محاولة عزل روسيا في سوق الاسلحة من خلال “كاتسا”
اعداد صبرين العجرودي قسم الدراسات والبحوث في العلاقات الدولية
مراجعة الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية
ما هو قانون “كاتسا” (قانون مكافحة اعداء امريكا من خلال العقوبات)The counteringAmerica’sAdversariesThrough Sanctions Act (CAATSA) ؟
هو قانون اتحادي يرتكز على مبدأ الضغط على خصوم الولايات المتحدة الامريكية من خلال العقوبات، تمّ إقرار هذا القانونفي مجلس الشيوخ الامريكي في 2 أغسطس من عام 2017 خلال المؤتمر 115 98-2 في عُهدة الرئيس الامريكي السابق “دونالد ترامب”وأصبح حيّز التنفيذ منذ عام 2018 بعد أن نال موافقة 419 نائبا مقابل 3 اعتراضات فقط.
يندرجهذا القانون كاستراتيجية تمّ اعتمادها من طرف أمريكالإدارة علاقاتها الخارجية بما يحقق مصلحتها في مقابل حصر العدو في زاوية ضيقة، ويعتبر هذا القانون من اكثر القوانين ردعا لخصوم الولايات المتحدة الامريكية.
وقد نصّ على تسليط عقوبات مالية وسياسية وعسكرية… على البلدان التي يمكن أن تهدّد أمنها بمختلف الطرق طبعا حسب تقديرها، سواءَ من خلال تصنيع أسلحة الدمار الشامل او استعمالها او التزويد بها او من خلال تقديم الدعم التقني والمالي للبلدان التي تصنّفها امريكا في قائمة أعدائها.
يتضمّن قانون “كاتسا” 12 عقوبة كالدّعم المصرفي على واردات التصدير للأطراف سواءَ كانت مؤسسات او بلدان او افراد او منظّمات، عدم تقديم ترخيص في تصدير المنتجات او التكنولوجيا حديثة الصنع، حرمان الاطراف الخاضعة للعقوبات من قروض المؤسسات المالية الامريكية والمؤسسات المالية الدولية، عدم السماح لهم من دخول الولايات المتحدة الامريكية وكذلك من امتلاك العقارات داخلها … وغيرها من العقوبات الاخرى المالية والاقتصادية.
يستوجب قانون مكافحة اعداء أمريكا تطبيق خمسة عقوبات على الاقل من جملة 12 عقوبة على أي شخص او كيان أو مؤسسة .. شاركت عن علم مع اية جهة تتبع أو تعمل لصالح أو نيابة عن ق
اعي الدفاع والاستخبارات في الحكومة الروسية.
من يستهدف قانون “كاتسا” ؟
ايران:
تعمل الولايات المتحدة الامريكيةمن خلال قانون “كاتسا” على حضر برنامج ايران النوويكما يفرض عقوبات على برامج الصواريخ الباليستية، وكذلك فرض عقوبات على الدول التي يمكن أن تقدّم لها أي نوع من أنواع الدعم العسكري سواءً الدعم المالي أو التقني، أو تصدّر أو تنقل لها الاسلحة.
وصنّف قانون “كاتسا” الحرس الثوري الايراني وكلّ من يتبعها أو يتعامل معها في القائمةالسوداء، ليس ذلك فقط، فالقانون يستهدف أيضا جميع الدول التي تتعامل مع ايران في أي مجال كان حتى إن لم يكن متعلّقا بالأسلحة.
وسعيا من الولايات المتحدة الامريكية للتضييق على عدوها الايراني قدر الامكان، يسمح لها قانون “كاتسا” بمعاقبة كل الاطراف والمؤسسات الايرانية التي ارتكبت جرائم في حقوق الانسان معترف بها دوليا.
وتتوعّد الولايات المتحدة الامريكية ايران من خلال قانون “كاتسا” معتبرة إياها من أهم الداعمين للإرهاب، لذلك فقد ادانت ايران خطوة واشنطن، بحيث شدّد القائد العام لقوات الحرس الثوري محمد علي الجعفري في ذلك الوقت أنّ بلاده لن تتراجع عن التقدم في الجانب الدفاعي وأنّها ستتحدى تهديدات الجانب الامريكي .
مؤخرا في 7 من شهر ديسبمر الجاري قامت الولايات المتحدة الامريكية بموجب قانون “كاتسا” بتسليط عقوبات على ثلاثة دول على خلفيّة ارتكابهم انتهاكات فادحة في حقوق الانسان، كانت من بينهم ايران بسبب قمع الأفراد المحتجين سلميا وسجناء الرأي وقد تمثلت قائمة العقوبات في : حسن كرامي (قائد الوحدات الخاصة التابعة لقوات إنفاذ القانون الايرانية في عام 2019)، محسن ابراهيمي (قائد مجموعة تابعة لقوات إنفاذ القانون الايرانية في عام 2016)، سيد رضا موسوي أعظمي (قائد مجموعة تابعة لقوات إنفاذ القانون الايرانية)، غلام رضا سليماني(قائد قوات الباسيج الايرانية)، ليلى فاسيغي (محافظة مدينة القدس في ايران)، علي همتيان ومسعود صفداري (محققان في الحرس الثوري الايراني)، صغرة خدادادي (المديرة الحالية لسجن قرتشك النسائي).
تركيا:
تعتبر تركيا من البلدان التي تقع تحت طائلة عقوبات “كاتسا”، وذلك على خلفيّة قيام إدارة الصناعات الدفاعية في الجمهورية التركية (SSB) بالمشاركة في صفقة مع شركة روزبورنإكسبورت (Rosoboroneexport) الشركة الحكومية الوحيدة المسؤولة عن المنتجات والتكنولوجيا وجلّ الخدمات المتعلّقة بالجانب الدفاعي بين روسيا والدول الاخرى، تمثّلت في شراء منظومة الصواريخ الروسية S400 .
وتستهدف الولايات المتحدة الامريكية بعقوبات كان منها فرض قيود على التّأشيرات كلّمن “إسماعيل دمير” رئيس إدارة الصناعات الدفاعية التركية، نائب المدير “فاروق يجيت”، “سرهات جينك أوغلو” رئيس إدارة الدفاع الجوي والفضاء، “مصطفى ألبردنيز” مدير برنامج الادارة الاقليمية لأنظمة الدفاع الجوي التابعة لإدارة الصناعات الدفاعية.
وردّا على الخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة الامريكية ضدّ تركيا، أشار “دمير” أنّ بلاده عازمة على تحقيق هدفها في الوصول الى الاستقلالية في الجانب الدّفاعي رغم محاولات واشنطن.
لكن الواضح في الامر أن هدف الولايات المتحدة الامريكية ليس تركيا أو غيرها من البلدان الاخرى، فالعدو الرئيسي الذي بموجبه تمّ إقرار قانون “كاتسا” هو روسيا، سعيا منها لتقويض قوّتها في سوق الاسلحة من خلال الضغط على الدول التي يمكن أن تتعامل معها في ذلك المجال، إذ أكدت أمريكا لتركيا قبل إقبالها على الدخول في صفقة الاسلحة مع روسيا أن ذلك سيشكّل خطرا عليها مقابل تحقيق الربح لروسيا في أعلى مستوياته وتمكينها من التدخل في الشّأن الدفاعي التركي، لكنّها لم تستجب لتوصيات الولايات المتحدة الامريكية فكان لها إلا أن تتعرّض لعقوبات “كاتسا” التي من أهمها إقصائها من البرنامج المشترك لصناعة المقاتلة F-35 . وتعتبر منظومة الصواريخ S400 الروسية ذو كفاءة عالية مقارنة بمنظومة الدفاع الجوي MIM-104 Patriot الامريكية، لذلك فقد استغلت تركيا هذه النقطة للضغط على أمريكا في قضايا اخرى (كسوريا) وقد أثار ذلك جدلا كبيرا داخل حلف الناتو، معتبرين أن دخول تركيا كعضو في حلف الناتو في صفقة مع روسيا لا يعدُّ أمرا منطقيا وليس له اية نوايا حسنة من تركيا التي تشبّثت بشراء S400 رغم التحذيرات الامريكية.
الصين:
شملت هذه العقوبات الصين أيضا في 21 سبتمبر من عام 2018 عندما اشترت الاسلحة من روسيا تمثلت في مقاتلات من نوعSoukhoï Su-35والمنظومة الصاروخية S400 الروسية، حيث قامت الاخيرة بتوجيه اتهامات للولايات المتحدة الامريكية بأنها تعمل على اقصائها من سوق بيع الاسلحة بطريقة غير مباشرة بعد توظيف قانون “كاتسا” لمعاقبة الصين أيضا.
أمّا واشنطن فقد أشارت الى أنّ ما قامت به إدارة تطوير المعدات في وزارة الدفاع الصينية للأسلحة هو تحد مباشر لموقف امركيا من روسيا.
أشار “ديمتري بيسكوف” المتحدث باسم “بوتين” في ذلك الوقت أنّ ما قامت به الولايات المتحدة الامريكية لا يندرج إلاّ في إطار “مخالفة قواعد السوق ومبادئ التجارة الدولية”، وذلك لا يُصنّفُ من ضمن المنافسة المنصفة بين الطرفين.
ما تأثير عقوبات “كاتسا” على روسيا؟
يعتبر قانون “كاتسا” استراتيجية أمريكية لعزل روسيا في سوق الاسلحة، إذ تتصدّر روسيا المرتبة الثانية عالميا بعد الولايات المتحدة الامريكية، فمنذ انطلاق عام 2016 تمثل نسبة صادرات روسيا من المبيعات العالمية 20% وتتعامل معها في هذا السياق اكثر من 45 دولة.
ترى الولايات المتحدة الامريكية أن سعي روسيا لتصدير السلاح الى اكبر عدد من البلدان حول العالم، ليس إلا سعيا منها لتمتين علاقاتها التجارية مع هذه البلدان للاصطفاف الى جانبها ضدّ واشنطن في القضايا التي تحقق المصلحة الروسية، لذلك وجدت الولايات المتحدة الامريكية في قانون “كاتسا” وسيلة ضغط هامّة على الدول التي يمكن أن تشتري السلاح من روسيا، خاصّة وأنّ الاخيرة على حسب تعبير عدد من اعضاء الكونغرس تبيع السلاح لمنافسة المبيعات الامريكية ولتأجيج الاوضاع في مناطق اللاستقرار ضد أمريكا.
تضمّن تقرير لخدمة أبحاث الكونغرس (CongressionalResearch Service) حول صادرات روسيا للمعدات العسكرية مدى فاعلية قانون “كاتسا” في عرقلة مبيعات السلاح الروسي، حيث تبيّنت انّ هذا القانون قد يعمل على عزل الولايات المتحدة الامريكية وزيادة عدد خصومها من الدول التي ستخضع لعقوبات “كاتسا” أكثر من عمله على الضغط عليهم في عدم شراء السلاح الروسي، فمثلا تركيا بالرغم من تحذيرات امريكا المتتالية على أن شراء S400 سيجعلها عرضة لعقوبات “كاتسا” إلا أن ذلك لم يردعها.
ومن المحتمل أيضا أن يكون لقانون “كاتسا” تأثير عكسي اخر، فبدلا من نفور الدول عن إبرام علاقات تجارية في الجانب الدفاعي مع روسيا، يمكن أن تتحدى هذه الدول الضغط الامريكي بالاصطفاف الى جانب روسيا والتآمر معها لإفشال المخطّطات الامريكية في هذا الجانب.
صفقة الاسلحة بين الهند وروسيا
سيرا على نفس الطريق الذي انتهجته كل من الصين وتركيا، قامت الهند ايضا بشراء برنامج الصواريخ الروسي S400، وذلك لا ترحّب به الولايات المتحدة الامريكية بالتّأكيد، إذ ندّد مسؤولون امريكيون بخطورة الخطوة التي قامت بها الهند محذّرين الهند من تطبيق عقوبات “كاتسا” مباشرة بعد وصول وتشخيلمنظومة الصواريخ S400 .
تُعدُّ روسيا أكبر مصدّر للمعدات الدفاعية للهند، إذ تمثّل مبيعات روسيا الدفاعية 70% من جملة معداتها ،وكذلك تمثّل أكبر مورد للسلاح بنسبة 58% .
بالنسبة للهند فهي لا تريد ان تتنازل عن علاقتها مع روسيا، رغم علاقة الاخيرة مع الصين، وفي نفس الوقت لا تريد أن تخسر علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية.
يُذكر أنّ الهند كانت قد امتثلت لضغط الولايات المتحدة الامريكية في عام 2019 عندما قامت بوقف شراء النفط من ايران وفنزويلا، من جهة اخرى سمحت امريكا للهند بتطوير ميناء تشابهار في جنوب شرقي ايران دون اخضاعها لعقوبات “كاتسا”.
يحيل ذلك الى أنّ الولايات المتحدة الامريكية لا تتعامل في جانب فرض العقوبات باندفاع، بل بما يسمح لها بتحقيق مصالحها.
ففي شهر ماي من عام 2016 قام كل من ايران، الهند، وافغانستان بعقد اتفاق لتدشين ميناء تشابهار، يساهم ذلك في تخفيض كلفة الحركة التجارية لكل منهما، وتتمكّن ايران من الفوز بدور فعّال في الممرات التجارية، كما سيمكن هذا الميناء من الربط بين شرق آسيا وآسيا الوسطى.
تنظر الولايات المتحدة الامريكية الى الصين كونها مهدّد هام لمكانتها العالمية، خاصّة فيما يتعلّق ميناء غوادر الباكستاني يثير المخاوف الامريكية من مزيد اختلال توازن القوى في القارة الآسيوية لصالح الصين، دفعها ذلك الى عدم تطبيق عقوبات “كاتسا” على الهند وتركها تتعامل مع ايران في تطوير ميناء تشابهارالذي سيمثّل حاجزا أمام أهداف الصين التي تسعى اليها عن طريق مسنلءغوادر الباكستاني.