أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

ما هي الورقة التي سيستخدمها بوتين في البحر الأحمر؟

   حرب غزة  والتداعيات الإقليمية الخطرة وجهت الأنظار في منطقة الشرق الأوسط  وتحديدا إلى الممرات البحرية بالخليج العربي ومضيق هرمز وباب المندب، باعتبار هذه الممرات البحرية  يمر عبرها حجم كبير من مصادر الطاقة والتي تنعكس بشكل مباشر على اقتصاديات العالم وليس دول المنطقة.

بين منعرج طريق الحرير الذي تقوده كل من القطبية الشرقية الصاعدة الصين وروسيا وبين فرض مشروع طريق بن غريون الرابط بين أسيا وأوروبا والحامل لمشروع “طرير التوابل الهندي” تبدو منطقة الشرق الأوسط في أوج تموجها، أذ تتأكد المعطيات الحينية بخصوص إمكانية ما نصفه “بحدوث رجة أمنية إقليمية في حوض البحر الاحمر” في وقت تمارس فيه أمريكا سياسة الضغط المرتفعة حيث يسعى البنتاغون لتأمين السفن في البحر الأحمر من خلال تشكيل قوة بحرية تتكون من 28 دولة… قائلة أن ذلك في سبيل تأمين حركة الملاحة البحرية الدولية المرتبطة بالاقتصاد العالمي، يتزامن ذلك مع زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى منطقة الخليج العربي وإلى أهم قطبين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وهذه الحقائق دفعت الولايات المتحدة ودول الغرب إلى تعزيز قوتها وتواجداها البحري قرب تلك الممرات البحرية، كما كانت نقطة تحرك فريدة من نوعها وجهت الرئيس الروسي بوتين مباشرة الى قلب المنطقة في زيارة رسمية الى السعودية والإمارات.

  هذه التعزيزات المكثفة  من شأنها ان تؤكد فرضيات عدة مازالت قيد التحقيق والتريث  لكن المؤكد هنا هو التداعيات الإقليمية الدولية لتهديدات منطقة البحر الاحمر بحر الخليج وبعض دول المنطقة المطلة على الخليج ومنها إيران واليمن وعلاقتها بالقلق والمخاطر المباشرة التي تهدد أمن أمريكا وإسرائيل القومي مع تحرك تلك الأساطيل.

ولكن هناك حالة من الترقب والتأهب هي سيدة الموقف مع كل نزاع وكل حرب في خصوص ما تخفيه الزيارة الرسمية التي جاءت بشكل مفاجئ للرئيس الروسي  فلاديمير بوتن، وما تحمل معها من ترتيبات قد تقلب وجه المعادلة إما بتوسع رقعة الحرب أو بمعادلة جديدة تعيد توازن القوى.

 تسعى واشنطن لتأسيس قوة مهام بحرية دولية ضد هجمات الحوثيين في اليمن على السفن التجارية في البحر الأحمر وذلك وفق ما أكده المتحدث بإسم البنتاغون “باتريك رايدر” الذي جاء وفق تصريحه “تجري الولايات المتحدة محادثات مع شركائها وحلفائها بشأن إنشاء قوة مهام بحرية لمواجهة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، ومن المهم التأكيد أن هجمات الحوثيين على السفن التجارية في المياه الدولية تمثل مشكلة دولية.”

في تقارير صدرت عن البانتاغون ذكرت انه تم إنشاء إطار عمل لقوة المهام المعنية والمشتركة، وسيتم الإعلان عن التفاصيل لاحقًا، مبينًا أن هذه القوة ستكون تحالفًا يشمل 38 دولة راغبة بذلك.

وتحمل الولايات المتحدة جماعة الحوثي في اليمن مسؤولية شن سلسلة من الهجمات في مياه الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب بين دولة الإحتلال الصهيوني وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس في السابع من أكتوبر/ فيما تتهم ايران بالمشاركة في استهداف السفن وهو ما نفته طهران.
وفي أحدث التطورات، تعرضت ثلاث سفن تجارية لهجوم في المياه الدولية جنوب البحر الأحمر واعترف الحوثيون بشن هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ على ما قالوا إنهما سفينتان إسرائيليتان في المنطقة.

وأسقطت المدمرة كارني التابعة للبحرية الأميركية ثلاث طائرات مسيرة الاثنين في إطار استجابتها لنداءات الاستغاثة التي أطلقتها السفن التجارية ويقول الجيش الأميركي إن السفن الثلاث ترتبط بنحو 14 دولة.
تهديدات جدية لحركة الاقتصاد الغربي وضمن أمن الملاحة البحرية وهي تعد البوابة الرئيسية هناك لعبور سلاسل الامداد والتوزيع والاستثمار التجاري العالمي لا سيما فيما يتعلق بإستهداف السفن التجارية التي تعبر المياه الدولية.
فلقد نددت الولايات المتحدة وبريطانيا بالهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، وحملتا إيران المسؤولية عنها نظرا لدورها في دعم المسلحين الحوثيين الذين يقفون وراء هذه الهجمات.

وكانت جماعة الحوثي، التي تسيطر على معظم ساحل البحر الأحمر قبالة اليمن، قد أطلقت في السابق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة باتجاه إسرائيل وتعهدت باستهداف المزيد من السفن الإسرائيلية.

هناك معطيات بخصوص مدى تركيز مسؤولي الأمن القومي الأميركي على التهديدات المباشرة في المنطقة الدولية البحرية حيث  يشعر بالقلق من خطر حدوث تصعيد مفاجئ ودام في المنطقة مع احتدام الصراع بين إسرائيل وحركات المقاومة المحورية، في ضوء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر والهجمات المنفصلة التي تشنها فصائل مسلحة مدعومة من إيران على القوات الأميركية في العراق وسوريا. وجماعة حزب الله وأنصار الله في لبنان وغيرها من الفصائل الناشئة .

ويذكر وأن القوات الأميركية  قد أعلنت مقتل خمسة مسلحين في العراق  بينما كانوا يستعدون للمهاجمة بالبحر بطائرة مسيرة، أعلن  عنها البنتاغون.

وفي البيت الأبيض، قال مستشار الأمن القومي للرئيس “جو بايدن”  إن المحادثات مستمرة بشأن تشكيل قوة عمل بحرية “من نوع ما” لضمان المرور الآمن للسفن في البحر الأحمر. ورفض مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان حينها الإفصاح عن الشكل الدقيق لها وما إذا كانت ستكون جزءا من قوة عمل متعددة الجنسيات موجودة بالفعل وتركز على جهود الأمن البحري في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

و على نطاق واسع تحاول الإدارة الأمريكية أعداد مخطط للعمل مع الدول الأخرى وسفنها الحربية في محاولة لتوفير مستوى أعلى من الأمن في البحر الأحمر ويمكن أن تشير تعليقات البانتاغون إلى أن التركيز ينصب على حراسة الممر المائي وليس الإجراءات الانتقامية.

بات من المحتمل جدا انخراط دول أوروبا والغرب في أي حرب تؤثر على حرية الملاحة البحرية وعبور صادرات النفط والطاقة أبرزها الخليج العربي والبحر الأحمر وباب المندب ومايعزز ذلك إن أمن الطاقة لدى أوروبا والولايات المتحدة والغرب أصبح يؤثر مباشرة على أمن تلك الدول وديمومة حكوماتها. هذا المعطى في حد ذاته هو ورقة هامة في الاستراتيجية الروسية البحرية ضمن منطقة الخليج العربي لا يراد لها إلا ان تكون رابحة…

موانئ روسيا… خامس أطول خط ساحلي في العالم أذ يعتمد الاقتصاد الروسي بشكل كبير على التجارة الدولية، وتشكل حركة الشحن البحري نحو 60% من إجمالي حركة الشحن على النطاق الدولي لروسيا، والتي توفر جزءا كبيرا من الناتج المحلي الإجمالي لها.

والهدف الأساسي لمعظم موانئ روسيا الرئيسية هو خدمة التجارة الخارجية، ولها دور حيوي في الصادرات والواردات، ويشمل ذلك استيراد وتصدير البضائع، وبشكل أساسي الهيدروكربونات والمعادن والحبوب والأسمدة والفحم.

منذ عهد الرئيس بوتين تعافت روسيا الى أن اصبحت “قوة عالمية ” هي اليوم قطب عسكري سياسي واقتصادي نزع رأس الهيمنة الأمريكية، فالتأثير الروسي رغم العقوبات الاقتصادية الأمريكية العدوة لها وصل حد الأفول الامريكي والصعود الروسي في منطقة الخليج العربي ولكن كيف يمكن فهم ذلك؟

من مميزات السياسة الروسية وأنه لا يستشعر بها فمنذ البداية واجهت روسيا سياسة حضر التسلح في المنطقة العربية كاملة لأنها كانت على علم بأن السلاح الروسي كان يمرر الى دول المنطقة من بينها، عدن والعراق خاصة صواريخ السكود، ثم إيران وحتى سوريا… مبادرة حظر السلاح هذه كانت بهدف حظر نقل تكنولوجيا السلاح وخاصة الصواريخ الباليستية والرؤوس النووية، إذ أرادت أمريكا ان تحمي نفسها من كل تكتل عربي مسلح يواجهها، او يواجه أمن إسرائيل التي تحمي مصالحها في المنطقة،  منها العراق والسعودية واليمن وايران ومصر وليبيا و الجزائر.

استغلت الولايات المتحدة تفكك الاتحاد السوفياتي لتعزيز النفوذ بالمنطقة منفردة بالزعامة الإقليمية العالمية الا أن ضربت الحادي عشر من سبتمبر 2001 ادت الى مزيد دعم مخطط حظر السلاح ومنه الرؤوس النووية التي قد تكون تصنعها هذه الدول العربية منها العراق مهددة لأمريكا فتم احتلال العراق بحجة مكافحة الإرهاب، مع  تفتت تنظيم القاعدة ببلاد الشام وظهور تنظيمات اخرى كان ابرزها داعش الذي توسع لاحقا وبات مهددا لأمن منطقة الخليج وهو ما احتاج مجددا الى اعادة نظر في الترتيبات الامنية في الخليج في ظل الفتور الأمريكي والصعود الروسي في الفترة الاخيرة .

لقد زادت صادرات السلاح الروسية الموجهة الى المنطقة العربية بنسبة 70 بالمائة خاصة مع مصر المشروع النووي ” الضبعة ” والتكنولوجيا النووية الإيرانية المنشاة “بوشهر” ثم الدعم العسكري المتين لسوريا كموضع قدم ضمن منطقة البحر المتوسط  وخاصة استخدام القوات الجوية الروسية كصواريخ سوخوي المحاربة لداعش، مع حرص روسيا على استقرار سوق الطاقة وخاصة الغاز. فروسيا ثاني مصدر عالمي بعد العربية السعودية بشركاتها روس بترول، لوك اويل، وغاز بروم. ناهيك عن وحدة القطبية الروسية الصينية في احياء مشروع طريق الحرير كجزء عقائدي عالمي مشترك بين الدولتين …

كل هذه التحديات مجتمعة تؤكد قوة العلاقات الجيوسياسية بين روسيا والمنطقة العربية… مستفيدة من حرب طوفان الأقصى الذي فضح السياسة الصهيونية الأمريكية  المتعطشة للدم والمتكالبة من اجال تنفيذ المخطط الصهيوني استحواذا على المنطقة ككل   وتراجع الحاضنة العربية للشق الغربي .

لقد أصبحت الشعوب العربية اكثر نقمة على الغرب بما سيدفع حكوماتها مرغمة رغم الضغط الاميريكي الصهيوني الى انتهاج سياسة حذرة مع امريكا وإسرائيل أما روسيا والصين فهما الأكثر تحفيزا بالنسبة للدول العربية على اعتناق مذاهب المعسكر الشرقي ونبدأ بدول الخليج العربي حيث تكشف المعطيات عن تنامي حجم الاستثمار الروسي الخليجي بشكل جد منافس للغرب  ناهيك عن أحياء  مشروع  إكمال الممر الدولي عبر إيران شمال جنوب…

نخلص الى أن القيادات الخليجية أهمها الإمارات والسعودية  تقود مناورات استراتيجية تحالفية مع روسيا خصوصا مع بدأ تغير البيئة الدولية… هنا تحاول أمريكا بشكل أو بأخر فصل روسيا والصين عن منطقة الشرق الاوسط ضمن  البحر الاحمر بحر الخليج بتركيز تحالف امني بحري – غربي مشترك… هذا وستعرف امريكا انكماشا اقتصاديا في حركة التجارة العالمية مع التهديدات الاخيرة اثناء عملية طوفان الاقصى التي حركت من جديد الوازع العدائي للدول المصطفة وحتى غير المصطفة ضمن المعسكر الشرقي سواء على مستوى الهجمات البحرية المسلحة وغيرها من عمليات القرصنة …

ورغم الأسطول الخامس او المعسكر الأمريكي الراسي بمناطق الخليج العربي فربما قد نشاهد تحريكا أمريكيا  لهذا الأسطول بينما تعقد روسيا الصفقات متعددة الانظمة والاستراتيجيات والمهام في كل من العربية السعودية والإمارات المتحدة بما يعني وأن روسيا من خلال زيارة الرئيس بوتين قد تعيد ترتيب الخطة وترتيب بعض الورقات في وقت يحتم ضرورة ذلك. الطاقة و حرب الممرات البحرية والسياسة الإقليمية محددات رئيسية للصراع  الإقليمي الدولي  والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي الذي يبقى رهين الجهود الدولية إما في اعطاء الإشارة لوقف الحرب او استمرارها في سياق آفاق تسوية النزاع حيث  يجيب مساعد الرئيس الروسي على سؤال ما إذا كانت موسكو مهتمة بتقديم خطتها الخاصة للتسوية الفلسطينية الإسرائيلية بقوله “من الواضح، سنناقش هذا أولاً وقبل كل شيء

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق