أخبار العالمأمريكاالشرق الأوسطبحوث ودراسات

مطلوب مجانين عقلاء!

حسب مشفى “مايو كلينك” الأمريكي الشهير، فإن من أعراض اضطرابات الصحة العقلية (الأمراض النفسية) وهي كثيرة:

– الانعزال عن الواقع (الأوهام) أو البارانويا، أو الهلاوس.

– الغضب الشديد، أو العدائية، أو العنف.

– التفكير في الانتحار.

وتقول المشفى على موقعها: “لا تتحسن غالبية الأمراض العقلية من تلقاء نفسها، وإذا لم تُعالَج، فقد تزداد حالة المرض العقلي سوءا، بمرور الوقت، وتسبب مشكلات خطيرة”.

وتنصح المشفى بضرورة الاتصال بالرقم 911، في أمريكا، إذا لاحظ المحيطون بالشخص المريض ظهور أي من هذه الأعراض عليه؛ لأنه لن يلاحظها بطبيعة الحال. وقد لفت نظري توصية المشفى بطلب المساعدة من “رجال الدين”، كأحد وسائل الدعم “المعتبرة” للمريض النفسي!

كما تنصح المشفى بضرورة اصطحاب المريض إلى المشفى في الحال، إذا أقدم على إيذاء نفسه، أو كان يفكر جديّا في ذلك..

حسنا.. إذن “يجب اصطحاب المريض إلى المشفى في الحال، إذا أقدم على إيذاء نفسه، أو كان يفكر جديّا في ذلك”.. لكن، ماذا إذا كان هذا المريض يهدد بإيذاء غيره، دونما سبب يُذكر؟ ألا يستدعي هذا “السلوك المَرَضي” تدخلا عاجلا أيضا؟

إذا كانت الإجابة “نعم”، وهي “نعم” قطعا.. فماذا إذا كان المستهدف بالتهديد شعبا وليس شخصا؟! مع العلم أنه تهديد عالي الخطورة، كارثي النتائج.. إنه تهديد بـ”فتح أبواب الجحيم”.. أي “قتل غير رحيم” للمدنيين العُزَّل، في غزة والضفة الغربية، والداخل الفلسطيني أيضا، إذا قاوموا عملية “التهجير القسري”، أي أننا بصدد ممارسة كل أشكال التعذيب التي تفضي إلى الموت بالضرورة! فما العمل إذن؟

اللجوء إلى الأمم المتحدة مثلا؟

منذ متى كانت قرارات هذه الجمعية محل احترام وتنفيذ؟

اللجوء إلى مجلس الأمن؟

كيف ذلك وهذا الكائن يملك فيه حق النقض “الفيتو”؟!

اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية؟

كيف ذلك وقد أصدر هذا الهمجي “قرار تنفيذيا” بمعاقبة رئيس المحكمة وأعضائها؛ لإصدارهم قرارا بملاحقة نتنياهو ووزير دفاعه المقال جالانت، كونهما مجرمي حرب، ارتكبا (عن سابق قصد وتصميم) جريمة الإبادة الجماعية، بحق المدنيين في غزة؟

حلول لوذعيه!

اقترح أحدهم (أستاذ علوم سياسية) أن “يدخل العرب في نقاش مع ترامب، من باب رغبته في نيل جائزة نوبل للسلام، وعدم الدخول في حروب جديدة، إضافة إلى صفقة التطبيع مع السعودية، في حال إقامة دولة فلسطينية”.

“يدخل العرب في نقاش مع ترامب”.. منذ متى كان للعرب “رأي واحد”؟ وفي أي مناسبة استطاعوا “إقناع” غيرهم بهذا الرأي، ولا أقول “فرضه”؟

“من باب رغبته في نيل جائزة نوبل للسلام”… أسلوب قد يصلح للتعامل مع “طفل” عصي على التأديب! سيب لزميلك لعبته القديمة يا شاطر، واحنا هنجيب لك أحدث “آيفون” مفيش منه غير نسخة واحدة! ولا أستبعد أن يكون هذا الاقتراح “عمليا” و”مقبولا” لدى ترامب، غير أن هذا الاقتراح يحتاج إلى اعتماد من خبراء نفسانيين، وليس من سياسيين..

“صفقة التطبيع مع السعودية، في حال إقامة دولة فلسطينية”.. هل لا يزال بين مثقفينا وسياسيينا من يعتقد أن فكرة إقامة “دولة فلسطينية” قابلة للتطبيق، في ظل المشروع الصهيوني النازي التوراتي التوسعي؟! متى يقتنع هؤلاء أن هذا غير ممكن، بل مستحيل؟ ومتى يجعلون للدين (الإسلام) موقعا في تفكيرهم وأطروحاتهم، في القضايا السياسية المبنية على أساس ديني؟ “إسرائيل” مثالا..

أما الملياردير نجيب ساويرس، فكتب على منصة “إكس” ما نصه:

“الأخ ترامب عايز يهجَّر الفلسطينيين لمصر والأردن.. لا حل ولا سلام إلا بحل الدولتين الذي سيفتح الباب لحكم غزة والضفة لممثلي الشعب الفلسطيني المنتخب، وينهي انفراد حماس بحكم غزة، ويسهل عملية إعادة تعمير غزة، وينهي معاناة سكانها”.

مرة أخرى.. “حل الدولتين”! الحل الذي لا يزال البعض يتصور أنه ممكن، أو أنه يقول ذلك على سبيل التماهي مع “المزاج السياسي العربي الرسمي”، مع يقينه أنه غير ممكن.. فشخص مثل ساويرس، أعلم ببواطن السياسة من خبرائها؛ نظرا لصلاته الوثيقة بدوائر مهمة في عالم المال والسياسة!

وكالعادة.. التغابي، أو التعامي، أو الاستبلاه، أو الاستعباط، أو كلها مجتمعة، حاضرة في كل ما يتعلق بالحركات الإسلامية..

“حل الدولتين الذي سيفتح الباب لحكم غزة والضفة لممثلي الشعب الفلسطيني المنتخب، وينهي انفراد حماس بحكم غزة”… وكأن حماس لم تفز في انتخابات 2006 بالأغلبية، وكأن الشهيد إسماعيل هنية لم يكن أول رئيس وزراء فلسطيني منتخب، وكأن الدكتور أحمد بحر لم يكن رئيسا للمجلس التشريعي، وكأن غزة كانت تعيش على التمثيل الضوئي، طوال عشرين سنة من الحصار، بلا إدارة ولا مؤسسات! وكأن حماس وأخواتها لم تصمد خمسة عشر شهرا، في “حرب عالمية” دون أي مساندة تذكر، وكأنها لم تفرض شروطها على العدو الصهيوني!

أما سلطة في مصر المحروسة، ولا أعرف كيف استحقت مصر هذا الوصف رغم كثرة سارقيها، فقد عمدت خارجيتها، في بيانها الأخير، إلى تسمية “القدس” عاصمة للدولة الفلسطينية، بدلا من “القدس الشرقية”، لأول مرة منذ معاهدة الاستسلام التي وقعها السادات في كامب ديفيد، عام 1979.. وقد هلل كُثْر لهذا “الإنجاز” التاريخي.. وما الأمر إلا “كلام أخو حديت”، كما يقول المصريون، لن ينبني عليه أي عمل فارق، في هذه المعركة الطاحنة.. قمة البؤس!

ماذا يريد ترامب؟

معركة ترامب الكبرى والحقيقية، داخل أمريكا، وليس خارجها. وكل ما يفعله بشأن القضية الفلسطينية التي باتت محط اهتمام العالم بأسره، سيخدمه كثيرا في تنفيذ ما يسميها “إصلاحات هيكلية” في النظام الأمريكي العتيق، ومن الضروري للغاية، أن تتم هذه العملية التي يتوجس منها الشعب الأمريكي، والمؤسسات العتيدة على السواء، في ظل تغطية إعلامية “هزيلة” بالقدر الذي لا يفجر غضب الأمريكيين، وذلك بإغراق المنصات الإعلامية بسيل من التصريحات الصادمة، والمقلقة، والمستفزة التي لا تهم الأمريكي العادي

بالإضافة إلى عشرات الأوامر التنفيذية التي خلخلت النظام الأمريكي، والزوابع التي أثارها مع كندا، والمكسيك، وبنما، والدنمارك، والاتحاد الأوروبي، والمنظمات الدولية، فإنه (عربيا): ملتزم بشراء غزة وامتلاكها.. سيحول غزة إلى موقع جيد للتنمية المستقبلية.. قرر “حرمان” الفلسطينيين من حق العودة إلى غزة (في حال استطاع تهجيرهم قسرا)!

كلام لا يصدر عن إنسان طبيعي عاقل، ولا يصدر عن إنسان مؤمن بيوم الحساب.. أي أننا أمام شخص، إما مجرم عتيد في الإجرام، وإما “مختل عقليا” يتحدث عن “تهيؤات” و”ضلالات” بحسبانها واقعا، أو من الممكن أن تكون واقعا، في نظره.

تقديري.. ترامب نرجسي ومغرور، لكنه ليس مجنونا ولا مختلا، يعي جيدا ما يقول، وما يريد..

وفي تقديري، معركة ترامب الكبرى والحقيقية، داخل أمريكا، وليس خارجها. وكل ما يفعله بشأن القضية الفلسطينية التي باتت محط اهتمام العالم بأسره، سيخدمه كثيرا في تنفيذ ما يسميها “إصلاحات هيكلية” في النظام الأمريكي العتيق، ومن الضروري للغاية، أن تتم هذه العملية التي يتوجس منها الشعب الأمريكي، والمؤسسات العتيدة على السواء، في ظل تغطية إعلامية “هزيلة” بالقدر الذي لا يفجر غضب الأمريكيين، وذلك بإغراق المنصات الإعلامية بسيل من التصريحات الصادمة، والمقلقة، والمستفزة التي لا تهم الأمريكي العادي، وإلا فإنه سيعاني كثيرا، إذا انصب اهتمام هذه المنصات على “إصلاحاته” التي يعدها خصومه تقويضا لأركان القوى الأعظم في العالم..

على الجانب الآخر، أثبت ترامب (للصهاينة) بهذه التصريحات المفرطة في التطرف، أنه أكثر يمينية وتطرفا من اليمين الصهيوني نفسه، بغض النظر عن إمكانية تنفيذها من عدمه، فالمهم أنه أوفى للوبي الصهيوني بما وعد به.. وفي المقابل، فإنه ينتظر مساندته ومؤازرته في حربه الداخلية على “الدولة العميقة”.

مجانين لكن عقلاء!

لا يخفى على أحد “الانبطاح” العربي الرسمي أمام الغرب، كما لا تخفى “غثائية” الشعوب العربية التي تعاني من اضطهاد حكوماتها المستبدة التي تستمد بقاءها على صدور شعوبها من “ماما” أمريكا.. فكيف لهذه الحكومات أن تواجه القوة التي تستمد منها وجودها؟ من يتصور ذلك، فليتأكد من سلامة قواه العقلية!

ولا يخفى على ذي بصيرة، أن الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية بقيادة حماس، في وجه ست قوى عظمى + الكيان الصهيوني + عدد من الدول العربية أقلق معظم الأنظمة العربية، وأظهر عجزها، ودونيتها، وعدم أهليتها للحكم. ومن ثم، فإن هذه الأنظمة متفقة مع ترامب والكيان الصهيوني (تماما) على تصفية المقاومة والقضية، ولكن ليس بالتهجير إلى مصر والأردن، أو إقامة دولة فلسطينية على جزء من السعودية! فإلى أين التهجير وكيف ومتى؟ هذا هو المأزق المفاجئ الذي جعل الأنظمة في مصر والأردن والسعودية تلف حول نفسها!

مواجهة هذا الوضع التآمري العبثي الموغل في اللاعقلانية، الكاشف لعورات الأنظمة العميلة، المهين لكرامة الإنسان عموما، الضارب بكل المواثيق الدولية عرض الحائط، يتطلب طرازا خاصا من البشر للتعامل معه؛ طراز يؤمن بالله إيمانا راسخا رسوخ الجبال، ويخشاه سبحانه أشد ما تكون الخشية.. يقابل هذا الجنون بجنون أشد منه لا يذهب ضحيته إلا الخونة والمجرمون، وهذا عين العقل.. يؤمن أنه بالتصدي لهذا التآمر وذلك العبث، إنما يعتق البشرية كلها من الاستعباد والاسترقاق المهين.. فمن يجدون في أنفسهم هذه المواصفات، عليهم أن يجدوا بعضهم بعضا، وينظروا ماذا هم فاعلون.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق