محمد الراشدي: المصالحة الوطنية وبناء الدولة المدنية في ليبيا خيار حتمي في مواجهة التحديات المفصلية

تونس في: 29/05/2025، من المؤتمر الوطني الليبي نحو دولة القانون والمؤسسات
السادة مبعوثي البعثات الدبلوماسية المحترمين،
السادة: أعضاء فريق الحوار والمصالحة السياسية،
السادة: الحضور الكرام،
اسمحوا لي في البداية أن أتقدم إليكم بجزيل الشكر والتقدير على حضوركم ومشاركتكم في هذا الحدث الوطني البالغ الأهمية، والذي يأتي في مرحلة دقيقة تمر بها ليبيا، تتطلب منّا جميعًا أقصى درجات الحكمة والالتزام الوطني. كما لا يفوتنا أن نتوجه بخالص الشكر والامتنان للجمهورية التونسية الشقيقة، قيادةً وشعبًا، على استضافتها الكريمة لأعمال هذا المؤتمر، وعلى ما تبذله من جهود مشكورة في دعم مسار الحوار الليبي – الليبي، في إطار من الاحترام المتبادل وحسن الجوار.
إن التحديات التي تواجه بلادنا اليوم هي نتيجة تراكمات سنوات من الصراعات والانقسامات، والتي أثرت بشكل مباشر على مؤسسات الدولة، وعلى ثقة المواطن في المسار السياسي برمّته. ومن هنا، فإن إعادة بناء الثقة، واستعادة دور الدولة، وتعزيز الشرعية الشعبية، هي مسؤوليات مشتركة تتطلب تظافر الجهود كافة، سواء من قبل النخب السياسية أو من خلال الحراك الشعبي الواعي والمسؤول.
لقد آن الأوان لأن نرتقي جميعًا إلى مستوى تطلعات شعبنا، وأن نؤمن بأن الحل لا يمكن أن يُفرض من الخارج، بل يصنعه الليبيون أنفسهم، عبر الحوار الصادق، والتوافق البنّاء، والعمل المشترك من أجل مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة.
إن تلاقي الإرادات السياسية الصادقة مع وعي الحراك الشعبي يشكّل حجر الأساس لأي مشروع إصلاحي حقيقي. إذ لا يمكن لأي مسار سياسي أن ينجح دون دعم شعبي واسع، ولا يمكن لأي حركة شعبية أن تحقق أهدافها دون أفق سياسي واضح ومتماسك. ومن هذا المنطلق، فإن العمل التكاملي بين القيادات السياسية ومختلف شرائح المجتمع هو السبيل الأمثل لمعالجة آثار المرحلة الماضية، والانطلاق نحو مرحلة جديدة عنوانها الوحدة الوطنية وسيادة القانون.
إن استعادة الشرعية للشعب الليبي ليست مجرد شعار، بل هي ضرورة ملحّة يجب أن تُترجم إلى خطوات عملية، تبدأ بتهيئة الأرضية لإجراء انتخابات نزيهة، واستكمال المسار الدستوري، وتفعيل المؤسسات الرقابية، بما يضمن التداول السلمي على السلطة، ويكرّس مبدأ المشاركة الحقيقية في صنع القرار.
ختامًا، نؤكد مجددًا شكرنا وامتناننا لكل من ساهم في إنجاح هذا اللقاء، ونجدّد التقدير للجمهورية التونسية على احتضانها الكريم لهذا المسار، بما يعكس حرصها الصادق على استقرار ليبيا ووحدتها. ونتطلع جميعًا إلى أن يكون هذا المؤتمر خطوة ملموسة على طريق المصالحة الشاملة، والتأسيس لدولة مدنية قوية، يتساوى فيها الجميع أمام القانون، ويعلو فيها صوت المواطن فوق كل اعتبار.
حفظ الله ليبيا، ووفقنا جميعًا لما فيه الخير والصلاح لشعبنا ووطننا.