغربية تدرس في الصين، أن “روح المغامرة التي تحلى بها ابن بطوطة ما تزال تدفعنا لسبر أغوار الصداقة الصينية الأفريقية واكتشاف ما تتضمنه من ميزات براقة جديدة”، مضيفة أن التبادلات بين الجانبين وثيقة ومثمرة بشكل متزايد.
وقالت مندوبة شركة ((مصر للطيران)) بمنطقة شمال الصين، تشانغ يو، إن زيادة الإقبال على الممر الجوي الصيني الأفريقي جعل تجربة السفر بين القارتين سهلة ومريحة، مشيرة إلى أن الشركة قد أطلقت رحلات مباشرة بين القاهرة وشانغهاي في العام الفائت. كما بدأت شركة خطوط طيران ((تشاينا إيسترن إيرلاينز)) الصينية تسيير ثلاث رحلات ذهابا وإيابا كل أسبوع منذ نهاية 2023، لتكون بذلك أول شركة طيران صينية تشغل خطا جويا مباشرا بين شانغهاي والقاهرة.
وجاء ذلك بعدما طبقت المغرب وتونس سياسة الإعفاء من التأشيرة للمواطنين الصينيين في السنوات الأخيرة، فيما يمكن للصينيين الحصول على التأشيرة عند الوصول في مصر، الأمر الذي يسهل بشكل كبير الزيارات السياحية. وهو ما دفع مدير عام الديوان الوطني التونسي للسياحة، حلمي حسين، للتعبير عن اهتمام بلاده بجذب السياح الصينيين للسفر إليها وأن تصبح وجهة سياحية أساسية بالنسبة لهم.
ويعد انتشار الطب التقليدي الصيني في أفريقيا دليلا آخرا للتبادلات الوثيقة بين الجانبين. وقام محمد خليل، رئيس جمعية الصداقة والتبادل المغربية-الصينية، الذي زار الصين لأول مرة في عام 1978، بافتتاح أول عيادة للطب الصيني التقليدي في المغرب للترويج للعلاج بواسطة الوخز بالإبر والحجامة والتدليك، قائلا إن “عيادات الطب الصيني التقليدي باتت شائعة جدا وتتمتع بشعبية في المغرب الآن”.
كما أدرجت العديد من الجامعات المصرية أيضا برامج تعليمية وتدريبات ومشروعات بحثية في مجال الطب التقليدي إلى مناهجها في مراحل التعليم العالي. وقال محمد حساني، مساعد وزير الصحة والسكان المصري لشؤون مشروعات ومبادرات الصحة العامة، “نعمل الآن على إنشاء أول معهد وطني لأبحاث الطب التقليدي، ليكون جسرا يربط بين الطب الصيني التقليدي والطب المصري التقليدي”.
ــ تقوية التعاون الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي
لم يقتصر التعاون بين الصين وأفريقيا على قطاع بعينه، بل واصل امتداده ليشمل العديد من المجالات المختلفة، وخاصة الاقتصادية والتكنولوجية، ودائما ما كان الهدف هو تقوية هذا التعاون وتوسيعه.
إذ شهدت شوارع القاهرة النابضة بالحياة وجودا متزايدا للسيارات الصينية، وقدم المركز الصيني لعرض تكنولوجيا تربية الحيوانات مساعدات لموريتانيا، وعرضت معالم بارزة مثل المسجد الكبير بالجزائر أعمالا نفذتها شركات البناء الصينية…
وقالت الباتول نجاوي “إذا وصل ابن بطوطة إلى عصرنا الحالي، لا بد له أن يزور مشاريع التعاون الصينية الأفريقية المدهشة هذه”، مشيرة إلى الإحصاءات الصادرة من وزارة التجارة الصينية التي تفيد بأن الصين حافظت على مكانتها كأكبر شريك تجاري لأفريقيا لمدة 15 عاما على التوالي، وأضافت أن التجارة بين الجانبين بلغت 282.1 مليار دولار أمريكي في عام 2023، بزيادة تقارب 11 في المائة مقارنة بعام 2021.
في مصر، قال وليد جمال الدين رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس إن الاستثمارات الصينية تشهد نموا في مختلف القطاعات بالمنطقة، لافتا إلى أنه من بين قيمة الاستثمارات الإجمالية في العامين الماضيين التي تزيد عن 6 مليارات دولار أمريكي، “40 في المائة منها جاءت من الصين”.
في المغرب، سلّط بوشيبة الضوء على جاذبية التكنولوجيات المبتكرة التي طوّرتها الصين ذاتيا، والتي تلبي بكفاءة الاحتياجات الاقتصادية والمعيشية الملحّة للدول الأفريقية، لاسيما في مجالات حيوية كتحلية مياه البحر وتطوير التعدين الأخضر واستصلاح الأراضي الصحراوية.
كما يشهد التعاون في صناعة التكنولوجيا الفائقة في جميع دول شمال أفريقيا تقدما كبيرا، والأمثلة على ذلك كثيرة، كمشروع المحطة الكهروضوئية بقدرة 186 ميغاواط بمجمع بنبان للطاقة الشمسية في مصر، والمعمل الصيني المصري للطاقة المتجددة لإجراء أبحاث مشتركة وتعزيز تدريب الأكفاء. وتعد المرحلة الثالثة من محطة الطاقة الشمسية المركزة (نور) في المغرب، والتي نفذتها شركات صينية، واحدة من أكبر محطات الطاقة البرجية العاملة حاليا في العالم. أما في الجزائر، فقد نجحت الصين في إطلاق القمر الصناعي الجزائري الكوم سات-1.
وبلغ حجم الاستثمارات الصينية المباشرة القائمة في أفريقيا 40 مليار دولار حتى نهاية العام الماضي، مما جعل الصين واحدة من أكبر مصادر الاستثمارات الأجنبية في القارة. ووفرت الشركات الصينية ما يزيد عن 1.1 مليون فرصة عمل في أفريقيا في السنوات الثلاثة الماضية، حيث جذبت المجمعات التي استثمرت فيها الشركات الصينية أو أنشأتها في مجالات الزراعة والتصنيع والخدمات اللوجستية للتجارة في أفريقيا، أكثر من ألف شركة وساعدت على زيادة الإيرادات الضريبية ومكاسب العملة الأجنبية من الصادرات لأفريقيا.
وأكد بوشيبة أن “صفحات التاريخ لتشهد على أصالة العلاقة الأفريقية الصينية وعمق أواصرها الأخوية”، مضيفا أن القمة ستكون عاملا دافعا لتقدم الشعوب في الصين وأفريقيا جنبا إلى جنب نحو التنمية المشتركة.