ملامح السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي القادم؟
واشنطن-الولايات المتحدة-01-10-2020
لا يشبه برنامجَا المرشحين ترامب وبايدن أياً من برامج المرشحين السابقين. لم يعد الأمر يتعلق بتكيف الولايات المتحدة مع المتغيرات في العالم، بل بتحديد ما ستكون عليه.
وقد أصبحت المسألة وجودية، بما يمكن أن يقود إلى تفاقم الأمور وانتهائها بالعنف البعض يرى أن تكون البلاد أمة في خدمة مواطنيها، فيما يرى آخرون أنها يجب أن تستعيد مكانتها الإمبراطورية.
يبحث المكتب البيضاوي للبيت الأبيض عن ساكن.
تتعارض في الحملة الرئاسية الأمريكية لعام 2020 رؤيتان مختلفتان جذرياً للولايات المتحدة: هل هي إمبراطورية، أم أمة؟
من ناحية، ادعاء واشنطن السيطرة على العالم من خلال “احتواء” المنافسين المحتملين، هي إستراتيجية وضعها جورج كينان عام 1946 واتبعها جميع الرؤساء حتى عام 2016.
ومن ناحية أخرى، رفض الإمبريالية والرغبة في تسهيل وصول الأمريكيين إلى الثروة بشكل عام، وهي استراتيجية وضعها الرئيس أندرو جاكسون (1829-1837) ولم يتبناها إلا الرئيس دونالد ترامب.
يستخدم كل من هذين المعسكرين خطاباً يخفي ممارسته الحقيقية.
يقف الديمقراطيون والجمهوريون كمبشرين “بالعالم الحر” في مواجهة “الديكتاتوريات”، ومدافعين عن التمييز العنصري، والنوع والتوجه الجنسي، وكأبطال في الكفاح ضد “الإحتباس الحراري”.
والجاكسونيون، بدورهم، ينددون بالفساد والإنحراف الأخلاقي، ونفاق السابقين في نهاية المطاف، وينادون في الوقت نفسه بالكفاح من أجل الأمة، وليس من أجل الإمبراطورية.
لكن كلا المعسكرين يجمعهما قاسم مشترك ألا وهو عبادة القوة، سواء أكانت في خدمة الإمبراطورية (الديمقراطيين والجمهوريين) أو الأمة (الجاكسونيين).
وحقيقة أن الجاكسونيين أصبحوا فجأة الأغلبية في البلاد وسيطروا على الحزب الجمهوري، تضيف إلى المشهد شيئاً من الإرتباك، لكن لا ينبغي الخلط بين “الترامبية” وبين الإيديولوجية الجمهورية منذ الحرب العالمية الثانية. .
في الواقع ، الديمقراطيون والجمهوريون هم أثرياء، أو محترفون في التقنيات الجديدة، على حين أن الجاكسونيين – يشبهون “السترات الصفراء” في فرنسا – فقراء إلى حد ما، ومرتبطون مهنياً بالأرض التي لا يمكنهم التملص منها.
أما فيما يخص حملة العام الجاري 2020، فنجد أن الديمقراطيين والجمهوريين يقفون صفاً واحداً خلف نائب الرئيس السابق جو بايدن الذي يتحدث هو ومؤيدوه بشدة عن نواياهم.
عندما كان مذيعاً في التلفزيون كان دونالد ترامب يحلم بإعادة البلاد إلى الشعب كما فعل الرئيس أندرو جاكسون، وبمجرد توليه منصبه، أعاد ترامب النظر بإستراتيجية رامسفيلد / سيبروسكي الرامية إلى تدمير هياكل الدولة في جميع دول “الشرق الأوسط الموسع” بدون استثناء، وأعلن عن رغبته في إعادة القوات المشتتة في “حروب لانهاية لها” إلى الوطن.
وفي هذا السياق، أقصى مدير وكالة المخابرات المركزية، ورئيس لجنة رؤساء الأركان العامة من الإجتماعات الدورية لمجلس الأمن القومي. وبذلك حرم أنصار الإمبريالية من أداتهم الرئيسية للغزو.
نتج عن ذلك معركة على رئاسة هذا المجلس مع توجيه لائحة اتهام بحق الجنرال مايكل تي فلاين، ثم استبداله بالجنرال إتش آر ماكماستر، والإستثنائي جون آر بولتون، وأخيراً روبرت سي أوبراين. .
في مايو 2017، ناشد دونالد ترامب حلفاء الولايات المتحدة التوقف الفوري عن دعمهم للجهاديين المكلفين بتنفيذ استراتيجية رامسفيلد / سيبروسكي…
كان ذلك في أثناء الخطاب الذي وجهه من الرياض لقادة الدول السُنة، ومن ثم لرؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء في حلف الناتو.
أعلن الرئيس ترامب حينها أن الناتو عفا عليه الزمن، ثم غير رأيه..لذلك طلب من أعضائه استكمال ميزانيته.
وكثابت، مثله مثل الديمقراطيين والجمهوريين أمام عبادة القوة، قرر الجاكسوني دونالد ترامب إعادة بناء قدرات جيوشه (الحفاظ على قوة عسكرية لا مثيل لها للولايات المتحدة وتطويرها).
لكنه، وخلافاً لجميع أسلافه، لم يسع إلى تغيير الإدارة الوهمية للبنتاغون من خلال خصخصة الخدمات الواحدة تلو الأخرى، بل عمد إلى وضع خطة لتجنيد باحثين لخوض منافسة تكنولوجية مرة أخرى مع الجيشين الروسي والصيني.
دعم الديمقراطيون والجمهوريون فقط رغبة دونالد ترامب في استعادة الأسبقية في مجال الصواريخ بالرغم من عدم اتفاقهم على كيفية تحقيق ذلك (بناء نظام دفاع ممتاز للأمن السيبراني ونظام دفاع مضاد للصواريخ “- بناء نظام دفاع ممتاز للأمن السيبراني ونظام دفاع صاروخي).
ينوي ساكن البيت الأبيض أن تزود الولايات المتحدة نفسها فقط بهذه الأسلحة، والتي يمكنها نشرها فيما بعد على أراضي حلفائها، على حين يرغب خصومه في إشراك الحلفاء من أجل الحفاظ على السيطرة عليهم..
يتفق الديمقراطيون والجمهوريون على أن المشكلة لا تكمن في الإنسحاب من معاهدات نزع التسلح المتعلقة بالحرب الباردة لبناء ترسانة جديدة، بل في فقدان وسائل الضغط الدبلوماسي على روسيا.
ويأمل السياسي المحترف جو بايدن في استعادة الوضع الإمبراطوري للقوة العالمية السابقة،ويقترح التركيز على .
يقترح جو بايدن التركيز على ثلاثة أهداف:
1– إعادة تنشيط الديمقراطية
2- تشكيل الطبقة الوسطى لمواجهة العولمة
3- استعادة القيادة العالمية
ويعتقد جو بايدن بإمكانية بلوغ هدفه من خلال إصلاح أخلاق العمل العام عبر ممارسة “الصحيح سياسياً”.
ويعلن أنه يريد عقد قمة للديمقراطية من أجل محاربة الفساد، والدفاع عن “العالم الحر” ضد الأنظمة الإستبدادية، وتعزيز حقوق الإنسان.
في ضوء تعريفه للديمقراطية، يقصد بايدن توحيد الدول المتحالفة من خلال إدانة كبش فداء لما هو خطأ (الفاسدون) وتعزيز حقوق الإنسان بالمعنى الأنغلوسكسوني للكلمة، وقطعا ليس الفرنسي، وهذا يعني وقف عنف الشرطة، وليس مساعدة المواطنين في المشاركة في صنع القرار.
ستدعو هذه القمة القطاع الخاص إلى ضمان عدم إمكانية استخدام الدول الإستبدادية للتكنولوجيات الجديدة لمراقبة مواطنيها (لكن سيبقى بإمكان الولايات المتحدة ووكالة الأمن القومي التابعة لها استخدامها لصالح “العالم الحر”.
أخيراً، يختتم جو بايدن هذا الفصل مشدداً على دوره داخل اللجنة عبر الأطلسي للنزاهة الإنتخابية إلى جانب أصدقائه: الأمين العام السابق لحلف الناتو أندرس فوغ راسموسن، الذي أطاح بالجماهيرية العربية الليبية، ومايكل شيرتوف، وزير الأمن الداخلي الأمريكي السابق، الذي وضع جميع المواطنين الأمريكيين تحت المراقبة، ولم ينس جون نيغروبونتي الذي أنشأ الكونتراس في نيكاراغوا، ثم داعش في العراق.
حدد جو بايدن أنه سينهي الحروب ” نهائيا”.. صيغة يبدو أنها تدعم نفس هدف الجاكسونيين، لكنها مع ذلك تختلف في المصطلح..إنها تهدف في الواقع إلى الموافقة على التكيف الحالي للنظام مع الحدود التي فرضها الرئيس ترامب: لماذا نُعرض الجنود الأمريكيين للموت في الخارج بينما يمكننا مواصلة استراتيجية رامسفيلد / سيبروسكي مع الجهاديين بتكلفة منخفضة ؟ خاصة أنه عندما كان سيناتوراً معارضاً، أعطى جو بايدن اسمه لخطة تقسيم العراق التي حاول البنتاغون فرضها.
أخيراً، يدعو جو بايدن إلى تجديد اتفاق 5 + 1 مع إيران، ومعاهدات نزع التسلح مع روسيا. تهدف الصفقة مع الرئيس حسن روحاني إلى تقسيم الدول الإسلامية تقليدياً إلى سنة وشيعة، بينما تهدف معاهدات نزع التسلح إلى تأكيد أن إدارة بايدن لا تنوي مواجهة كونية، بل مواصلة ( احتواء) منافسها.
ويختتم برنامج الحزب الديمقراطي بتأكيد الإنضمام إلى اتفاقية باريس، وأخذ زمام المبادرة في مكافحة الإحتباس الحراري.
يقول جو بايدن إنه لن يتهاون مع الصين، التي تنقل صناعاتها الأكثر تلويثًا على طول طريق الحرير.
لكنه في المقابل تناسى أن يقول إن صديقه باراك أوباما، كان قبل أن يدخل عالم السياسة، محررًا في بورصة شيكاغو لتداول انبعاثات الكربون.
خاتمة
أربع سنوات من الإضطرابات قام بها الرئيس ترامب، لم يسفر عنها سوى استبدال “الحروب التي لا نهاية لها” بحرب خاصة منخفضة الحدة.
هناك لاشك عدد أقل بكثير من القتلى، لكن الحرب لاتزال قائمة.
النخب التي تستفيد من الإمبريالية ليست مستعدة للتخلي عن امتيازاتها.
- المفكر الفرنسي تييري ميسان