أخبار العالمبحوث ودراسات

محطات 2024 الساخنة: الشرق الأوسط في فوهة البركان

عام 2024 كان عامًا محمومًا في الشرق الأوسط، حيث شهد تداخلًا معقدًا بين الصراعات العسكرية والتطورات السياسية التي غيرت مسارات المنطقة. فبينما استمرت بعض الأزمات الطويلة في التأجيج، نشأت أخرى مع تعقيدات جديدة فاقمت الوضع الإقليمي بشكل غير مسبوق. في هذا السياق، يمكن استعراض أبرز المحطات التي شكلت تحولًا في مجريات الأحداث:

سوريا: من سقوط الأسد إلى المستقبل المجهول

في عام 2024، شهدت سوريا تحولًا تاريخيًا كانت ملامحه قد تجسدت على مر السنوات في موجات متتالية من الاضطرابات السياسية والأمنية. لكن ما كان غير متوقع هو السقوط المفاجئ لرئيس النظام بشار الأسد في ظل المظاهرات المتزايدة التي شهدتها المدن السورية، والتي أصبحت رمزًا للاحتجاجات الشعبية ضد حكمه، بعد سنوات. كما تفاقمت الأزمات الاقتصادية بشكل غير مسبوق، حيث فشل النظام في إيجاد حلول فعالة تعيد استقرار الوضع المالي والمعيشي للمواطنين، مما زاد من غضب الشارع السوري وزيادة الضغط.

يعد هذا السقوط نقطة فاصلة في تاريخ سوريا، حيث بدا أن النظام فقد السيطرة على الوضع في الداخل بعد أن عجز عن التعامل مع التنوع المعقد للفصائل المسلحة والمعارضة. في وقت كانت فيه الطائرات الحربية الروسية تحلق في سماء البلاد، انتهت فترة الدعم الروسي السياسي للأسد، وأصبح من الواضح رؤية تكالب القوى الدولية والإقليمية الأخرى لنيل نصيبها من سوريا.

فغياب الأسد لم يعني نهاية التوترات في سوريا. بل على العكس، فتح ذلك الباب أمام تحديات جديدة قد تكون أكثر تعقيدًا. حيث عمت الفوضى السياسية البلاد بعد رحيل الأسد ولم تقتصر على غياب قيادة موحدة، بل اشتد التنافس بين القوى الإقليمية والدولية لتوسيع نفوذها داخل الأراضي السورية. أبرز تلك القوى كانت إيران وتركيا والولايات المتحدة، التي كانت لكل منها مصلحة استراتيجية في تأكيد وجودها العسكري والسياسي داخل سوريا.

على الجانب الإيراني، استغلت طهران الفراغ السياسي لتوسيع نفوذها من خلال دعم الميليشيات الموالية لها، التي كانت تركز على الحفاظ على التأثير الشيعي في مناطق سوريا. في المقابل، استمرت تركيا في تعزيز وجودها في الشمال السوري، حيث كانت تدعم الفصائل المسلحة الموالية لها لتشكيل منطقة عازلة تهدف إلى مواجهة الميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.

أما الولايات المتحدة، فقد عادت إلى إعادة ترتيب أوراقها في المنطقة، مدفوعةً بمخاوف من تمدد النفوذ الإيراني. إضافة إلى ذلك، كان هنالك حضور أمريكي متزايد في شرق سوريا عبر الدعم العسكري للفصائل الكردية في المعركة ضد داعش، ما جعل مناطق النفط في هذه المنطقة محطًا لمزيد من التوترات.

وسط هذه الانقسامات، تزايدت المخاوف من أن تتحول سوريا إلى ساحة معركة دولية في المستقبل القريب. غياب القيادة الموحدة والمستقبل السياسي الضبابي ألقى بظلاله على الشعب السوري، الذي لا يزال يعاني من وطأة الصراع المستمر، مع غياب شبه كامل لآفاق السلام مع دخول العام الجديد.

لبنان: اغتيال نصر الله يغير خريطة القوى

في عام 2024، أحدث اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، زلزالًا سياسيًا في لبنان، وأدى إلى تغييرات عميقة في خريطة القوى السياسية والعسكرية في البلاد. وقع الحادث في عملية غير متوقعة، حيث تعرض نصر الله لعملية اغتيال لم تُكشف تفاصيلها بالكامل، ولكنها كانت صدمة هائلة للبنانيين وللمجتمع الإقليمي والدولي. كان نصر الله يشكل رمزًا للقوة السياسية والعسكرية لحزب الله في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط، وقد خلف اغتياله فراغًا كبيرًا في صفوف الحزب وداخل منظومته العسكرية والسياسية.

تسبب هذا الحدث في حدوث ارتباك داخل حزب الله، الذي كان يعتمد بشكل كبير على قيادته المركزية. فقد كان نصر الله يمثل الشخصية التي تجمع بين النفوذ الديني والسياسي، مما جعله من أكثر الشخصيات تأثيرًا في لبنان والمنطقة.

 ونتيجة لهذا الفراغ القيادي، بدأت تظهر خلافات داخل الحزب حول من سيخلفه، مما فتح باب التنافس على القيادة بين الأجنحة المختلفة داخل التنظيم.

على المستوى السياسي، أثار اغتيال نصر الله تحولًا مفاجئًا في موازين القوى بين الأحزاب السياسية في لبنان. فقد اشتد التوتر بين الأحزاب التي تدعم حزب الله، مثل التيار الوطني الحر وحركة أمل، وبين القوى التي تسعى إلى التقارب مع المجتمع الدولي ودعمه لإعادة تشكيل النظام السياسي في لبنان. وفي وقت كانت فيه القوى السياسية الموالية لإيران تسعى لتثبيت نفوذها، برزت في المقابل أحزاب وأطراف سياسية محلية تدعو إلى إعادة لبنان إلى الحظيرة العربية والدولية بعيدًا عن النفوذ الإيراني.

تصاعدت التوترات الطائفية والمذهبية في أعقاب اغتيال نصر الله، حيث ازدادت الهوة بين المكونات السياسية التي تنتمي إلى الطائفة الشيعية وتلك التي تمثل المجموعات السنية والمسيحية. كانت عملية الاغتيال بمثابة نقطة تحول في علاقات لبنان مع جيرانه ومع المجتمع الدولي، حيث كانت تداعيات هذا الحدث تتجاوز حدود لبنان الجغرافية.

وفي ظل هذا الوضع المتأزم، بات المستقبل السياسي للبنان غير واضح المعالم، فاغتيال نصر الله لم يغير فقط موازين القوى داخل الحزب، بل أدى إلى فتح جبهة جديدة من الانقسامات والصراعات الطائفية التي ستؤثر بشكل كبير على استقرار البلاد في السنوات القادمة.

غزة: حصار مستمر ومعركة البقاء وسط أزمة إنسانية غير مسبوقة

ظل قطاع غزة في عام 2024 مسرحًا لواحدة من أطول وأعقد الأزمات الإنسانية، حيث تراوحت المعاناة بين القصف الإسرائيلي المتصاعد والحصار المفروض على القطاع منذ سنوات طويلة. تواصلت الاشتباكات العنيفة بين قوات الاحتلال الإسرائيلي  وحركة حماس، التي ظلت تشن مقاومة مستمرة للعدوان الإسرائيلي، رغم الضغوط العسكرية والاقتصادية الكبيرة..

وشهد عام 2024 تصعيدًا غير مسبوق في الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت المدنيين والمرافق الحيوية في غزة، ما أدى إلى تدمير مزيد من المنازل والمستشفيات والمدارس، وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية.

ولم تسفر المفاوضات الإقليمية والدولية التي بُذلت جهود كبيرة لإحيائها عن أي تقدم يذكر، سواء على صعيد وقف إطلاق النار أو تحريك الملف الإنساني. بالرغم من محاولات التوسط من قبل أطراف مثل مصر وقطر والأمم المتحدة، إلا أن الاتفاقات المبدئية لم تجد طريقها إلى التنفيذ بسبب تعنت الأطراف المعنية واختلاف الأولويات بين القوى الفاعلة في المنطقة. وقد تسببت هذه الظروف في تفاقم الأوضاع الإنسانية، حيث غرق القطاع في أزمة غذائية وطبية غير مسبوقة، زادت من صعوبة الحياة اليومية لسكانه.

إيران: بين التحديات النووية والانفجار الإقليمي

شهد عام 2024 استمرار إيران في تعزيز برنامجها النووي، ما أثار قلقًا دوليًا متزايدًا وفتح الباب أمام تصعيد سياسي وعسكري في الشرق الأوسط. واصلت طهران تخصيب اليورانيوم بمستويات غير مسبوقة، بينما أعلنت مرارًا وتكرارًا أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية. في المقابل، زادت الضغوط الغربية، بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا، من خلال عقوبات اقتصادية جديدة وتلويح بخيارات عسكرية لمنع إيران من امتلاك قدرات نووية عسكرية.

على الصعيد الإقليمي، تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل في عام 2024 إلى مستويات خطيرة، خاصة في سوريا ولبنان، حيث شنت إسرائيل غارات متكررة استهدفت مواقع تابعة لإيران وحلفائها. وردت إيران من خلال وكلائها الإقليميين بشن هجمات صاروخية وطائرات مسيرة على أهداف إسرائيلية. كما شهدت الساحة السورية اشتباكات مباشرة بين القوات المدعومة من إيران والقوات الإسرائيلية، ما أثار مخاوف جدية من انزلاق الأوضاع نحو مواجهة عسكرية شاملة.

إقليمياً، عملت إيران على تعزيز نفوذها من خلال حلفائها في المنطقة. في لبنان، استغلت الأزمة السياسية المستمرة والفراغ الدستوري لتعزيز دور حزب الله كقوة مهيمنة. وفي العراق، واصلت طهران دعم الفصائل المسلحة الموالية لها، ما أثار انقسامات داخلية بين القوى السياسية العراقية. أما في اليمن، فقد استمرت إيران في دعم الحوثيين، ما أدى إلى استمرار الأزمة الإنسانية وتعطيل أي مساعٍ نحو تسوية سياسية.

وعلى الرغم من كل التحديات، حافظت إيران على علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا والصين، حيث شكّل هذا المحور تحالفًا متينًا ضد الضغوط الغربية. وتوسعت العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين طهران وبكين، بينما استمرت موسكو في دعم الموقف الإيراني في الملفات الإقليمية والدولية.

السعودية: الطموحات الكبرى تواجه تحديات إقليمية معقدة

واصلت السعودية خلال عام 2024 تنفيذ أهداف رؤية 2030 الطموحة، مركزة على التنويع الاقتصادي والحد من الاعتماد على النفط، إلى جانب تطوير القطاعات السياحية والصناعية والتكنولوجية. مشاريع ضخمة مثل “نيوم” و”البحر الأحمر” شهدت تقدمًا ملموسًا، حيث واصلت المملكة جذب الاستثمارات الأجنبية وتوطين الصناعات الحيوية. ومع ذلك، لم تكن الطريق نحو تحقيق هذه الرؤية خالية من التحديات، خاصة في ظل التوترات الإقليمية المستمرة والاضطرابات الأمنية في محيطها.

في الملف اليمني، لم تشهد الأزمة أي اختراق حقيقي، حيث استمرت المعارك بين التحالف العربي بقيادة السعودية والحوثيين المدعومين من إيران. وعلى الرغم من محاولات الرياض تكثيف الجهود الدبلوماسية عبر وسطاء إقليميين ودوليين للوصول إلى تسوية سياسية، فإن الأوضاع الميدانية المعقدة والضغوط الإنسانية الهائلة ظلت تشكل عقبة أمام أي حل دائم..

على الجانب الآخر، شهدت العلاقات السعودية-الإيرانية عامًا حافلًا بالتحولات. ورغم استئناف العلاقات الدبلوماسية في وقت سابق، فإن التوترات ظلت قائمة، خصوصًا مع تصاعد المواجهات غير المباشرة بين الطرفين في اليمن ولبنان وسوريا. حافظت الرياض على سياسة الحذر والتوازن في إدارتها لهذه الملفات، مع التركيز على حماية مصالحها الاستراتيجية وضمان أمنها القومي.

إقليميًا، عملت السعودية على تعزيز نفوذها في منطقة البحر الأحمر، باعتبارها منطقة استراتيجية تربط بين الأسواق العالمية ومراكز الطاقة. استثمرت الرياض في بناء تحالفات إقليمية مع دول مثل السودان وإريتريا وجيبوتي، لمواجهة أي تهديد محتمل من القوى الإقليمية المنافسة أو الجماعات المسلحة.

بشكل عام، عكست التحركات السعودية خلال عام 2024 رغبة الرياض في ترسيخ دورها كقوة إقليمية مؤثرة. لكن مع استمرار الأزمات في اليمن والشرق الأوسط، يبقى نجاح السعودية في تنفيذ رؤيتها الطموحة مرهونًا بقدرتها على إدارة هذه التحديات بمرونة وحنكة سياسية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق