أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

محكمة العدل الدولية: هل تتمكّن من حسم الإبادة الجماعية؟

إعداد صبرين عجرودي قسم البحوث والدراسات الإستراتجية

تونس 08-01-2024

قدمت دولة جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية دعوى ضد إسرائيل مطالبة خلالها باتخاذ كافة التدابير القانونية اللازمة فيما يتعلّق بارتكابها جريمة حرب متمثلة في إبادة جماعية في غزة منذ السابع من اكتوبر، وقد طرح ذلك العديد من الأسئلة حول عدم تقدم الدول العربية نحو هذه الخطوة.

سبق أن قامت أُطر وهيئات المجتمع المدني الفلسطيني بإطلاق نداءً عاجلاً إلى السلطات المصرية، ودعتها إلى تحمّل مسؤولياتها الإنسانية والقانونية والقومية بشكل طارئ، وترجمة موقفها الرسمي الرافض للمخططات الإسرائيلية، حيث قامت بممارسة جميع صلاحياتها على الحدود بإيصال كل المساعدات الإنسانية اللازمة إلى الشعب الفلسطيني.

كما نصّ النداء على أنّ مصر الدولة الوحيدة التي لها حدود مباشرة مع قطاع غزة، ويفرض عليها ذلك جملة من الالتزامات الأخلاقية والقومية والقانونية في ظلّ الإبادة التي تقوم بها إسرائيل. وتمّ توقيع النداء من طرف 30 إطارا  فلسطينياً بما يشمل اتحادات ونقابات وائتلافات مدنية وشعبية فلسطينية في الوطن والشتات.

إلى جانب ذلك، أشار النداء على أنّه في حالة تواصل العدوان الإسرائيلي المفتوح ضد الشعب الفلسطيني في غزة، تزداد مسؤولية مصر الاخلاقية والإنسانية للقيام بكل مسؤولياتها الإغاثية المتمثلة في الحرص على ضمان وصول كل المساعدات التي تغطي حاجة 2.3 مليون فلسطينيا في غزة.

وتتحمل مصر المسؤولية الى جانب إسرائيل في التسبب في وقوع آلاف الشهداء، نظرا في أنّها لم تمد الفلسطينيين  بكل المساعدات التي كانت ستنقذ آلاف الفلسطينيين الذي استشهدوا جرّاء عدم توفر المواد الطبية والغذائية الضرورية لحياتهم، حيث استشهد أكثر من 9 آلاف فلسطيني نظرا لإغلاق 23 مستشفى و53 مركز صحي بسبب القصف الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر.

وتشير مصادر رسمية في قطاع غزة إلى أنّه بالإمكان أن يرتفع العدد في ظلّ تواني كل الاطراف القادرة على تغيير الوضع عن اتخاذ إجراءات فاعلة لدخول المساعدات الطبية والوقود بالكميات اللازمة إلى مستشفيات قطاع غزة وتسيير آلية ناجعة لخروج الجرحى الذين بحاجة ماسة لإنقاذ حياتهم بشكل عاجل.

وأشار النداء إلى مجموعة من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحرب، حيث أنّ حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة “تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وميثاق روما المنشئ للمحكمة والذي يعاقب على مجموعة كبيرة من الجرائم، منها الإبادة الجماعية والتجويع واستهداف المدنيين والمباني المدنية والتهجير القسري”، مشدّدا على أنّ “هذه الاتفاقيات تُلزم جميع الدول المنضوية إليها ببذل جميع الجهود من أجل وقف الإبادة الجماعية، مضيفًا بأن مصر ملزمة قانونياً بتوفير الإمدادات اللازمة ودخول المساعدات الإنسانية والمعدّات والكوادر الطبية التي يحتاجها القطاع المحاصر”… مردفاً: “لا نريد لمصر الشقيقة أن تكون مشاركة في جريمة الإبادة الجماعية على شعبنا في غزة”.

وبالتالي نصت المادة الأولى المشتركة لإتفاقيات جنيف الأربع على أن الأطراف المتعاقدة فيها تتعهد بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال. ويفرض مبدأ كفالة احترام الاتفاقية على الدول الغير منخرطة في النزاع أو حسب ما هو مذكور “ليست طرف في نزاع عسكري أو احتلال”، على أن تعمل ما في وسعها لإجبار الدولة التي تنتهك هذه الاتفاقيات على احترامها.

“وفي حالة تقصير إحدى القوى في الوفاء بالتزاماتها، يجوز بل ويجدر بالدول الأخرى المتعاقدة (المحايدة أو المتحالفة أو المعادية) أن تبذل كل الجهد لكي تعيدها إلى وضعية احترام الاتفاقية. ولكي يعمل نظام الحماية الذي تنص عليه الاتفاقية على نحو سليم، يجب الا تركن الأطراف المتعاقدة إلى تطبيق احكام الاتفاقية بنفسها فقط، بل ينبغي عليها أن تفعل ما في وسعها لكفالة تطبيق المبادئ الإنسانية التي تقوم عليها الاتفاقيات تطبيقا عالميا”.

كما تضمنت المادة الثامنة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مختلف جرائم الحرب في 26 نقطة والتي بموجبها تعتبر كل الممارسات التي يقوم بها المحتل الصهيوني منذ السابع من اكتوبر في قطاع غزّة مجرمّة قانونيا، وقد اشار المجتمع المدني الفلسطيني في بيانه النقطة 25 من المادة والتي تنص على “تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك عرقلة الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف”.

وقد جاء في المادة 70 من البروتوكول الاضافي على أنّه على “أطراف النزاع وكل طرف سام متعاقد أن يسمح ويسهل المرور السريع وبدون عرقلة لجميع إرساليات وتجهيزات الغوث العاملين عليها والتي يتم التزويد بها وبهم وفقا لأحكام هذا القسم حتى ولو كانت هذه المساعدة معدة للسكان المدنيين التابعين للخصم”.

كما نصت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها المنعقدة عام 1948 التزام على الدول الأطراف فيها بمنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. إنّ منع الإبادة الجماعية مسؤولية لا تقع فقط على الدول الأطراف في النزاع المسلح، بل على المجتمع الدولي بأكمله، وتعد أحكام هذه الاتفاقية ملزمة للكافة، فهي إحدى قواعد القانون الدولي الآمرة. ومما جاء في المادة الثالثة من الاتفاقية، أنه يعاقب على “الاشتراك في الإبادة الجماعية”.

وجاء في المادة الخامسة أن الأطراف المتعاقدون يتعهدون باتخاذ التدابير التشريعية طبقا لدستور كل طرف التدابير التشريعية اللازمة لضمان إنفاذ أحكام هذه الاتفاقية، وعلى وجه الخصوص النص على عقوبات جنائية ناجعة تنزل بمرتكبي الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة.

وبموجب المادة السادسة يتحاكم الأشخاص المتهمون بارتكاب الإبادة الجماعية أو التآمر على ارتكابها أو التحريض عليها أو المحاولة أو الاشتراك فيها أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها.

أمّا المادة الثامنة، فقد نصت على أنّه لكل طرف متعاقد “أن يطلب إلى أجهزة الأمم المتحدة المختصة أن تتخذ طبقا لميثاق الأمم المتحدة ما تراه مناسبا من التدابير لمنع وقمع أفعال الإبادة الجماعية او أي من الأفعال الاخرى المذكورة في المادة الثالثة”.

تأسست محكمة العدل الدولية (الهيئة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة) بشكلها الحالي، بعد عديد المحاولات الرامية سابقا لإنشاء مؤسسة دولية الهدف منها تسوية النزاعات الدولية بطريقة سلمية. حيث مرّت العلاقات الدولية بالعديد من النزاعات على مر التاريخ، ما أدى الى الحاجة الضرورية لإنشاء مؤسسة تقوم بالفصل العادل في القضايا الخلافية.

وهو ما أدّى إلى التفكير في إنشاء مؤسسة دولية من شأنها الفصل في القضايا الخلافية بين الدول، حيث تمّ في القرن 19 محاولة إنشاء “محكمة التحكيم الدائمة” في عام 1899 في مؤتمر لاهاي. وفي نهاية المطاف تمّ تأسيس محكمة العدل الدولية في 26 يونيو 1945 بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وانطلقت في عملها في عام 1946.

 تتولى محكمة العدل الدولية الفصل في النزاعات الدولية، من خلال حل كل الصراعات فيما بينها بموجب القانون الدولي والعدالة الدولية، والهدف الرئيسي لها هو ضمان السلم والأمن الدوليين. وطبقا لذلك تصدر محكمة العدل الدولية قرارات قانونية تلزم من خلالها  كل الدول الامتثال لها وتنفيذها.

كما تسعى لضمان حماية حقوق الإنسان من خلال  قراراتها وأحكامها، مما يؤدي إلى تحقيق العدالة والإنصاف، وهي الركائز الأساسية التي يقوم عليها عمل المحكمة من خلال دورها في تعزيز العلاقات الدولية السلمية تطبيق القانون الدولي.

وتسعى أيضا إلى تكريس سيادة القانون من خلال الوقوف على تطبيق كل مبادئه بشكل عادل داخل الدول على مستوى العلاقات فيما بينها، وتحرص على معاقبة كل الأطراف الساعية الى الإفلات من العقاب بمحاسبتهم على كافّة الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، على غرار جرائم الحرب والإبادة الجماعية وكل الجرائم المناهضة لحقوق الإنسان، كما تحرص محكمة العدل الدولية على منع النزاعات بين الدول من خلال توظيف أحكامها القانونية.

وتعتبر محكمة العدل الدولية طبقا لمهامها والأدوار الموكلة إليها لاعبا أساسيا في تكريس الأمن والسلم الدوليين ويرتكز عملها على: لجان التحقيق ومراقبة المحاكمات، بعثات تقصي الحقائق، الإدانات العامة، البعثات الديبلوماسية.

تتمتع محكمة العدل الدولية بصلاحيات أوسع وتعتبر قراراتها ملزمة في تتبع مرتكبي الجرائم وتوقيفهم أمام المحكمة، وهي تفصل بين الدول المتنازعة وليس لديها سلطة تنفيذية. ويشير خبراء إلى أنّ سبب رفض جنوب إفريقيا اللجوء الى محكمة الجنائية الدولية هو رفض المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية كريم أحمد خان السابق إدانة إسرائيل.

تم الاستناد في رفع الدعوة الى معاهدة دولية تتضمن شرط الاختصاص القضائي المستندة الى اتفاقية منع الابادة الجماعية المصادق عليها من طرف الأمم المتحدة، وهو ما يعكس حالة الضغط الكبير التي تعيشها اسرائيل نظرا في أنّها من الدول الموقعة على هذه المعاهدة، كما سيجعل الاختصاص في القضية المرفوعة أي قرار تتخذه محكمة العدل الدولية هو قرار ملزم وهو ما يمثل سببا في جعل إسرائيل تقبل المثول أمام المحكمة في لاهاي تخوفا من إصدار حكما فوريا يأمرها بوقف القصف على قطاع غزة، وهو ما ترفضه إسرائيل في الوقت الراهن. كما تتخوف إسرائيل من قرار اعتبارها أنّ ما تقوم به منذ السابع من أكتوبر جريمة حرب، وهو ما ستكون تداعياته مؤثرة على مكانتها السياسية من خلال فرض عقوبات عليها.

وتسعى إسرائيل في الوقت الحالي لصياغة لائحة دفاع للرد على اتهامات جنوب افريقيا والعمل على ايجاد حقوقيين دوليين ذوي مكانة عالية لإقناع هيئة محكمة العدل بموقفها وطعن في الدعوى المرفوعة ضدها. 

بناء على ما تمّ ذكره فيما يتعلّق باتفاقية منع الإبادة الجماعية، فإنّ كل الدول الأطراف في الاتفاقية مسؤولة على جريمة الحرب التي تقوم بها إسرائيل، وهي مطالبة بأخذ التدابير اللازمة بشأن ما يحصل سواء كانت مشاركة أو غير مشاركة في الحرب. وهو لم تبادر به أي من الدول العربية مع تقدم دولة جنوب افريقيا الى محكمة العدل الدولية.

حيث اشار الخبير في النزاعات الدولية محمد محمود مهران إلى أنّ” موقف مصر راسخ من القضية الفلسطينية ويؤكد دائما ويندد بالانتهاكات الإسرائيلية، وفي الوقت ذاته، فإن موقف مصر حسّاس كونها طرفا في معاهدة السلام مع إسرائيل والوسيط لقطاع غزة”. كما يشير إلى أنّ “عدم تحرك مصر أمام محكمة العدل الدولية، لا يرتبط فقط بأنها طرف في الاتفاقية الخاصة بمناهضة الإبادة الجماعية، لكنه يرتبط باعتبارات سياسية بدرجة مركزية”.

وفي النهاية فإنّ كافة الدول العربية المشاركة في اتفاقية الابادة الجماعية والتي لم تتقدّم خطوة مع جنوب إفريقيا تضع في الاعتبار موقعها السياسي ومصالحها الدولية فوق أي مصلحة اخرى حتى وإن كانت سياسية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق