مخطط التهجير والتوطين : المفاعل الإرهابي الأخطر في افريقيا و المتوسط
اعداد فاتن جباري: قسم البحوث والدراسات الدولية
المراجعة: الدكتورة بدرة قعلول
تقديم
يقول “أورين بنيون”وهوأحد مستشاري الأمن بالخارجية الإسرائيلية أثناء حكم (بيغن1977-1981) في مقال كتبه عن خطة لتقسيم العالم العربي إلى دويلات عرقية وطائفية،على اعتبار أن ذلك يمثل الحل الأمثل لما سيواجهه الغرب عموما والصهيونية على وجه الخصوص من تحديات أمنية في المستقبل حيث قال:
“إن العالم العربي والإسلامي يعج بالكثير من المشاكل والأيدي الفرنسية والبريطانية التي رسمت حدوده في العشرينات أي منذ اتفاقية “سايكس- بيكو”،غير أمينة حيث لم تأخذ في الاعتبار رغبة السكان القاطنين في تلك البلاد فقد قسمت هذه البلاد وجزئت تعسفياً إلى دول، بينما كل دولة مكونة من أقليات وجماعات عرقية… واليوم أمامنا فرصة ممتازة لتغيير المواقف بدقة متناهية وهذا ما يجب عمله خلال العقد المقبل وإلا فإننا لن نستمر ولن يعود لنا بقاء كدولة ولن يمتلك الغرب ثروات ولن يكون هناك محرك جديد للعالم لو فقدنا مصادر الطاقة والغاز ومنابع الماء وسلة الغذاء، فإنه سيتعين على القوى المتحكمة أن تقوم بإجراء تغييرات جوهرية على المستوى نظامها الدولي السياسي والاقتصادي و كذلك تغييرات جذرية متطرفة على مستوى السياسة الخارجية وذلك من أجل مواجهة التحديات العالمية والإقليمية في هذه الحقبة الجديدة.
الى حد اللحظة ليست هناك من حقيقة ثابتة وموثوقة تفضي الى رفع الستار الذي اقلق العالم بأسره في ماهية وكينونة ومصدر صناعة هذه السياسة الدولية المتطرفة بمقاييسها الحربية والاستعمارية وحتى الناعمة او المتخفية والتي يعتقد بأنها ارث صهيوني يأصل لنظرية بنقريون الجديدة في حكم القارات وصناعة المستوطنات ونهب الثروات.
لكن البحث في حقيقة وما حصل وما يحصل وما سيحصل من ازمات وصراعات دموية وحروب على الحدود والارض في البر وفي عرض البحر سيكون أشبه بالبحث عن شبكة عنكبوتية معقدة جدا تمتد انسجتها و خيوطها لتتوزع على كل القارات وفوق هذا النسيج المعقد والمنظم في آن توجد بيئة اخرى وأرضية جغرافية تحكمها الأخطبوطات الدولية المتحكمة في مسالك الاقتصاد العالمي وتجارة النفط والغاز والمعادن والسلاح والمخدرات وكل المواد والسلع الضرورية من القمح والذرة وكذلك البشر.
فما علاقة الارهاب بكل هذا و كيف تحولت هذه المنظومة الدولية المستعملة “الارهاب” لبرمجية فتاكة قابلة للتطبيق على كل السياسات وفي كل أقطار العالم؟
وكيف ينشط الارهاب تحت بوتقة الجريمة المنظمة العابرة للقارات والحدود من خلال شبكات ارهابية كبيرة ضالعة في تجارة البشر وتهريب المهاجرين والإتجار بالمخدرات والسلاح وتحتكر قنوات التجارة البحرية المعروفة عالميا وحتى الطرق البرية الدولية ؟
صناعة الارهاب و الجريمة المنظمة: فلك واحد
لقد افضت هذه الفكرة الى فرضية خطيرة مفادها هذا الارتباط الوثيق بكيانات دولية وقوى ضغط عالمية هي من تتحكم في كل كبيرة وصغيرة ضمن هذه الشبكة الدولية، وبالتالي يمكن القول بأن قضية صناعة الإرهاب تعد إحدى التحديات الكبيرة التي تواجه المجتمع الدولي لاسيما كونها إحدى العوائق التي تحد من جهود مكافحة الإرهاب على الصعيدين الدولي والإقليمي وفي ما يتعلق بأنشطة هذه المنظمات الإجراميةكالإتجار بالمخدرات، والاتجار بالبشر، والهجرة غير المشروعة، والهجمات السيبرانية، وتهريب الاثار والعملة، واختراق النظم المالية، و الفساد السياسي.
وبحسب تقارير منظمة النزاهة المالية العالميةراوحت تقديرات العائدات المالية من الاتجار بالأنشطة غير المشروعة للمنظمات الإجرامية عبر الوطنية لعام 2015، من 1.6 تريليون إلى 2.2 ترليون دولار أمريكي، في حين راوحت تقديرات تلك العائدات المالية لعام 2005 من 0.639 تريليون إلى 0.651 تريليون دولار ومعنى هذا أن حجم تلك الأنشطة غير المشروعة لمنظمات الجريمة عبر الوطنية، قد تضاعف نحو ثلاثة أضعاف بين العامين، أي في أقل من عشرة أعوام وتتزايد هذه العائدات بوتيرة صاروخية لتحقق أعلى معدلاتها خلال الاعوام الاخيرة .
وفي الحقيقة، فإن نشاط المنظمات الإجرامية عبر الوطنية لا يقتصر على تلك النشاطات التجارية وحسب، فهناك نشاطات لا يمكن قياسها والتعرف إلى حجمها بدقة، لأن هذه المنظمات الإجرامية تمارس كل عمل غير مشروع كما أنها تَعقد تحالفات وصفقات مع غيرها من الأطراف كالجماعات الإرهابية والدول – كما سيتبين – وتطور في طبيعة الأهداف التي تسعى لتحقيقها لذا، فإن محاولة قياس عائدات هذه المنظمات وحجم نشاطاتها أمر مستحيل.
إلا أن الأمر الذي أكدَّه جميع المراقبين والمختصين، أن هذه المنظمات ازدادت في حجمها وأنشطتها وتأثيراتها في جميع أنحاء العالم وسوف تشهد زيادة في ذلك مستقبلاً حيث كشف تحليل أجراه “معهد الدراسات الأمنية” بجنوب إفريقيا أنَّ الجماعات الإرهابية تمول عملياتها من خلال التجارة غير المشروعة فتنهب أموال الاقتصادات المحلية وتقوم بإيداعه في بنوك سرية في أحد طرفي السلسلة المالية العالمية وتهدد الأمن الإقليمي وهذا الامر شديد التعلق بتنوع منابع تمويل الارهاب حول العالم ككل وبتورط وتواطئ الساسة والحكام والنافذين الحكوميين من ذلك ان إتجار الجماعات الإرهابية بالموارد الطبيعية يعتبر من أبرز الإشكاليات التي تؤرق دول القارة الافريقية مثل جمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي والغابون وغيرهم، ومن هنا يتأكد وجود الكثير من القواسم المشتركة ين الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة من حيث العمليات المركزية أو طريقة تمويل الأنشطة العابرة للقارات سواء من خلال المسالك البرية والبحرية او حتى الجوية ومن خلال الموانئ والمطارات والطرق الصحراوية وعبر البحرأو طريقة تمويل الأنشطة الاجرامية المنظمة”فلا يقتصر الأمر على أنهم يزدهرون من نفس الظروف (غير القانونية)، بل تزايدت صعوبة الفصل بين العناصر الإرهابية والشبكات الإجرامية لتصبح مربعا واحدا”.
وفي الحقيقة، فإن نشاط المنظمات الإجرامية عبر الوطنية لا يقتصر على نشاطات الارهاب والتهريب فحسب بل هناك نشاطات لا يمكن قياسها والتعرف إلى حجمها بدقة، لأن هذه المنظمات الإجرامية تمارس كل عمل غير مشروعكما أنها تَعقد تحالفات وصفقات مع الجماعات الإرهابية والكيانات والدول والمافيا وهو مانجم عنه تطور في طبيعة الأهداف التي تسعى لتحقيقها ومن بين اخطر هذه الاهداف هو التغلغل ضمن الوازع السيادي للدولة في ما بات يعرف ب”التهجير والتوطين” فبالنظر الى أزمة المهاجرين الأفارقة في تونس بات متأكدا انه لا أحد قادر على حصر أعداد أفارقة جنوب الصحراء في تونس حيث لا وجود لأرقام ثابتة تهم العدد الجملي للجاليات الإفريقية النشيطة وعدد المواليد الجدد.
وخلق هذا الفراغ تخوفات حقيقية من عمليات استيطان غير آمنة في ظل تدفق المهاجرين إلى تونس عبر المناطق الصحراوية الرابطة بين تونس والجزائر من جهة أو بين تونس وليبيا من جهة أخرى بعد أن تكثفت الحركية هناك وتسلل المهاجرون أساسا إلى الحدود التونسية والجزائرية جنوبا.
كل هذه المعطيات لئن كانت تشكل تخوفا أمنيا في ظل ارتفاع الأنشطة الإجرامية لبعض الجاليات الإفريقية من تدليس للعملة والوثائق الرسمية الخاصة بالإقامة والشهائد العلمية، فإنها تشكل أيضا خطرا على الأمن القومي بعد تسجيل تطورا لامس أفق 700 ألف إفريقي.
وفي تقرير عن “مركز الدراسات الإستراتيجية والدولیة الأمريكي” قدر عدد الوافدين على تونس بـ 60 ألفاً، وعلى الرغم من أن عدد المهاجرين من منطقة أفريقيا، جنوب الصحراء، إلى تونس يُعد الأقل وفق هذا التقرير فقد أشار إلى أن عددهم تضاعف في تونس بين عامي 2004 و2014 ويأتي ھؤلاء أساساً من مالي والكاميرون وكوت ديفوار والنيجر والسنغالفي اطار تنظيمات اجرامية دولية وشبكات تهريب للبشر لذلك باتتمحاولة قياس عائدات هذه المنظمات وحجم نشاطاتها أمر مستحيل، إلا أن الأمر الذي أكدَّه جميع المراقبين والمختصين أن هذه المنظمات ازدادت في حجمها وأنشطتها وتأثيراتها في جميع أنحاء العالم وسوف تشهد زيادة في ذلك مستقبلاً.
التهجيروالتوطين : إرث بنقريون والاتفاقيات الابراهيمية
قضية الارض والهويةمعلوم أن أحد مجالات الصراع الأساسية هو الأرض باعتبارها مصدرا للعيش والحياة واليوم لا يزال “ارث بنقريون في اغتصاب الارض” يصادر القوميات ويمحق كل ارث تاريخي مشترك ومنها قضية القدس المحتلة وخصوصية الاديان حيث لا يزال الشعب الفلسطيني يناضل من اجل حماية ما تبقى من ارضه و عرضه ….
الاتفاقيات الإبراهيمية: تهدف هذه الاتفاقيات إلى تهويد الثقافة والإيديولوجيا وإلغاء خصوصية الأديان، وبالتالي تكريس قوة وسيطرة إسرائيل على المنطقة وتزايد نفوذها في منطقة الشرق الاوسط وافريقيا وفي العالم.
وهكذا يتضح أنّ فكرة الاتفاقيات الإبراهيمية تنطلق من منشأ الميثولوجيا السياسية الإسرائيلية وتتوافق مع المنهج الميتوبوليتيكي (الديني والسياسي) الإسرائيلي، وتكرّس الوجود الإسرائيلي في المنطقة والعالم على مبدأ إبراهيمي يشرّع وجودها ويمنحها المبرّر التوسّعي على حساب جغرافيّات المنطقة العربية، مشفوعًا بالدبلوماسية الروحية المستوحاة من النزعة الإبراهيمية في العلاقات بين الدول التي تدين بالإسلام والمسيحية إضافة إلى اليهودية.
رؤية إسرائيلي: تسعى إسرائيل وفق رؤية جيوبوليتيكية عقائدية إلى تشكيل الدولة الفدرالية الموعودة مع الدول العربية من خلال الاتفاقيات الإبراهيمية، والتي أعدّتها وزارة الخارجية الأمريكية، بحيث تشمل الدول العربية الممتدّة من الفرات إلى النيل (مصر، الأردن، فلسطين، سوريا، لبنان، العراق)، وتتعدّاها إلى (الأمارات العربية، السعودية، اليمن، قطر)، ثم (السودان، جيبوتي، ليبيا)، والمغرب العربي (تونس، الجزائر، المغرب)، والتي يدّعي اليهود وجودًا تاريخيًّا لهم فيها.
مشروع “الولايات الإبراهيمية المتحدة” كفدرالية تقودها إسرائيل وتسيطر عليها الصهيونية في العالم على أن تكون القيادة الفدرالية لإسرائيل، مشروع عالمي دخل حيز النفاذ وصادقت عليه دول عدة بما يعرف بأتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني من”حدود النيل إلى الفرات”، والمغرب هي سادس دولة عربية بعد كل من مصر و الاردن و الامارات و البحرين و السودان، و هو ما يترجمه الوضع الدولي الراهن عقب الحرب في السودانوتوسع رقعتها الى الاقاليم المجاورة دارفور والصومال…
و اذ تنتهج اسرائيل كل الورقات السياسية حيث تراهن المغرب لأجل الاعتراف بسيادتها المغربية على الصحراء الغربية وهو ما كان الورقة الرابحة للاعتراف بالكيان الصهيوني وبضم الصحراء الغربية البوليساريو ضمن مناطق مشروعها الاستراتيجي العالميوقد أصدرت جامعة هارفرد وثيقة بهذا الخصوص سُمّيت “مسار إبراهيم” في العام 2013 وتبعتها جامعة فلوريدا، وتناولت وثيقتها مشروع“الاتحاد الفدرالي الإبراهيمي”.
المستوطنات في القانون الدولي
تعتبر إقامة المستوطنات في القانون الدولي -بالإضافة إلى نقل سكان الدول المحتلة إلى الإقليم المحتل- مناقضة لكل المبادئالدولية وميثاق الأمم المتحدة (ميثاق جنيف الرابع حول قوانين الحرب في عام 1949) ويفصل الميثاق سلسلة طويلة من المحظورات المفروضة على قوة الاحتلال.
وجوهر الميثاق في هذه الحالة “يحظر على المحتل توطين سكانه في الأراضي المحتلة”، وهو ما أعادت التأكيد عليه العديد من قرارات الشرعية الدولية سواء في ذلك قرارات مجلس الأمن الدولي أو الجمعية وقد ازداد عدد المستوطنين بوتيرة متسارعة حيث عرفت القضية الفلسطينية بعدا تاريخيا مدولا و مدويا.
افريقيا والمتوسط هي نقطة هامة في المشروع الصهيوني العالمي فهده المنطقة التي تزخر بإرث انساني طبيعي هام وتعاقبت عليها امم وحضارات تترجم في سياق تاريخي رمزية التوع العرقي والاثني ومركزية افريقيا كقطب عالمي استشرافي جعلتها محل اطماع واستدامة للأزمات والصراعات والحروب والدماء احدى ابرز سيناريوهاته ومخططاته هو صناعة الإرهاب في القارة.
افريقيا والمتوسط : الارهاب صناعة واقتصاد متطور
يشتمل الإرهاب على مجموعة من التهديدات المعقدة ويواجه المتوسط وأفريقيا تحديات أمنية بحرية وبرية وجوية خطيرة على غرار الإتجار بالبشر والمخدرات والسلاح والمتاجرة بالأعضاءوالجريمة السيبرنية كذلك القرصنة، والاختطاف والاستحواذ على الثروات كآبار النفط ومناطق المياه… .
إنّ أكثر الطرُق فعالية من حيث التكلفة لنقل كميات ضخمة من السلع والمواد الخام في العالم هي عبر المحيطات والمياه الساحلية ويتم نقل أكثر من 90 في المائة من سلع العالم عن طريق البحر كلها تهديدات مباشرة للسفن التجارية والبحارة.
اما عن علاقة الارهاب بالهجرة فتسعى التنظيمات الاجرامية -الارهابية الى رسم مسالك حدودية لتهريب المهاجرين سواء بتهجيرهم نحو القطر الأوروبي، اوبالإتجار بهم في المفترقات الحدودية او مابات يعرف بقوارب الموت وممارسة شتى انواع الاستغلال والتطويع من خلال معسكرات او ذئاب منفردة تنشط وفق مختلف الاليات المتاحة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وحتى في قنوات الاعلام من خلال نشر ثقافة التطرفكما تحرّض الجماعات الإرهابية الأفراد في جميع أنحاء العالم وأغلبهم من الشبابعلى مغادرة ديارهم والسفر إلى مناطق الصراع،كالعراق وسوريا وبشكل متزايد في ليبيا وقد تغيرت طريقة استهداف المجنَّدين وزرع ثقافة التطرف فيهم، فازداد التركيز على وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الرقمية الأخرى.
فالمجموعات الموالية لتنظيمي القاعدة وداعش الناشطة في أرجاء المنطقة، فضلا عن التهديد الذي تطرحه جماعة بوكو حرام في الجنوب، زادت من وطأة انعدام الأمن في بلدان الساحل بفعل النزاعات المسلحة والإرهاب والجريمة المنظمة عبر الوطنية مثل الهجرة غير المشروعة وتهريب المهاجرين والاتجار بالمخدرات.
فيما بعد تحولت هزيمة تنظيم داعش إقليميا في سوريا والعراق إلى تهديد أكثر انتشارا وأسرع تغيرا وأشد زعزعة للاستقرار فالأمر لا يتعلق بتنظيم بمفرده ولا بنزاع قبلي أو طائفي أو عرقي وحيد ولا حتى بقارّة بعينها إنه تهديد إقليمي مركّب ومتشعب تشكل مظاهر التمرد التي تنشأ في إطاره على الصعيد المحلي تربة خصبة للمجموعات الإرهابية كشبكات إجرامية منظمة ومصطنعة ضالعة في الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين والمخدرات والسلاح.
وقد اعتُبرت قدرة الشبكات على التكيف تحدّيا بارزا أمام أجهزة إنفاذ القانون لأن هذه المجموعات لا تأبه للحدود الوطنية والإقليمية في سعيها لجني المزيد من الأرباح ولمكافحة هذه الشبكات بشكل فاعل يجب أن تكون الأجهزة الأمنية قادرة على التكيف مثلها وأكثر استعدادا في حصرها وكبح اطرافها والتعرف على بياناتها ووجهتها.
الجريمة المنظمة عبر الوطنية والإرهاب
رغم الفارق بين الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية من حيث الدافع فالمجرمون مدفوعون بتحقيق المكاسب المالية، أما الإرهابيون فمدفوعون لتحقيق أهداف سياسية أو دينية ومالية كذلك، إلا أن عدد من الجماعات الإرهابية تُمارس الأنشطة الإجرامية لدعم وتمويل أنشطتها هناك مثلاً تنظيمات إرهابية تمارس العمل بالمخدراتحيث كشفت الوكالة الأمريكية لمكافحة المخدرات أن ما يُقارب نصف المنظمات الإرهابية تمارس العمل بالمخدرات وتتاجر فيه فيما أسمته الوكالة بمصطلح “إرهاب المخدرات” أو الإرهاب المخدرلوصف الأنشطة التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية بالإتجار بالمخدرات لتمويل الإرهاب كما أن المنظمات الإجراميةولا سيما عبر الوطنية منها تمارس أحياناً نشاطات إرهابية لتحقيق مكاسب.ولكن الحقيقة العملية لأنشطة الارهاب تثبت وتؤكد مدى تشابك والارتباط الوثيق بين منظمات الجريمة عبر الوطنية والتنظيمات الإرهابية لتحقيق أهداف مُشتركةكما ساهمت منظمات الجريمة عبر الوطنية بتحالفاتها مع التنظيمات الإرهابيةفي نقل هذه الأخيرة إلى المستوى العالمي بما يُسمى تنظيمات الإرهاب عبر الوطنية ذات الانتشار العالمي.
وقد أشار عدد من دراسات العلاقات الدولية والدراسات الاستخباراتية إلى وجود تعاون وتحالف وطيد بين منظمات الجريمة عبر الوطنية والتنظيمات الإرهابية للدرجة التي أصبحت فيها هذه القوى جهات فاعلة على المسرح العالمي أو هي الترجمة الفعلية لسياسة دولية جديدة تتسم بالوحشية، تستغل قصور النظام المتمركز حول الدولة لتصبح طرفاً فاعلاً في هذا النظام.
كما أن التحالف بين منظمات الجريمة عبر الوطنية والتنظيمات الإرهابية، لا يقتصر على جعلهما أطرافا اقتصادية وسياسية فاعلة على المسرح العالمي، وإنما يجعلها أطرافاً عسكرية عنيفة أيضاً وذلك، لقدرتها على الوصول إلى أسلحة الدمار الشاملويؤكد العديد من الخبراء أن العمل بأسلحة الدمار الشامل هي إحدى ركائز أنشطة منظمات الجريمة عبر الوطنيةلذلك فإن التحالف بين هذه المنظمات الإجرامية مع التنظيمات الإرهابية سيُساعد الإرهابيين والدول على الحصول على أسلحة الدمار الشامل و خطر التهريب او بالمتاجرة بمايسمى بالتكنولوجيا النووية لأطراف دولية غير معلومةلذلك فإن خطر منظمات الجريمة عبر الوطنية والمنظماتالإرهابية الإجرامية العالمية، لا يقتصر على إمكان استخدامها للأسلحة النووية وحسب وإنما لأسلحة دولية محظورة و خطيرة كالأسلحة البيولوجية والكيميائية،وهذا مثّلَ تهديداً متزايداً ولا سيَّما عندما تدخل الدول ضمن التحالف الإجرامي – الإرهابي عبر الوطني.
لذافهيلا تقتصر على الحصول على المكاسب المالية الاقتصادية كتحالفات بين منظمات الجريمة عبر الوطنية تسعى للسيطرة على الاقتصاد غير المشروع وإنما تسعى هذه التنظيمات الى السيطرة السياسية والاقتصادية التي يُعتبر تحالفها مع الجماعات الإرهابية إحدى سُبل تحقيق ذلك ولتحقيق نفوذها الإقليمي لأن من يمتلك السلاح يمتلك القوة.
فكيف تحافظ هذه التنظيمات الإجرامية الارهابية الدولية على ديمومتها ومصالحها وتواجدها في هذه البيئة الخصبة؟
تستخدم منظمات الجريمة عبر الوطنية أساليب متعددة، لتعزيز وإدامة أنشطتها، كتقديم الرشوة للمسؤولين وصُنّاع القرار في أجهزة الدولة، واستخدام التهديد أو الابتزاز أو العنف كما أن بعض تلك المنظمات الإجرامية تسعى للوصول إلى السلطة أي التسلل إلى أجهزة الدولة لتوجد لنفسها نفوذاً بيروقراطياً وسياسياً ومالياً تستطيع من خلاله بناء حيِّز آمن لتنفيذ أنشطتها.
إلا أن التفاعل المتزايد مؤخراً بين منظمات الجريمة عبر الوطنية والتنظيمات الإرهابية لم يقف عند ذلك الحدوإنما أدى إلى سقوط عدد من الحكومات بيد المجرمين فأمست تلك الحكومات مؤسسات إجرامية، في حين باتت حكومات أخرى تستخدم المنظمات الإجرامية عبر الوطنية كأحد أدواتها في الحكمودمجها في أجهزة الدولة لتحقيق مزايا مالية وعسكرية وسياسية فظهرت في إثر ذلك الدولة المجرمةعندما تواطأت الدولة وتحالفت مع المنظمات الإجرامية والإرهابية بحيث أصبح المجرمون والإرهابيون سياسيين ومسؤولين كباراً وتضاعف عدد السياسيين الذين هم بالأساس رؤساء وكبار أعضاء المنظمات الإجرامية عبر الوطنية والتنظيمات الإرهابية، حيث ظهرت تنظيمات – نماذج – جديدة لتحالفات منظمات الجريمة عبر الوطنية، وهي النماذج الهجينةالتي تتآزر وتتحالف فيها ثلاثة أطراف منظمات الجريمة عبر الوطنية و التنظيمات الإرهابية والدول.
بمعنى أن المنظمات الإجرامية والإرهابية تعمل بتأييد ودعم وحماية من الدولة، لكون هذه الأخيرة أحد أطراف المعادلة الإجرامية بحيث بدأت الدولة تُدخِل إلى هياكلها التكتيكية والحيوية، قوى وعناصر غير مشروعة كأحد أدوات الحُكم وباتت منظمات الجريمة عبر الوطنية وحلفاؤها من الإرهابيين، تحكم في المناطق الجغرافية التي تعمل وتنتشر فيها وتتحالف عالمياً مع من تشاء والامثلة كثيرة مثال ذلك ” دولة المافيا ” وهي التي تقوم بتقسيم الغنائم ومنع الصراعات بين القبائل المتنافسة من كبار الجهات الإجرامية بشكل أساسي.
أي أن الدولة في مثل تلك الحالات لا تكون هي ضحية المنظمات الإجرامية عبر الوطنية وحلفائها، بل تكون الدولة هي المُحرض الرئيسي للقيام بالأنشطة الإجرامية…فمصطلح الدولة المجرمة لا يُشير إلى تلك الدولة التي ارتكبت جريمة أو أُدينت بارتكابها وإنما ينطوي مفهوم “الدولة المجرمة” على سلوك إجرامي مُمنهج من قِبلها، يعني أكثر من مجرد التواطؤ في أعمال غير مشروعة من قِبل الأفراد الفاسدين الذين يشغلون مناصبها الرسمية فمفهوم الدولة الإجرامية يُشير إلى وجود نمط مستمر من المشاركة في الأنشطة الإجرامية، وتوافر الأصول والموارد الحكومية الكافية لدعم تلك الأنشطة.
فالدولة المجرمة تظهر عندما تتعاون مع المنظمات الإجرامية عبر الوطنية والتنظيمات الإرهابية ضمن تكتل واحد هجين وهذا ماحصل في تجارب دولية كثيرة.