معركة قانون الحشد: صدام الإرادة العراقية مع الضغوط الأميركية

قسم البحوث والدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية 02-12-2025
أعدَّ مركز “الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية” التابع لوزارة الحرب الأمريكية، ورقة معلومات يناقش فيها المستقبل التشريعي لمشروع قانون قوات الحشد الشعبي (PMF) في العراق، والذي يهدف بشكل أساسي إلى منح الحشد الشعبي استقلالية تنظيمية وإدارية ومالية أوسع، معززاً بذلك امتيازات أعضائها وتوسيع هيكلها بحسب ما يرى معدو الورقة.
تُسلط الورقة الضوء على أن هذا المسار التشريعي، الذي تعود بدايته إلى عام 2016، قد شهد مؤخراً (خاصة في 2025) مبادرات جديدة أدخلت تعديلات جوهرية، ما أدى إلى انقسامات سياسية حادة داخلية ومعارضة دولية، لاسيما من الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أدت هذه الضغوط والتعقيدات إلى سحب مشروع القانون وتأجيل النظر فيه إلى الدورة البرلمانية المقبلة في عام 2026.
تكمن المخاطر “الجوهرية” وفقاً لهذا التحليل الأمريكي، في أن إقرار القانون بصيغته المطروحة سيؤدي إلى تعزيز ما وصفه بـ “هيمنة الفصائل الموالية لإيران” على المشهد الأمني والسياسي، وتقليص صلاحيات الجيش والشرطة العراقية، الأمر الذي يرفع من مستوى التهديد على الأمن الداخلي وعلى المصالح الأمريكية في العراق. وتؤشر هذه التطورات بحسب الورقة إلى تحول استراتيجي نحو تزايد قوة “الميليشيات” المسلحة مقابل المؤسسات النظامية للدولة.
التوصيات الضمنية المستخلصة من الورقة
على الرغم من عدم وجود توصيات صريحة في الورقة، يمكن استخلاص مجموعة من الرسائل والتوجهات الضمنية الموجهة للجهات المعنية محلياً ودولياً:
توصي الورقة ضمناً بضرورة استغلال فترة التأجيل (المتوقعة لحوالي عام أو أكثر) للتوصل إلى توافق سياسي وطني شامل حول شكل التشريع الجديد. ويجب أن يهدف هذا التوافق إلى موازنة القوة الأمنية ومنع السيناريو الأكثر ترجيحاً، وهو زيادة الدعم والشرعية القانونية للحشد الشعبي بشكل يقوض المؤسسات الأمنية النظامية في البلاد (الجيش والشرطة).
بالإضافة إلى ذلك، تستنتج التوصيات الإجرائية التالية:
التركيز على المرحلة البرلمانية الجديدة:
يجب على الجهات المعارضة للقانون (الكتل السنية والكردية والجهات الدولية المؤثرة) أن تركز جهودها على التأثير في عملية تشكيل اللجان البرلمانية وتوزيع المناصب الرئيسية في الدورة البرلمانية 2026-2030، وذلك لضمان تأخير إجرائي إضافي لمناقشة المشاريع التشريعية “المثيرة للجدل”.
تعزيز الشفافية والرقابة المالية:
يجب الضغط لمراجعة البنود المتعلقة بـ الاستقلالية المالية والإدارية الواسعة التي يطمح إليها القانون، والدعوة إلى وضع آليات رقابية مشددة لربط التمويل بالإشراف الحكومي المركزي لمنع استغلال هذه الاستقلالية لتعزيز نفوذ الفصائل الموالية لجهات خارجية.
ربط الدعم الدولي بالرقابة المؤسسية:
على الولايات المتحدة والجهات الغربية أن تربط أي دعم أو تعاون أمني مع العراق بـ شرط تقليص نفوذ الفصائل غير الحكومية، ومنع أي تشريع يرفع مستوى التهديد على المصالح الأمريكية، وذلك بتحويل القلق المعلن إلى آليات ضغط فعالة خلال مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة.
مستقبل قانون قوات الحشد الشعبي في العراق
الموضوع:
مستقبل قانون قوات الحشد الشعبي في العراق.
الاستنتاج المباشر:
يهدف مشروع قانون قوات الحشد الشعبي (PMF) إلى منح قوات الحشد الشعبي استقلالية أكبر كمؤسسة عسكرية وأمنية، مع توفير امتيازات مالية ومهنية معززة لأعضائها وتوسيع هيكلها التنظيمي. ستؤدي الصلاحيات الممنوحة بموجب القانون للقادة العسكريين الموالين لإيران إلى زيادة مستوى التهديدات والمخاطر على الأمن داخل العراق وعلى المصالح الأمريكية. تم تأجيل التصويت على مشروع قانون PMF بسبب الخلافات السياسية المستمرة ومعارضة الولايات المتحدة. تم حذف التشريع مؤخرًا من جدول أعمال البرلمان، ولكن من المتوقع إعادة طرحه للنظر فيه خلال الدورة البرلمانية المقبلة في عام 2026.
الغرض:
هذه الورقة هي تحليل لمستقبل مشروع قانون هيئة الحشد الشعبي، وتسلط الضوء على مستوى المخاطر المرتبطة باعتماده.
مقدمة:
بدأ المسار التشريعي لقوات الحشد الشعبي العراقي في 26 نوفمبر 2016، عندما سنّ البرلمان العراقي القانون رقم 40، الذي أدمج رسمياً قوات الحشد الشعبي كمنظمة جامعة لمعظم الجماعات شبه العسكرية الشيعية التي تم حشدها بفتوى آية الله العظمى السيستاني رداً على تهديد داعش في عام 2014.
أصدرت رئاسة الجمهورية قانون قوات الحشد الشعبي في 14 ديسمبر 2016. ومنذ ذلك الحين، ولا سيما في أوائل عام 2025، أدت المبادرات التشريعية الجديدة الصادرة عن ائتلاف إطار التنسيق والتي أدخلت تعديلات جوهرية إلى انقسامات داخلية وضغوط دولية.
الحقائق:
أ-مشروع قانون “خدمة وتقاعد قوات التعبئة الشعبية” 10 مارس 2025:
- تم اقتراح القانون بسبب خلافات داخل قيادة الإطار التنسيقي حول السن القانوني لتقاعد كبار القادة العسكريين.
- اندلعت الخلافات بسبب محاولات بعض الأطراف تعيين قادة عسكريين موالين لميليشيات أخرى.
- نتيجة لهذه الخلافات، تم سحب مشروع قانون التقاعد ومزايا الخدمة لمقاتلي قوات الحشد الشعبي.
ب-مشروع قانون “تعديل تنظيم قوات الحشد الشعبي”:
- سحبت الحكومة العراقية قانون التقاعد الذي وضعه في الأصل تحالف الإطار التنسيقي، وهو أكبر تحالف سياسي في البرلمان العراقي.
- تم استبدال قانون التقاعد السابق بمشروع قانون جديد يهدف إلى تعديل وتوسيع التنظيم والسلطة.
- خضع مشروع القانون الجديد للقراءة الأولى في ذلك التاريخ، واستمرت المناقشات البرلمانية حتى 16 يوليو 2025.
- يواجه القانون خلافات سياسية داخل تحالف الإطار التنسيقي.
- تعارض الأحزاب والكتل السنية والكردية القانون، بسبب مخاوفها من “تزايد قوة وتأثير الفصائل الموالية لإيران” في العراق.
- تعارض الولايات المتحدة أيضًا التشريع، معربة عن قلقها من أن مشروع قانون قوات الحشد الشعبي سيؤسس “نفوذ إيران والجماعات الإرهابية المسلحة” التي تقوض سيادة العراق.
ج-الانتخابات البرلمانية المقبلة وقانون قوات الحشد الشعبي:
- أثرت الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في 11 نوفمبر 2025 بشكل مباشر على مصير مشروع قانون إعادة تنظيم قوات الحشد الشعبي في البرلمان.
- اشتد الاستقطاب السياسي بين أحزاب الإطار التنسيقي الشيعي والكتل السنية والكردية، مما أدى إلى تصعيد الجدل حول القانون. يمنح القانون المقترح قوات الحشد الشعبي وضعًا قانونيًا مستقلًا وصلاحيات واسعة في المجالات المالية والإدارية والعسكرية. ويخشى الكثيرون من أن يتم استخدام تمرير القانون كورقة انتخابية من قبل الكتل التي تسيطر على قوات الحشد الشعبي، مما يغير ميزان القوى في العراق.
- قاطع النواب السنة والأكراد الجلسات ذات الصلة، معربين عن معارضتهم الشديدة للقانون، وحتى إطار التنسيق انقسم، حيث اعترض بعض الأعضاء، بينما طالب آخرون بإدخال تعديلات جوهرية. وزادت الضغوط الأمريكية من تعقيد الوضع. ورداً على ذلك، اتفقت المؤسسات القيادية العليا في العراق، وهي الرئاسة ومكتب رئيس الوزراء والبرلمان والسلطة القضائية، على سحب مشروع القانون.
- تم تأجيل مشروع القانون إلى ما بعد الانتخابات، في انتظار التوصل إلى توازن سياسي جديد في البرلمان المقبل. ويستمر الجدل على الصعيدين الوطني والدولي حول الدور المستقبلي للقوات العسكرية العراقية في الهيكل السياسي والأمني للعراق.
التقييم:
- من المرجح أن يتأثر مستقبل قانون قوات الحشد الشعبي بعدة عوامل سياسية مهمة، لا سيما مع اقتراب نهاية الولاية الحالية للبرلمان والحكومة العراقية، والانتخابات البرلمانية المقبلة في نوفمبر 2025.
- وفقًا للدستور العراقي، يبدأ البرلمان الجديد عمله التشريعي تقليديًا بانتخاب رئيس جديد، يليه تصويت لاختيار الرئيس القادم للجمهورية، ثم عملية تشكيل حكومة جديدة، ثم إنشاء اللجان البرلمانية، التي يبلغ مجموعها 25 لجنة دائمة متخصصة.
- تمثل هذه الخطوات الأولويات التشريعية الأساسية لأي دورة برلمانية جديدة. ونظراً للتعقيد الإجرائي لتشكيل التحالفات وتوزيع المناصب الرئيسية، تستغرق هذه العملية بأكملها عادة ما بين ستة أشهر وسنة قبل أن تعود المشاريع التشريعية المثيرة للجدل، مثل قانون قوات الحشد الشعبي، للمناقشة مجدداً في البرلمان. ومن المرجح أن يكون هذا هو الحال هنا، في ضوء الانقسام السياسي المستمر والضغط المستمر من الجهات الفاعلة المحلية والدولية المؤثرة على صنع القرار التشريعي في العراق.
- يشير السيناريو الأكثر ترجيحاً بشأن التصويت على قانون قوات الحشد الشعبي في العراق إلى أنه سيمنح قوات الحشد الشعبي استقلالية تنظيمية وإدارية ومالية أوسع نطاقاً. وسيؤدي ذلك إلى تعزيز هيمنة الفصائل الموالية لإيران على المشهد السياسي والأمني والعسكري. كما سيؤدي إلى تطوير وزيادة قدراتها في عدة جوانب (القوى البشرية والتمويل والأسلحة والقدرات العسكرية). ومن المرجح أن يؤدي كل هذا إلى تقليص صلاحيات الجيش والشرطة العراقية، مما يرفع مستوى التهديد للمصالح الأمريكية في العراق.
الخلاصة:
- يمثل مستقبل قانون قوات الحشد الشعبي في العراق قضية استراتيجية ذات آثار بعيدة المدى على الاستقرار الداخلي والأمن الإقليمي. ويمكن تفسير تأجيل التصديق عليه، الذي يعزى في المقام الأول إلى الضغوط الغربية المستمرة، على أنه نجاح سياسي للجهات الفاعلة التي تسعى إلى تأخير أو التأثير على الشكل النهائي للتشريع.
- لا يزال القانون معلقاً في الوقت الحالي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الانتخابات البرلمانية العراقية الوشيكة. ومن المتوقع أن تؤدي نتائج هذه الانتخابات إلى إعادة تشكيل البرلمان الجديد، وبالتالي التأثير على تشكيل الحكومة العراقية المقبلة. ولذلك، فمن المعقول أن يمتد تأجيل قانون قوات الحشد الشعبي لمدة عام تقريباً أو أكثر، مع توقع تجديد المداولات البرلمانية خلال الدورة التشريعية 2026-2030.
- على الرغم من أنه من المتوقع أن تواجه العملية تحديات سياسية وإجرائية، فإن المسار السياسي الحالي والديناميات البرلمانية تشير إلى أن الحكومة تتجه نحو زيادة الدعم والشرعية القانونية لقوات الحشد الشعبي في المستقبل القريب.



