مقالة خاصة: “بيت الحكمة” يساهم في بناء جسور التعاون والتواصل الثقافي والمعرفي بين الصين والدول العربية
قسم البحوث والدراسات والعلاقات الدولية 31-05-2024
المصدر: شينخوا 31 مايو 2024
من استديو صغير مساحته لا تتجاوز 40 مترا مربعا في مدينة ينتشوان حاضرة منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي في شمال غربي الصين، انطلقت مجموعة “بيت الحكمة” الثقافية عام 2011، في صورتها الأولى، لتساهم بشكل كبير في بناء جسور التواصل الثقافي والمعرفي بين الصين والدول العربية.
وخلال 13 عاما، انطلقت مجموعة “بيت الحكمة” الثقافية، لتتحول من استديو صغير مساحته 40 مترا مربعا، ليصبح لها 6 فروع 3 منها داخل الصين و3 أخرى بالدول العربية في مصر والمغرب ودولة الإمارات العربية المتحدة، تعمل في مجالات الترجمة والنشر بين الصينية والعربية، والصناعات الثقافية، وتعليم اللغة الصينية، والدراسات والبحوث الاستراتيجية.
وفي مقرها الكائن على بعد أمتار من ميدان التحرير بوسط القاهرة، الذي يميز واجهته الرئيسية الفوانيس والنقوش الصينية المميزة، بينما يستقبلك مدخل المبنى بلوحات ولافتات الجهات الصينية المتعددة التي تجمعها شراكة مع بيت الحكمة، فيما يزين سقفه وحوائطه ومصعده الصناعات الثقافية والرسوم والنقوش الصينية المميزة، بما يشعرك أنك انتقلت من القاهرة إلى حيز صيني كامل.
وبين قاعاته المتعددة وأروقته تجد مجموعات دراسة اللغة الصينية بمستوياتها المختلفة، ودورات تأهيل مهني في المجالات المختلفة مثل إدارة الأعمال والإرشاد السياحي وغيرها لدارسي اللغة الصينية، وقاعات المترجمين للأعمال الصينية، فيما يتميز مقر “بيت الحكمة بوجود أكبر مكتبة بالشرق الأوسط تحتوي على أكبر عدد من الكتب الصينية المترجمة للعربية، فضلا عن الصناعات الثقافية.
وتحظى مجموعة بيت الحكمة الثقافية بأهمية كبيرة في الأوساط الثقافية والمعرفية في الدول العربية والصين خاصة، وقد كللت جهودها بالحصول على العديد من الجوائز المرموقة كان أخرها جائزة الشيخ زايد للكتاب فرع النشر والتقنيات الثقافية، وقبلها جائزة النشر من معرض القاهرة الدولي للكتاب 2024، وغيرها من الجوائز القيمة.
يقول الدكتور أحمد السعيد رئيس مجموعة “بيت الحكمة” الثقافية، “كنا قد نظمنا مؤتمر النشر بين الصين والدول العربية، على هامش معرض الصين والدول العربية عام 2011، في ينتشوان، ولأول مرة حضر عدد من الناشرين في الدول العربية إلى الصين والتقوا بالناشرين الصينيين.
وأضاف السعيد لوكالة أنباء “شينخوا” أنه خلال هذا المؤتمر واللقاءات بين الجانبين تم الاتفاق على أهمية التوسع في أعمال الترجمة والنشر بين اللغتين العربية والصينية، ولكن ظهرت إشكالية من الذي سيقوم بترجمة الأعمال التي يتم الاتفاق عليها بين الناشرين الصينيين والعرب، فأسسنا شركة صغيرة في ينتشوان كان الهدف الرئيسي لها الترجمة، لذلك اخترنا اسم “بيت الحكمة” بوصفه أشهر مؤسسة قامت بعملية ترجمة وأحدثت نقلة كبيرة في التطور والتقدم العربي والإسلامي في التاريخ.
وأوضح أن بيت الحكمة ظل في مكان لا يتجاوز 40 مترا مربعا من عام 2011 حتى عام 2015، وعندما أطلقت الصين مبادرة الحزام والطريق وبدأت المنطقة العربية والمتلقي العربي يتخطى ما حدث في مرحلة الربيع العربي وينتبه إلى ضرورة الاتجاه شرقا، أصبح عمل بيت الحكمة يتوافق مع المسارات الدبلوماسية للصين والدول العربية بأن هناك حالة فراغ في التبادل الثقافي والإنساني بين الجانبين، وتم الحرص على بذل الجهود لسد جزء من هذا الفراغ.
“تباعا ومع كل مرحلة من مراحل ازدهار العلاقات العربية – الصينية كان يتبعها ازدهار بيت الحكمة واستطعنا أن ننقل تقريبا 1000 كتاب من الصين إلى الدول العربية من خلال اتفاقات ما بين نحو مائة دار نشر صينية وأكثر من مائة دار نشر عربية، ونظمنا 150 فاعلية ثقافية”، بحسب السعيد.
وتابع قائلا “شاركنا في استضافة الصين كضيف شرف في معرض الكتاب في أبوظبي عام 2017، ومرة أخرى في الجزائر في عام 2019، وأصبحت الدول العربية تشارك كضيف شرف في معرض بكين الدولي للكتاب، وأصبح هناك تعاون إعلامي وتدريبي وتأهيل في المجالات الثقافية والتعليمية، وأصبح لدينا واحد من أهم مراكز الأبحاث المتخصصة في الشأن الصيني في الشرق الأوسط”.
واستطرد السعيد قائلا، “كل هذا لم يكن مخططا له منذ البداية، ولكن ما حدث من ازدهار وتطور كبير في العلاقات الصينية – العربية كان يتبعه فورا ازدهار في مجالات عمل مجموعة بيت الحكمة التي أصبح لديها الأن 3000 طالب للغة الصينية منتشرين في أكثر من 5 دول عربية ضمن أكاديمية بيت الحكمة لتعليم اللغة الصينية التي أصبحت معتمدة في مصر كجهة رسمية لامتحانات الـ HSK”.
وأضاف “كما أن لدينا طموحا للانتقال إلى المجال الإعلامي وأن يكون لبيت الحكمة قناة إعلامية تتبع الإعلام الجديد، لتكون بمثابة الفرع لتحقيق التواصل الإنساني ليتأكد توجهنا بأن بيت الحكمة كيان يصل الشرق بالشرق”.
وأردف رئيس مجموعة بيت الحكمة الثقافية قائلا، إن “كل هذا لابد وأن يكون له ذراع ثقافي ومعرفي، وأعتقد أن مجموعة بيت الحكمة تقوم بهذا الدور لتحقيق التعاون الثقافي والمعرفي العربي – الصيني”.
وحول أسباب هذا النجاح الكبير الذي حققته مجموعة بيت الحكمة، قال السعيد إنه من حسن الحظ أن انطلاقها تزامن مع اطلاق مبادرة الحزام والطريق، والانفتاح العربي ناحية الشرق خاصة على الصين، الأمر الثاني الاستعانة بأهل الخبرة والكفاءة والفاهمين بصدق للصين، ونقدم لهم المساحة التي يمكن أن يعملوا من خلالها.
ونوه إلى أنه تم إعطاء الفرصة لنحو 123 مترجما من خريجي الجامعات العربية وإن أسماءهم توضع على الكتب المترجمة من الصينية إلى العربية، وأنه في مجال البحوث والدراسات نستعين بأهل الخبرة والمتخصصين في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
وأضاف أن من أسباب النجاح أيضا أن السوق أصبح فيه حالة من الاحتياج الشديد إلى فهم الأخر، وأصبح لدى المتلقي الصيني الرغبة للتعرف على الثقافة العربية والوضع العربي الحالي، وفي المقابل فإن المتلقي العربي أيضا لديه حاجة ملحة للتعرف على الصين، أولا لفهم الصين بشكل أكبر، ثانيا لزيادة التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، ثالثا التعرف على الثقافة الصينية التي كانت غائبة عنه بفعل التوسع الشديد للثقافة الغربية نتيجة الاستعمار الغربي للمنطقة العربية.
وأعتبر جائزة الشيخ زايد للكتاب فرع النشر والتقنيات الثقافية، التي فازت بها مجموعة بيت الحكمة الشهر الماضي، ليست لبيت الحكمة فقط ولكنها لمشروع التعاون الثقافي العربي – الصيني ولكل من عمل في هذا المضمار، مشيرا إلى أن جائزة الشيخ زايد هي الجائزة الأرفع في المنطقة العربية والشرق الأوسط والأكثر شهرة عالمية، وعندما تمنح لجهة تعمل في التواصل الثقافي العربي – الصيني، فهو اعتراف رسمي من أعلى جائزة أدبية في المنطقة بأهمية هذا التواصل.
وأشار إلى أنه في حيثيات الفوز بالجائزة تم ذكر أن مجموعة بيت الحكمة ساهمت في تحقيق التواصل الإنساني والثقافي ما بين الصين والدول العربية، وقامت بترجمة أكثر من 300 كتاب ما بين الصينية والعربية ولديها أكاديمية يدرس بها ألاف الدارسين للغة الصينية، مؤكدا أن هذه الجائزة هي لكل دارس عربي للغة الصينية وكل دارس صيني للغة العربية ولكل مترجم ومؤلف وباحث بين الصين والدول العربية.
من جانبها، قالت يارا إبراهيم مديرة قسم التعليم في بيت الحكمة، “إننا نقوم بتقديم دورة إعداد للمترجم بهدف تأهيل المترجمين المحترفين حتى نتمكن من توفير فرص عمل لهم في قسم الترجمة ببيت الحكمة، وأصبح هناك إقبال كبير من الطلبة للحصول على دورات مختلفة، ما دفعنا للتوسع وتنفيذ دورات مختلفة في تخصصات اللغة الصينية بشكل عام”.
وأضافت يارا إبراهيم لوكالة أنباء “شينخوا” أنه “مع الوقت توسعنا بشكل كبير وأصبحنا نغطي كل الدورات التعليمية منذ 5 سنوات إلى كل فئات الطلاب في كل الجامعات والمعاهد المصرية”.