“مشروع الحزام والطريق”: أي فرص تصنعها الصين في إفريقيا
سوار فطايمية قسم العلاقات الدولية والشؤون الإستراتيجية 31/07/2024
تقديم :
في السنوات الأخيرة، أصبحت إفريقيا ساحة للتنافس بين القوى العالمية الكبرى. وبينما تتنافس هذه القوى على النفوذ، برزت الصين كواحدة من اللاعبين الرئيسيين بفضل مبادرة الحزام والطريق، التي تهدف إلى تعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية بين الصين والدول الإفريقية. تأتي هذه المبادرة في وقت تسعى فيه الدول الإفريقية إلى تطوير بنيتها التحتية وتعزيز قدراتها الاقتصادية، مما يجعلها شريكًا مثاليًا للصين في تحقيق أهدافها الاستراتيجية.
ما هي مبادرة الحزام والطريق؟ نظرة تاريخية
في عام 2013، أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة الحزام والطريق وهو مشروع ضخم يهدف إلى بناء شبكة من البنية التحتية التي تربط الصين بالعالم من خلال الطرق البحرية والبرية. تتكون المبادرة من مسارين رئيسيين: الحزام الاقتصادي لطريق الحرير الذي يمتد عبر آسيا وأوروبا، وطريق الحرير البحري الذي يربط الصين بجنوب شرق آسيا وأفريقيا وأوروبا عبر المحيط الهندي.
تهدف المبادرة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول، وتطوير البنية التحتية، وتحفيز التجارة والاستثمار. تشمل المبادرة مجموعة واسعة من المشاريع مثل بناء الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات، بالإضافة إلى تحسين الاتصالات والطاقة والبنية التحتية الرقمية. منذ إطلاقها، حققت المبادرة تقدمًا كبيرًا، حيث انضمت إليها أكثر من 140 دولة ومنظمة دولية. تعد إفريقيا واحدة من القارات الرئيسية التي تستفيد من مبادرة الحزام والطريق، حيث قامت الصين بتمويل وتنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية في مختلف الدول الإفريقية
دور الصين المتصاعد في إفريقيا
منذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق، قامت الصين باستثمارات ضخمة في العديد من الدول الإفريقية. تشمل هذه الاستثمارات بناء الطرق والموانئ والسكك الحديدية، مما يسهم في تعزيز التجارة والتنمية الاقتصادية. على سبيل المثال، خط سكة حديد مومباسا – نيروبي في كينيا، هو مشروع يهدف إلى تحسين النقل وتسهيل حركة البضائع بين الموانئ والمدن الداخلية. تشكل هذه المشاريع جزءًا من استراتيجية الصين لتعزيز وجودها في إفريقيا وتحقيق فوائد متبادلة للدول المشاركة
وبينما تعزز الصين استثماراتها في البنية التحتية، فإنها تركز أيضًا على قطاع الطاقة. على سبيل المثال، تساهم الصين في تمويل مشاريع الطاقة المتجددة مثل سد النهضة في إثيوبيا، الذي يهدف إلى توفير الطاقة الكهرومائية اللازمة لتلبية احتياجات النمو السكاني والصناعي. هذه الاستثمارات ليست فقط لتحسين البنية التحتية في إفريقيا، ولكنها أيضًا تعزز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الصين والدول الإفريقية، مما يتيح للصين تعزيز نفوذها في المنطقة
كما تلعب الصين دورًا رئيسيًا في تطوير قطاعات أخرى مثل الاتصالات والتكنولوجيا. من خلال توفير تمويل لمشاريع الاتصالات، تساهم الصين في تحسين الاتصال الرقمي في القارة الإفريقية، مما يعزز النمو الاقتصادي والابتكار. على سبيل المثال، قامت شركة هواوي الصينية بتنفيذ مشاريع واسعة النطاق لتطوير شبكات الاتصالات في العديد من الدول الإفريقية، مما يسهم في تحسين الوصول إلى الإنترنت وزيادة التفاعل الاقتصادي
التحديات والفرص التي تواجه مبادرة الحزام والطريق في إفريقيا
رغم الفوائد الكبيرة التي تحققها مبادرة الحزام والطريق في إفريقيا، تواجه الصين تحديات عديدة في تنفيذ مشاريعها. من بين هذه التحديات التوترات السياسية والاقتصادية في بعض الدول الإفريقية، والتي يمكن أن تؤثر على استقرار الاستثمارات الصينية. بالإضافة إلى ذلك، تواجه الصين انتقادات بشأن شروط القروض التي تقدمها، حيث يعتبر البعض أنها تزيد من أعباء الديون على الدول المستقبلة. هذه القروض التي كانت في السابق مصدرًا رئيسيًا لتمويل مشاريع البنية التحتية في إفريقيا، شهدت تراجعًا خلال جائحة كوفيد-19، مما أثر على بعض المشاريع الجارية
تواجه الصين أيضًا تحديات بيئية. تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبيرة يمكن أن يؤثر على البيئة الطبيعية ويؤدي إلى نزاعات مع المجتمعات المحلية. على سبيل المثال، قد يؤدي بناء السدود والطرق إلى تهجير السكان المحليين وتدمير موائل الحياة البرية. لهذه الأسباب، تحتاج الصين إلى تطوير سياسات تضمن تنفيذ المشاريع بطريقة مستدامة وصديقة للبيئة
ومع ذلك، توفر المبادرة أيضًا فرصًا كبيرة للدول الإفريقية. حيث تساهم في تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة. على سبيل المثال، يمكن للطرق والسكك الحديدية الجديدة أن تساهم في تحسين حركة البضائع وتقليل تكاليف النقل، مما يعزز التنافسية التجارية للدول الإفريقية. كما أن الاستثمارات الصينية في قطاع التعدين تعزز استخراج المعادن الضرورية لتحول الطاقة العالمي، مما يسهم في تعزيز اقتصاديات الدول الإفريقية
الانتعاش الصيني في إفريقيا بعد كوفيد-19
شهدت الصين انتعاشًا ملحوظًا في أنشطتها الاقتصادية في إفريقيا بعد تراجعها خلال جائحة كوفيد-19. وقد أظهرت البيانات أن الاستثمارات الصينية الجديدة في إفريقيا زادت بنحو 114% في العام الماضي، مع تركيز كبير على قطاع التعدين. يهدف هذا الانتعاش إلى تعزيز الروابط الاقتصادية بين الصين والدول الإفريقية، وتأكيد التزام الصين بدعم تطوير القارة
ركزت الاستثمارات الصينية بشكل كبير على المعادن الضرورية لتحويل الطاقة العالمي، مما يعكس استراتيجية لإنعاش اقتصادها المتعثر. وفي الوقت نفسه، تضخم العجز التجاري لقارة إفريقيا مع الصين، حيث لا تزال الصين تستورد المواد الخام الإفريقية بينما تعاني من تراجع في صادرات المنتجات الزراعية والسلع المصنعة من إفريقيا
تراجع الإقراض السيادي الصيني الذي كان المصدر الرئيسي لتمويل البنية الأساسية في إفريقيا لأدنى مستوياته منذ عقدين، كما لم تزدهر الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتي دعت لها الصين باعتبارها الأداة الاستثمارية المفضلة الجديدة على مستوى العالم. والنتيجة هي علاقة تهيمن عليها واردات المواد الخام الإفريقية على نحو أكثر مما تطمح إليه الصين على حد قولها
وفي الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى تحسين توازن العلاقات التجارية، فإنها تعلن عن خطط جديدة لتعزيز التعاون مع الدول الإفريقية. على سبيل المثال، في قمة عقدت في جوهانسبرغ، أعلن الرئيس الصيني عن خطط لدعم التصنيع والتحديث الزراعي في القارة، وهي قطاعات تعتبر أساسية لسد الفجوات التجارية وتنويع اقتصادات الدول الإفريقية. كما تعهدت الصين بزيادة الواردات الزراعية من إفريقيا، مما يسهم في تحقيق توازن أفضل في العلاقات التجارية
التأثيرات الاجتماعية والثقافية لمبادرة الحزام والطريق في إفريقيا
إلى جانب الفوائد الاقتصادية، تمتد تأثيرات مبادرة الحزام والطريق إلى الجوانب الاجتماعية والثقافية في إفريقيا. من خلال تعزيز التبادل الثقافي والتعاون الأكاديمي، تسعى الصين إلى تعزيز الفهم المتبادل بين شعوب الصين والدول الإفريقية. على سبيل المثال، توفر الصين منح دراسية للطلاب الأفارقة للدراسة في الجامعات الصينية، مما يسهم في تعزيز التعليم وبناء قدرات الشباب الإفريقي
كما تسهم المبادرة في تعزيز التبادل الثقافي من خلال الفعاليات الثقافية والفنية التي تنظمها الصين في إفريقيا. إذ تقوم الفرق الفنية الصينية بزيارات إلى الدول الإفريقية لتقديم عروض فنية وثقافية، مما يسهم في تعزيز التفاهم الثقافي وتعزيز الروابط بين الشعوب. هذه الفعاليات تسهم في تعزيز العلاقات بين الصين وإفريقيا على مستوى الشعوب، مما يعزز التعاون الشامل بين الجانبين
الخاتمة :
تمثل مبادرة الحزام والطريق الصينية في إفريقيا خطوة هامة نحو تعزيز التعاون الدولي وبناء جسور جديدة نحو المستقبل. من خلال التركيز على البنية التحتية والطاقة والاتصالات، تساهم الصين في تعزيز التنمية الاقتصادية وتحقيق الفوائد المتبادلة للدول المشاركة. ومع مواجهة التحديات والفرص، تظل هذه المبادرة رمزًا للتعاون والشراكة بين الصين وإفريقيا، ونافذة نحو مستقبل مشرق ومزدهر للجانبين.