مقاتلون أجانب في الجيش السوري… خطوة استراتيجية أم مخاطرة بنيوية؟

قسم الأخبار الدولية 03-06-2025
ذكرت وسائل إعلام دولية أن وزارة الدفاع السورية بدأت بتنفيذ خطة تقضي بضم 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من الإيغور، إلى صفوف الجيش السوري الجديد، وتحديدًا إلى الفرقة 84.
وقال الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، عمر رحمون، لوكالة “سبوتنيك” تعليقًا على هذا الموضوع، إن “الحكومة السورية ترى أن الجيش السوري الجديد يعاني من نقص كبير في عدد العناصر والكوادر المدربة، نتيجة سنوات من الاستنزاف والتحديات الأمنية المتعددة”.
وأشار إلى أن “المقاتلين الأجانب يتمتعون بخبرة عسكرية واسعة نتيجة مشاركتهم في معارك متعددة على الأراضي السورية، ما يجعلهم، بحسب وصفه، عامل قوة إضافي يمكن أن تستفيد منه وزارة الدفاع السورية، لا سيما في حال حدوث انشقاقات أو محاولات انقلاب من فصائل محلية ضد السلطة القائمة”.
أبعاد سياسية: هل هي رسالة إلى الصين؟
على المستوى السياسي، أوضح رحمون أن “فصيل الإيغور تحديدًا مصنف كتنظيم إرهابي في عدة دول، وعلى رأسها الصين، التي ترى فيه خطرًا استراتيجيًا حقيقيًا”.
مضيفا أن “قرار ضمهم إلى المؤسسة العسكرية السورية بقبول أمريكي ضمني يحمل رسائل سياسية مبطنة، وعلى رأسها تحد واضح لبكين قد يفهم على أنه محاولة لتقويض نفوذها في الملف السوري أو إرباكها إقليميا”.
دور الأجانب في محاربة الجيش السوري الجديد لتنظيم “داعش”؟
فيما يتعلق بجدوى هؤلاء المقاتلين في الحرب ضد تنظيم “داعش” (المحظور في روسيا ودول عدة)، رأى رحمون أن “التنظيم اليوم لم يعد يعمل كجيش نظامي، بل يعتمد على تكتيكات حرب العصابات من خلال تنفيذ ضربات مباغتة ثم الانسحاب، وهي أساليب، على حد قوله، لا يستطيع الجيش النظامي التصدي لها إلا عبر عناصر تمتلك خبرة مماثلة”.
وأضاف أن “المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا سابقًا في صفوف فصائل متشددة لديهم القدرة على التعامل مع هذا النوع من المواجهات، أكثر من الجنود المحليين، معتبرًا أن وجودهم ضرورة عسكرية حالية”.
وأشار إلى أن تنظيم “داعش”، وفق وجهة نظره، هو “صناعة استخباراتية غربية”، وأن المعارك ضده تحكمها المصالح الدولية أكثر من الاعتبارات الميدانية”.
في السياق ذاته، أثار القرار جدلًا كبيرًا داخل الشارع السوري، حيث قال المحامي يوسف الحسن في حديث لـ”سبوتنيك” إن “كثيرين يخشون من أن يتحول دمج مقاتلين أجانب بعضهم ينتمي إلى فصائل ذات خلفية إسلامية متشددة إلى إعادة إنتاج للعنف ولكن تحت غطاء رسمي”.
وأضاف أن “الشارع السوري يتساءل عن خلفيات هؤلاء المقاتلين الفكرية والعقائدية، ومدى قابليتهم للاندماج في مؤسسة يفترض أن تكون نظامية ومهنية”، مشيرا إلى أن “ذلك يثير شكوكا حقيقية حول مدى السيطرة عليهم داخل الجيش”.
“تهميش المكونات الوطنية“
ونبه الحسن أيضا إلى أن “إدماج غرباء في المؤسسة العسكرية قد يفهم محليا على أنه تهميش إضافي للمكونات السورية، لا سيما في ظل ما يعتبر إصرارا من الحكومة الحالية على احتكار المناصب القيادية لصالح فصائل قاتلت إلى جانبها، دون إشراك حقيقي لباقي فئات الشعب”.
ويرى أن هذا النهج قد يؤدي إلى تصاعد الانقسامات الطائفية والمناطقية، خاصة في حال تبين أن هؤلاء المقاتلين مرتبطون بجهات خارجية، أو إذا ارتكبوا تجاوزات أمنية أو سلوكية.
المؤسسة العسكرية السورية في مهب التحول
وقال الخبير العسكري، سليمان سليمان، إن “التجارب الإقليمية السابقة أظهرت أن دمج مقاتلين ذوي خلفيات أيديولوجية متطرفة في الجيش قد يؤدي إلى تصدعات داخل صفوف المؤسسة العسكرية نفسها”.
وحذر من أن “استمرار هذا النمط من التوظيف العسكري قد يدخل البلاد في أزمة شرعية مؤسساتية، إذ قد ينظر إلى الجيش ليس كمؤسسة وطنية لحماية السيادة، بل كأداة لاستيراد الصراعات وتدويلها”.
وأضاف سليمان: “حين تؤكد الحكومة السورية أن هذا القرار يهدف إلى تعزيز قدرات الجيش وتوسيع نطاقه العملياتي، ترى جهات أخرى أن القرار ينطوي على مخاطر بنيوية قد تمسّ شكل الدولة ووظيفة المؤسسة العسكرية”.
وتابع: “تبقى أسئلة مشروعة معلقة في وجه هذا القرار أهمها من يضمن انضباط هؤلاء المقاتلين الأجانب في ظل الخلفيات المتعددة التي يحملونها؟ وهل نحن أمام تحول الجيش إلى ائتلاف مسلح عابر للحدود أكثر منه مؤسسة وطنية موحدة؟ وهل يمكن بناء دولة مستقرة على أساس عسكرة مستوردة بدلًا من استثمارها في إعادة بناء المجتمع والمواطن؟”.
وختم سليمان قائلا: “نحن اليوم أمام لحظة حاسمة من تاريخ سوريا، قد يكون مثل هذا القرار تجسيدًا لصراع الإرادات الإقليمية والدولية على الأرض السورية، أكثر منه خطوة لإعادة بناء جيش وطني فاعل”.
وفي وقت سابق، أعلن المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك، أن الولايات المتحدة وافقت على خطة طرحتها القيادة السورية الجديدة للسماح لآلاف المقاتلين السابقين من المعارضة بالانضمام للجيش الوطني، شريطة أن يحدث ذلك بشفافية.
ونقلت وسائل إعلام عن باراك قوله: “أعتقد أن هناك تفاهما وشفافية، ومن الأفضل إبقاء المقاتلين، وكثير منهم مخلصون جدا للإدارة السورية الجديدة، ضمن مشروع الدولة بدلا من إقصائهم”.
وكشف مصدران مقربان من وزارة الدفاع السورية أن “الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع ودائرته المقربة أكدوا مرارا خلال لقاءاتهم مع مسؤولين غربيين أن ضم المقاتلين الأجانب إلى الجيش أقل خطورة على الأمن من التخلي عنهم، ما قد يدفعهم إلى فلك تنظيمي “القاعدة” أو “داعش” الإرهابيين”.
المصدر: وكالة سبوتنيك