مشروع الناتو الأوروبي:  مناورات وتسليح مشترك، من خارج الحسابات الأمريكية

فاتن جباري قسم العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية

وقسم البحوث الأمنية والعسكرية 18-01-2024

تقديم :

مع إندلاع الحرب في أوكرانيا، إستفاقت أوروبا على حقيقة صادمة مفادها النقائص الكثيرة في إستراتيجية دفاعها المشترك، وإرتهان الإتحاد الأوروبي في دفاعه لحلف الشمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة.

أمر أعترف به مفوض الخارجية الأوروبي جوزيب بوريل مؤخراً، قائلاً إن “الحرب الأوكرانية كانت بمثابة جرس إنذار لنا جميعاً بشأن قدراتنا العسكرية”.

لقد أقترح بوريل هذا المشروع الأوروبي – العسكري تحت عنوان “نموذج القوة الجديدة”، لكن التحديات التي تعصف بالمشهد الأوروبي المتخبط في أزمته الاقتصادية شكّل أكبر عائق حال دون الوصول الى الحلم المشهود .

من جديد طرح الملف على طاولة الإتحاد، حيث تعتزم إسبانيا في أثناء قيادتها الدورية للاتحاد الأوروبي، تسريع عملية تأسيس قوة عسكرية أوروبية مشتركة فيما يعود هذا الحلم الأوروبي إلى سنوات ماضية، ما يطرح سؤال عن إمكانية نجاح إحيائه مؤخراً عبر “البوصلة الاستراتيجية” الأوروبية الجديدة، بعيدا عن الهيمنة الأمريكية وخاصة التدخلات الأمريكية.

       الجيش الموحد: عنوان للبوصلة الجديدة في القارة الأوروبية

تحد كبير كشف حالة الوهن العسكري الأوروبي في مواجهة خصومه الدوليين والتخلص من التبعية الامريكية ذلك هو التحدي الذي تطمح الى تحقيقه الجهود الاوروبية.

ولا تزال هذه الجهود التي يبذلها حلف شمال الأطلسي، والتي يطلق عليها إسم “نموذج القوة الجديدة”، مجرد خطة وعلى ضفتي الأطلسي، “كان أعضاء الحلف يتدافعون لتلبية إحتياجات أوكرانيا من المعدات، وقد بدأ التوتر يظهر بوضوح” هذا ماقاله أحد الخبراء حول صعوبات التمويل التي تفاقمت بسبب الأزمات الاقتصادية والتعزيزات الموعودة لميزانيات الدفاع لأعضاء الاتحاد الأوروبي. فعلى نحو متزايد، أصبح الأمر يتعلق بالبنوك أكثر من الدبابات وسواء كان ذلك تحت رعاية حلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي، فإن لب المشكلة هو أن الحكومات الأوروبية قدمت وعوداً لا تستطيع الوفاء بها.

وزير الخارجية الإيطالي “أنطونيو تاياني” صرح بأن الاتحاد الأوروبي يجب أن يشكل جيشاً مشتركاً ليلعب دوراً في حفظ السلام ومنع نشوب الصراعات.

وأضاف تاياني في مقابلة مع صحيفة “لا ستامبا” الإيطالية أن التعاون الأوروبي الوثيق في المجال العسكري يمثل أولوية مطلقة اليوم بالذات هذا شرط مسبق أساس ليكون لدينا سياسة خارجية أوروبية فعالة وفق تعبيره “

إن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لديها جيوشها الوطنية الخاصة، وأي جهود لإنشاء قوة عسكرية أوروبية موحدة سوف تتطلب قدراً كبيراً من التنسيق السياسي واللوجستي والاستراتيجي بين الدول الأعضاء.

ويزعم أنصار إنشاء جيش أوروبي موحد أن هذا الجيش قادر على تعزيز قدرة الاتحاد الأوروبي على الإستجابة للتحديات الأمنية، وتحسين الكفاءة، والحد من إزدواجية الجهود.

ومع ذلك، هناك أيضًا مخاوف وعقبات، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالسيادة الوطنية، والسياسات الدفاعية المتباينة، والإختلافات في القدرات العسكرية بين الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي والحاجة إلى إتفاق بالإجماع.

       مناورات وتسليح مشترك

المناورات:

 تشكل خطوة متقدمة نحو بناء “الذراع العسكرية الأوروبية” المرجح أن تكتمل في عام 2025، وستكون نواتها الأولى “قوة الانتشار أو التدخل السريع” بقوام 5 آلاف مقاتل.  أضافة الى كون قيادة هذه القوة المشتركة ستنتقل، عند إكتمالها، من هيئات الأركان الوطنية إلى “القدرة العسكرية للتخطيط والتنفيذ” التابعة لهيئة الأركان الأوروبية الموحدة… وفقا لتقارير أمنية مطلعة.

التسليح:

تعتزم بلدان الإتحاد إطلاق برنامج تسليح مشترك فيما بينها، كانت دعت إليه المفوضية الأوروبية على لسان الممثل الأعلى لخارجيتها جوزيب بوريل، والذي قال:

 “يجب أن نتحرك للتعافي من سنوات نقص الإنفاق على الدفاع نحو الانتعاش ونحو الفوز بالمستقبل من خلال بناء قدرة دفاعية أوروبية حقيقية (…) علينا أن ننفق بشكل أفضل، وأفضل طريقة للإنفاق بشكل أفضل هي الإنفاق بطريقة منسقة“.

ومن أبرز ما جاءت به هذه التقارير، عزم أوروبا على تشكيل قوّة عسكرية مشتركة قوامها خمسة آلاف فرد بحلول 2025، للتدخّل في حال وقوع مجموعة من الأزمات ودون الاعتماد على الولايات المتحدة ويكون هذا المشروع بالتالي هو السبيل الوحيد في توحيد القوات وتعزيز، ليس فقط القدرات بل أيضاً إرادة التحرك الأوروبي دون تبعية البنتاغون. وهو ما يثبت فرضية  أنّ الاتحاد صار خارج حسابات أمريكا الدفاعية.

خلاصة :

يُضاف إلى ما سبق أن المخاوف الأمريكية من أنشاء مشروع جيش موحد أوروبي مرده أن يضر وجود هذه القوة بمصالحها الاستراتيجية في أوروبا، وهو الأمر الذي دفع وزيرة الجيوش الفرنسية السابقة، فلورانس بارلي، إلى  بعث رسالة الى قيادة الناتو جاء فيها:

  “لا مخاوف من أداة دفاع أوروبية مشتركة، وأنّ الولايات المتحدة ستستمرّ في الإستفادة من القدرات الدفاعية الأوروبية التي سيقودها الجيش المشترك“.