أخبار العالمأوروباإفريقيابحوث ودراسات

مكافحة الإرهاب ـ الجماعات المتطرفة في تونس وليبيا وتأثيرها على الأمن الأوروبي

 

شهدت دولتا تونس وليبيا تراجعًا ملحوظًا في أنشطة الجماعات المتطرفة والهجمات الارهابية بشكل عام على مدى السنوات الخمس الماضية، وبالرغم من ذلك،  لا تزال الدولتان تواجهان عددًا من التحديات المتعلقة بالتطرف العنيف.

فيما تشكل تردي الأوضاع الأمنية في ليبيا وشبكات الإرهاب والتهريب العابرة للحدود، بالإضافة لعمليات تهريب الأسلحة النوعية من داخل ليبيا إلى دول الجوار  يزيد من حدة هذه التهديدات للأمن والإستقرار في منطقة شمال أفريقيا والأمن القومي لأوروبا.

 واقع الجماعات المتطرفة في تونس

تمر الجماعات المتطرفة والجهادية في تونس حالياً في أحلك حالاتها منذ ثورة عام 2011 التي أطاحت برئيس الجمهورية السابق زين العابدين بن علي، ووفرت لاحقاً مجالاً أمام تنامي الجهادية في تونس. فقد برزت جماعة “أنصار الشريعة” في تونس وبعدها ظهر تنظيم “داعش” ومن ثم “كتيبة عقبة بن نافع” كأبرز هذه الحركات في تونس.  وفي حين لا تزال خلايا تنظيم “داعش” و “كتيبة عقبة بن نافع” ناشطةً بشكل خافت، لا سيما في المناطق الجبلية النائية الواقعة على الحدود التونسية -الجزائرية، إلّا أن مستقبل الجهادية التونسية يتبلور إلى حدٍّ كبير داخل السجون التونسية.

وقد شهدت تونس بين سنتي 2012 و2015 عمليات إرهابية متتالية، وهي عبارة عن معارك متقطّعة وتفجيرات بالألغام وكمائن في المرتفعات الغربية، ومنها جبل الشعانبي، ومواجهات بعدد من المناطق الأخرى على غرار أحداث قبلاط وسيدي علي بن عون عام 2013، والهجومين على متحف باردو ونزل “امبريال” سوسة وتفجير حافلة الأمن الرئاسي بالعاصمة  2015.

حققت قوات الأمن والجيش انتصارات هامة ونوعية في حربها على الإرهاب، من ذلك العملية الأمنية التي قادتها الوحدة المختصة للحرس الوطني يوم 28 مارس 2015 بسيدي عيش بقفصة وقضت فيها على تسعة قياديين إرهابيين بارزين. ومن أبرز هؤلاء القياديين الإرهابي الجزائري خالد حمادي الشايب والمكنى بـ “لقمان أبو صخر”، المورط في هجوم متحف باردو. فيما مثلت “ملحمة” بن قردان نقطة فارقة في تاريخ الحرب على الإرهاب في تونس، بعد قضاء قوات الجيش والأمن على مجموعة إرهابية مسلحة حاولت يوم 7 مارس 2016 الاستيلاء على المدينة لإعلانها “إمارة” تابعة لتنظيم “داعش”. وتمكنت الوحدات الأمنية والعسكرية، في هذه المعركة، من القضاء على (55) إرهابيا وايقاف (96) منهم، وضبط مئات القطع من الأسلحة. ولاحقًا أعلنت السلطات الأمنية التونسية في مايو 2021، ، أن قواتها قتلت زعيم كتيبة “عقبة بن نافع” التابعة لتنظيم القاعدة بالمغرب، في عملية قتلت فيها أيضاً (4) من مساعديه، في المناطق الجبلية من محافظة القصرين غرب البلاد وعلى الحدود مع الجزائر، في خطوة تعتبر نجاحاً في الحرب التي تخوضها الدولة ضد الإرهاب.

وكانت قد اعتقلت السلطات الأمنية التونسية مجموعة مؤلفة من خمسة أشخاص من بينهم قيادي في كتيبة عقبة بن نافع التابعة لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي كانوا يخططون للقيام بعمليات “إرهابية”. فيما كشفت قوات الأمن والجيش عديد “الخلايا النائمة”، أبرزها خلية “طلوت الشامي” الموالية لتنظيم “داعش” الإرهابي، التي تم كشفها في شهر نوفمبر 2022 وإيقاف (11) عنصرا تابعا لها. كما أعلنت  وزارة الداخلية يوم 27 ديسمبر 2023  أن الوحدة المُختصّة للحرس الوطني ولواء القوّات الخاصّة للجيش الوطني مدعُومة بوحدات جيش الطيران تمكنت، إثر عمل استخباراتي، من القضاء على 3 إرهابيين خطيرين بجبال القصرين تابعين لكتيبة “جند الخلافة” بتونس وحصر تحركاتهم بمرتفعات سيدي بوزيد والقصرين.

أعلنت الداخلية التونسية أن القوات المسلحة الأمنية والعسكرية قضت  على أغلب الإرهابيين المتحصنين بالجبال التونسية، وفق معطيات ذكرها الناطق باسم وزارة الداخلية فاكر بوزغاية في مارس 2024، مؤكدًا بأن عدد العناصر الإرهابية المتحصنة بالمرتفعات تقلّص من (117 )عنصرا بين سنتي 2014 و 2016 إلى  (11)عنصرا سنة 2023، ينتمون إلى كتيبة “جند الخلافة” الموالية لتنظيم “داعش” الإرهابي.

وفيما يلي أبرز الجماعات المتطرفة والارهابية  التي نشطت في تونس :

أجناد الخلافة: نشأت جماعة “أجناد الخلافة” أو “جند الخلافة” في تونس كمجموعة إرهابية مستقلة مطلع عام 2014، قبل أن تعلن ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في ديسمبر من العام نفسه انت هذه الجماعة مسؤولة عن العديد من الهجمات ضد مدنيين وأجهزة الأمن التونسية، من أبرزها جريمة قطع رأس شاب تونسي في نوفمبر 2015. كما نفذت هجمات باستخدام أجهزة متفجرة يدوية الصنع استهدفت مركبات عسكرية تونسية في يناير ومارس 2020. وفي سبتمبر 2020، أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن اعتداء بسكين في تونس أسفر عن مقتل ضابط في الحرس الوطني التونسي وإصابة آخر بجراح.

كتيبة عقبة بن نافع: هي جماعة متطرفة كوّنها أمير تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي “أبو مصعب عبد الودود” ويعرف كذلك باسم “عبد المالك دروكدال”، تقودها في الغالب قيادات جزائرية، لكن أبرز عناصرها تونسيين كانوا ينشطون في جماعة “أنصار الشريعة” التي صنّفتها تونس والولايات المتحدة الأميركية تنظيما إرهابيا سنة 2013، إلى جانب المقاتلين الجزائريين.  ونفذت في العام 2014 هجوماً وقتلت (15) جندياً وكانت نقطة انطلاق عملياتها في تونس. وفي أغسطس 2016 وأعلنت تبنيها لهجوم إرهابي أسفر عن مقتل (3)  عسكريين وإصابة (9) آخرين في جبل سمامة بمدينة القصرين على الحدود مع الجزائر إثر نصب كمين لمدرعتين تابعتين للجيش التونسي. وكانت السلطات التونسية قد أشارت في نوفمبر 2020 إلى ما بين (100 و150) من هذه العناصر تنشط في تونس.  وخلال الأعوام الخمسة الفائتة، واجه هذا التنظيم حصارا شديدا على معاقله في الجبال، وتعرّض إلى هزائم متتالية، بعد تصفية أغلب قادته ومسلحيه على الأراضي التونسية.

أنصار الشريعة: قاده التونسي سيف الله بن حسين، المعروف باسم «أبو عياض وهو مقاتل قديم شارك في الحرب الأفغانية. وهذا التنظيم كان أول الجماعات التي ظهرت في تونس بعد ثورة 2011 وهو متهم باغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد في 6 فبراير 2013 ومحمد البراهمي عضو البرلمان في 25 يوليو من العام نفسه. وقد حظرته الحكومة التونسية منذ شهر أغسطس 2013. وبعد حظر هذا التنظيم لجأت معظم قياداته إلى ليبيا المجاورة. إلا أن خلاياه النائمة ما زالت تنشط في تونس حيث نفذ أحد عناصرها في يناير 2022 هجوم بالسلاح الأبيض على دورية أمنية أدت إلى إصابة أحد أفراد الأمن قبل أن يتم اعتقال المنفذ الذي اعترف بانتمائه إلى تيار أنصار الشريعة المحظور، وبأنه “يأتمر بأوامر أميرها”. الجهاديون ـ ثقل الإرهاب في إفريقيا والتواجد العسكري الغربي

الوضع الأمني في ليبيا وتغلغل الجماعات المسلحة والمتطرفة

منذ اندلاع الأزمة السياسية في ليبيا في عام 2011، تعيش البلاد في دائرة مغلقة من الفوضى السياسية والانقسامات الأمنية، مما جعلها أرضًا خصبة للتنظيمات الإرهابية التي وجدت في الفراغ السياسي بيئة مثالية إلى اتخاذ ليبيا مقراً لها، واتخاذها كنقطة انطلاق لتنفيذ عملياتها الإرهابية سواء داخل ليبيا أم باتجاه دول الجوار في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا، ولا تزال حالة الفراغ السياسي والأمني التي تعاني منهما ليبيا حتى الآن دافعاً رئيسياً لبعض التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش للتخطيط لتصعيد أنشطتها هناك.

ومع صدور تقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2025، احتلت ليبيا المرتبة (53 )عالميًا، فيما أظهر التقرير أن البلاد ما زالت بيئة غير مستقرة للإرهاب، حيث تشهد مناطق الجنوب نشاطًا متزايدًا للجماعات المتطرفة مما يعكس واقعًا أمنيًا هشًا رغم المحاولات المتكررة لاحتواء خطر الإرهاب.

استمرت الجماعات الجهادية في ليبيا، في مواجهة العديد من التحديات في أعقاب الضربات المتتالية ضد مواقعها ، وخاصة في منطقة فزان الواقعة في أقصى الجنوب، حيث لا يزال تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة  نشطين ، وإن كان حجمهما قد انخفض بشكل كبير مقارنة بالعقد الماضي. حيث استغل تنظيم داعش المأزق السياسي والاقتصادي في جنوب ليبيا،  واستمر في التعاون مع العناصر القبلية المتورطة في التهريب والتجارة غير المشروعة ؛ ويُعد هذا التعاون عنصرًا حيويًا في تمويل الجماعة ويخلق الظروف لعمليات تجنيد جديدة.

وبحسب تقر ير مجلس الأمن بشأن تنظيم داعش الصادر في فبراير 2025 فقد ضعف تنظيم داعش فرع ليبيا  بشكل كبير حيث قلت قدراته العملياتية ولم يبلغ عن وقوع أي هجمات كبيرة منذ  فبراير 2023. ويتألف التنظيم من عدد يتراوح بين (100 و 200) مقاتل منتشرين في خلايا صغيرة متناثرة في منطقة فزان في جنوب ليبيا، ويركز على الأنشطة اللوجستية مثل التمويل وتهريب الأسلحة ونقل المقاتلين إلى الجماعات المنتسبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة الساحل. كما كان تنظيم الدولة الإسلامية – ليبيا ضالعاً في أنشطة إجرامية من بينها تهريب الأسلحة والمخدرات والوقود واستغلال مناجم الذهب. وكانت جهود التجنيد موجهة نحو مواطني البلدان المجاورة، وذلك في الغالب عبر منصات اتصالات مشفرة.

أعلن جهاز الأمن الداخلي التابع لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا  في الأول من ابريل 2025 تمكنه من تفكيك تنظيم إرهابي محظور يدعى حركة المقاومة الجهادية “نصر” كان يعدّ لتنفيذ سلسلة عمليات إرهابية تستهدف مؤسسات امنية وعسكرية حساسة في البلاد، وأوضح جهاز الأمن الداخلي  أن العملية الأمنية أسفرت عن اعتقال كافة أعضاء التنظيم، وكشف النقاب عن مخططهم التخريبي الذي تضمن استقطاب عناصر جديدة عبر منصات التواصل الإلكتروني، وتوزيع منشورات تحريضية داخل المساجد، فضلاً عن محاولات التواصل مع جهات خارجية لتعلم صناعة المتفجرات والطائرات المسيرة. كما كشفت التحقيقات عن نية التنظيم إنشاء مصنع سري للأسلحة والمتفجرات في منطقة الجميل القريبة من الحدود التونسية.

وفيما يلي أبرز الجماعات المتطرفة والإرهابية الناشطة في ليبيا:

جماعة نصرة الإسلام والمسلمين: تشكلت هذه الجماعة في مارس 2017 عقب اندماج أربعة تنظيمات إرهابية في شمال أفريقيا، وكان الإعلان عن تشكل هذه الجماعة العابرة للحدود من جانب إياد أغ غالي أمير جماعة أنصار الدين، وجمال عكاشة أمير جهة الصحراء ضمن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ومحمد كوفا أمير جبهة تحرير ماسينا والحسن الأنصاري وهو مساعد مختار بلمختار أمير تنظيم المرابطون وأبو عبد الرحمن الصنهاجي قاضي القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (.  وتبنى التنظيم نهج القاعدة وأعلنوا مبايعتهم لأيمن الظواهري زعيم التنظيم وأبو مصعب عبد الودود أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتم تعيين إياد أغ غالي أميرا للتنظيم، وعلى الرغم من ارتباط نشاط التنظيم بالعمليات الإرهابية في مالي فإن خلاياه تنتشر في جنوب غرب ليبيا استغلالا لحالة الفراغ الأمني في هذه المنطقة وتقوم بتوظيفها كقاعدة انطلاق في هجماتها على دول الجوار في إطار الترابط بين الجماعات الإرهابية في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء في أفريقيا.

خلايا جماعة “أنصار الشريعة“: لم يكن الإعلان عن حل تنظيم أنصار الشريعة في 27 مايو 2017 مؤشرا على نهاية الخلايا التابعة للتنظيم وانهيارها، إذ إن تفكيك مركز التنظيم يرجع إلى تراجع نشاطه وانحساره ميدانيا نتيجة لتقدم قوات الجيش الوطني الليبي وسيطرتها على بنغازي فضلا عن مقتل زعيم التنظيم محمد الزهاوي في نهاية 2014. وتعد جماعة أنصار الشريعة ضمن التنظيمات القريبة عقائديا من القاعدة، وقد ارتبط تنظيم أنصار الشريعة بعلاقات تنظيمية مع جماعة التوحيد والجهاد وجماعة أنصار الدين التابعتين لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مما عزز من الارتباط بين شمال وجنوب ليبيا وإدارة تدفقات المقاتلين الأجانب إلى ليبيا التي باتت مرتكزا إقليميا للمقاتلين القادمين من تونس وتشاد والسودان والسنغال والجزائر ومصر . وقد أدى الإعلان عن حل أنصار الشريعة إلى انتشار عدد كبير من الخلايا والتنظيمات الإرهابية الفرعية على امتداد أقاليم ليبيا.

مجلس شورى ثوار بنغازي تأسس في يونيو 2014، وذلك بعد عملية الكرامة التي أطلقها الجيش الوطني الليبي لتطهير ليبيا من الجماعات الإرهابية وتكون المجلس من مقاتلي “أنصار الشريعة”، و “شهداء 17 فبراير” و “درع ليبيا”، و”كتيبة عمر المختار”. وتتعدد انتماءات المجموعات المنضمة لهذا التنظيم ما بين الولاء لتنظيم القاعدة والارتباط بتنظيم داعش إلا أن ما يجمعها هو العداء للجيش الوطني الليبي وقائده المشير خليفة حفتر . وعلى الرغم من تدمير القاعدة المركزية لكتائب الدفاع عن بنغازي في الجفرة في منتصف عام 2017 من جانب قوات الجيش الوطني الليبي، وسقوط عدد من قياداتها والإعلان عن حل التنظيم في يونيو 2017 ، لا تزال عناصر هذه التنظيمات تنفذ عمليات في مناطق متفرقة من ليبيا .

مجلس شورى مجاهدي درنة تأسس هذا التنظيم من جانب سالم دربي في ديسمبر 2014 من عدة خلايا مرتبطة بتنظيم القاعدة، حيث ركز التنظيم منذ نشأته على طرد عناصر تنظيم داعش من مدينة درنة والسيطرة على المدينة أمنيا، وعقب تصاعد عمليات الجيش الوطني الليبي ضد عناصر المجلس أعلن مجلس شورى مجاهدي درنة في مطلع 2017 اكتمال سيطرته على المدينة وتطبيق حكم الشريعة وهو ما دفع الجيش الوطني الليبي في منتصف عام 2018 لبدء عملية تحرير درنة من قبضة التنظيمات الإرهابية.

خلايا داعش – ليبيا على الرغم من انحسار السيطرة الميدانية لخلايا داعش منذ عام 2016 بعد طرد عناصره من جانب التنظيمات القاعدية في مدينة درنة وتمكن القوات الليبية من طرده من سرت فإن خلايا التنظيم والعناصر الموالية له لا تزال ناشطة في مختلف أرجاء ليبيا . وفيما يتعلق بوجود التنظيم في ليبيا، قدّرت الاستخبارات الأمريكية في أغسطس 2016 عدد عناصر داعش بحوالي (2000) عنصر. وذكرت أيضًا أن العدد آخذ في التناقص. ومع ذلك، وعلى النقيض تمامًا مما حدث في سوريا والعراق، لم يختف داعش من ليبيا أبدًا. خريطة الحضور  الجهادي  في ليبيا

تهديد الجماعات المتطرفة في ليبيا وتونس على أمن أوروبا

تشكل تداعيات تنامي الجماعات المتطرفة والارهابية في ليبيا وتونس من  تصاعد تدفقات الهجرة غير الشرعية غير الخاضعة للرقابة من وإلى البلاد وكذلك انتشار شبكات الإتجار المسلحة أدت إلى ظهور آثار غير مباشرة ليس فقط على الدول المجاورة ولكن شمال وجنوب المتوسط بأكمله. لتصبح التحديات الأمنية في ليبيا مفهوماً غير قابل للتجزئة تؤدي بآثار مباشرة وغير مباشرة على الترابط بين الأمن الأوروبي والمتوسط.

يمثل التهديد الرئيسي بزيادة معدلات الهجرة غير الشرعية من شمال أفريقيا إلى الدول الأوروبية، خاصة وأن داعش في ليبيا متورط مع عصابات تهريب المخدرات والبشر في منطقة الساحل والصحراء عبر دول المغرب العربي وصولاً إلى الدول الأوروبية؛ وبالتالي تهديد الأمن القومي للدول الأوروبية بشكل مباشر.

تشير تقارير المنظمات المعنية بالهجرة غير القانونية إلى أن ليبيا احتلت المرتبة الأولى في عدد المهاجرين القاصدين إيطاليا منذ بداية العام  2025، وقدّرت وكالة نوفا الإيطالية أن ما يقارب من (41,484) ألف  مهاجر غير شرعي وصلوا الشواطئ الإيطالية من ليبيا خلال العام 2024.، ما يعني أن أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا عبر ليبيا، يمثلون أكثر من (40%)  من إجمالي الهجرة عبر البحر المتوسط.

فيما تشير البيانات تسجيل  (19,245)  مهاجرا وصل إلى أوروبا انطلاقا من السواحل التونسية خلال العام 2024، مع انخفاض بنسبة (80%) من (97.667 ) مهاجرا في 2023  بفعل الإجراءات الحكومية التونسية لمواجهة الهجرة غير الشرعية.

ووفقًا لتقرير صدر عن اليوروبل  ينقسم التهديد الإرهابي الذي تشكله الجماعات المتطرفة والإرهابية والمنطلقة من ليبيا ، إلى شقين نظرا لوضعهما كدولة عبور رئيسية للهجرة إلى أوروبا: أولاً، حدد تنظيم داعش في ليبيا إمكانية التسلل عبر مسارات المهاجرين إلى أوروبا واستغلال هذا الدخول غير القانوني لتمكين الأفراد المتطرفين من تنفيذ هجمات في أوروبا نيابة عنه أو الانخراط في أنشطة تخريبية أخرى، مثل نشر الدعاية أو جمع الأموال.  ثانيا، يمتلك داعش في ليبيا إمكانية وصول شبه وشبكة إلى أشخاص غالبا ما يكونون عرضة للخطر في جنوب ليبيا (معظمهم مهاجرون في طريقهم إلى أوروبا)، وهو ما يمثل إمكانية تجنيدهم وإرسالهم إلى أوروبا. اللجوء والهجرة غير الشرعية في الاتحاد الأوروبي وتداخلها مع التطرف والإرهاب (ملف)

تقييم وقراءة مستقبلية

ـ في حين برزت منطقة الساحل تدريجيا باعتبارها المركز الجديد للإرهاب الجهادي على مدى العقد الماضي، فقد انخفضت الأنشطة الإرهابية بفعل الجماعات المتطرفة في تونس وليبيا. ومع ذلك، فإن الحرب ضد الإرهاب فيهما لم تنته بعد.

ـ على الرغم من انخفاض الهجمات والاعتقالات الجهادية بشكل عام على مدى السنوات الخمس الماضية، لا تزال تونس تواجه عددًا من التحديات المتعلقة بالتطرف العنيف. تُظهر الشبكات التي تم إحباطها في البلاد القدرة التنظيمية والعملياتية الفعالة للجماعات الجهادية مثل كتيبة عقبة بن نافع  وجند الخلافة، والتي – على الرغم من ضعفها – تنشط في المناطق الجبلية على طول الحدود التونسية الجزائرية. كما أن خطر الهجمات التي يرتكبها ما يسمى بـ ” الذئاب المنفردة ” المنتشرة في جميع أنحاء البلاد يوتر المشهد الأمني ​​الوطني.

ـ استمرت الجماعات المتطرفة والجهادية في ليبيا، في مواجهة العديد من التحديات في أعقاب الضربات المتتالية ضد مواقعها ، وخاصة في منطقة فزان الواقعة في أقصى الجنوب، حيث لا يزال تنظيم داعش وتنظيم القاعدة ينشطان وإن كان حجمهما قد انخفض بشكل كبير مقارنة بالعقد الماضي.

ـ على مدى السنوات القليلة الماضية، أدت عمليات مكافحة الإرهاب المتتالية، وإنفاذ التشريعات الوطنية الصارمة لمكافحة الإرهاب ، وتنفيذ برامج ناجحة لمكافحة التطرف وإعادة التأهيل إلى الحد إلى حد كبير من التهديد الذي تشكله الجماعات الجهادية في تونس، وبشكل محدود في ليبيا.

ـ تواجه دولتي ليبيا وتونس عدة تهديدات تابعة من تردي الأوضاع الأمنية في ليبيا وشبكات الإرهاب والتهريب العابرة للحدود يتمثل أهمها في تهديدات عودة المقاتلين المتمركزين في ليبيا خصوصا إلى تونس والجزائر والمغرب وتسلل بعض الخلايا الإرهابية من ليبيا لتنفيذ عمليات عبر الحدود مع دول الجوار بالإضافة لعمليات تهريب الأسلحة النوعية من داخل ليبيا إلى الدول الواقعة على الحدود معها، كما أن تشكيل اتحادات عابرة للحدود للتنظيمات الإرهابية في شمال وغرب أفريقيا التابعة لتنظيم القاعدة يزيد من خدة هذه التهديدات للأمن والإستقرار في منطقة شمال أفريقيا والساحل والصحراء مع تداعيات على الأمن القومي لأوروبا.

ـ يدرك الاتحاد الأوروبي  أهمية التعاون الأمني مع دول شمال أفريقيا، لما لهذه الدول من إنعكاسات على أمن أوروبا، لذلك يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز سياساته مع دولتى تونس وليبيا في  محاولة منه للحد من موجات الهجرة التي تداخلت مع ملف الأمن في أوروبا.

ـ من ألمرجح ان تشهد الدول الأوروبية، سياسات أوسع من السابق، تجاه  تونس وليبيا، وربما يكون لها دورا سياسيا وأمنيا في ليبيا، من أجل فرض الأمن والأستقرار، للحد من الإرهاب وضبط الهجرة غير الشرعية.

———————-

هوامش

القضاء على أغلب الإرهابيين المتحصنين بالجبال ولم يبق منهم سوى 11 عنصرا (الناطق باسم الداخلية)
https://2u.pw/sAcqY

التقرير الخامس والثلاثون لفريق الرصد  بشأن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)
https://2u.pw/8xdx4

Global Terrorism Index 2025
https://2u.pw/ix63e

How conflict in Libya facilitated transnational expansion of migrant smuggling and trafficking
https://2u.pw/fJjFI

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق