زهور المشرقي-تونس
بعد أن بدأت تركيا أمس الأربعاء التاسع من أكتوبر2019، عملية عسكرية واسعة النطاق ضد قوات سوريا الديمقراطية ‘قسد’ ذات الأغلبية الكردية شمال سوريا، تعززت المخاوف وتفاقمت من هرب إرهابيي “داعش” المحتجزين هناك ، خاصة وأن الأكراد سخرّوا جميع قواتهم لصدّ الهجوم التركي.
هذه المخاوف ليست بالحديثة حقيقة، إذ برزت بعد تحذير أصدرته منظمة “هيومان رايتس ووتش”لحقوق الإنسان أوائل العام الجاري ، حيث عبّرت عن مخاوفها من نقل عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي من سوريا إلى مناطق أخرى وخطورة هؤلاء على المدنيين .
وكانت قوات سوريا الديمقراطية قد أعلنت تسليم الدولة العراقية 280 إرهابيا بينهم 13فرنسيا وأغلبيتهم عراقيون، مشددة على أن الرئيس العراقي برهم صالح قد توعّد بمحاكمتهم وفق “النظام القضائي العراقي “.
البنتاغون بدوره كان قد أكد أن عدد المقاتلين الذين تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية التي كانت تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية يعد بالآلاف، مشجعا على ضرورة إعادتهم الى بلدانهم وهم أكثر من 40دولة من بينها بلدان المغرب العربي.
المسؤولون الدوليون أعربوا مرارا عن قلقهم المتزايد إزاء مصير هؤلاء الإرهابيين خاصة بعد انتصار العراق منذ عام2017 على التنظيم الإرهابي داعش وبعد سحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قواته من شمال سوريا منذ أيام . ويأتي الغزو التركي المفاجئ للأراضي السورية، ليزيد من مخاوف انتقال الإرهابيين من تركيا إلى ليبيا ،حيث قال الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي أحمد المسماري إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعتزم إرسال مئات الإرهابيين الموجودين في سوريا إلى ليبيا عبر موانئ ومطارات طرابلس ومصراتة وزوارة.
وعلّق المسماري، على بدء تركيا عملية عسكرية شمال سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية التي تتكون أغلبيتها من الأكراد، قائلا إن الرئيس التركي ينوي إرسال هؤلاء الإرهابيين الفارين إلى ليبيا ما قد يشكل خطرا كبيرا على مستقبل البلاد التي تعيش الإنقسام.
ولفت الناطق الرسمي باسم الجيش إلى أن أنقرة تقوم بغزو في سوريا وتقتحم أراضي عربية أمام صمت عربي قاتل، مذكّرا بأن عددا كبيرا من الإرهابيين تم إطلاق سراحهم من السجون وباتوا بأيدي الأتراك ما يمثل خطرا على المنطقة بأكملها.
وبرغم الإعلان عن هزيمة تنظيم داعش الارهابي” وطرده من معاقله الحضرية في العراق وسوريا، إلّا أنّ الخوف من هجمات التنظيم الخارجية لايزال يحتل المرتبة الأولى في قائمة المخاوف العالمية حسب مسح قام به مركز “بيو” في أغسطس 2017.
وقد شغلت مسألة المقاتلين الأجانب الحكومات الغربية خاصة مع وجود أرقام مفزعة لهؤلاء بعد أن تحوّلت جبهة سوريا إلى أكبر ساحة لجذب المقاتلين الأجانب في التاريخ المعاصر.
ونظراً لخطورة الظاهرة وانعكاساتها على الأمن الإقليميّ والدوليّ، انشغلت المؤسسات الدولية، كالأمم المتحدة إلى جانب أجهزة الإستخبارات العالمية ومراكز الأبحاث الرسميّة والأهليّة، بتتبع موضوع المقاتلين الأجانب، ومحاولة فهم أسرار جاذبية تنظيمي داعش والقاعدة ، وخصائص الجبهة الشاميّة، ومعرفة الظاهرة على صعيد الأرقام والإحصاءات، والتعرف على جنسيات المقاتلين، وتوجهاتهم الأيديولوجيّة والفكريّة، وملاحقتهم وتتبع مصيرهم، وآليات التعامل معهم من خلال البرامج التقليدية العسكرية والأمنية، وكيفية التعاطي مع العائدين من خلال مقاربات العدالة الجنائيّة وبرامج إعادة التوجيه والدمج.
وتبقى مسألة التعامل مع ظاهرة المقاتلين الأجانب في الشرق الأوسط غير واضحة المعالم لدى عديد الدول حتى تلك التي دعت إلى إعادتهم إلى بلدانهم أو تلك التي رفضت استقبال إرهابييها كفرنسا والتشيك وإيطاليا، برغم كثرة الحديث عن برامج نزع التطرف الناعمة، إلّا أن المقاربات العسكرية والأمنية الصلبة هي المتبعة، وقد تنامت ظاهرة المقاتلين الأجانب بصورة جلية، ولا يمكن فصل تنامي ظاهرة المقاتلين الأجانب عن أجندة دولية وإقليمية ومحلية،وفق دراسة نشرها معهد العالم للدراسات لصاحبها الباحث الأردني في الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية.
وتضيف الدراسة: “لا جدال في أن الإعتماد على المقاربة الأمنية العسكرية الصلبة، وإهمال الأسباب والشروط والظروف الموضوعية التي أنتجت الظاهرة الجهادية عموما والمقاتلبن الأجانب خصوصا، أدت إلى نتائج كارثية.
وبالرغم من وجود إجماع على أن الديكتاتوريات الداخلية، والتدخلات الإمبرياليّة الخارجيّة، والصراعات الإقليمية الطائفية، المكرسة لتفشي الفساد وغياب العدالة والإنصاف هي الروافع الأساسية لأي عملية تطويع للمقاتلين، إلا أن السياسات الخاصة بمحارية الإرهاب تصر على ربط التطرف العنيف بالإعتقاد.
وإذا كانت الموجة الحالية من تطويع المقاتلين توشك على الأفول، فإن توقع موجات جديدة على المدى المتوسط أمرٌ لا مفرّ منه”.