أخبار العالمبحوث ودراسات

ما هو مصير الترسانة العسكرية الكيميائية الغربية؟ هل فعلا تخلت عنها؟

ما هو مصير المخزونات الكيميائية في العالم؟

خلال عقود من الزمن احتفظت الولايات المتحدة بترسانة ضخمة من الأسلحة الكيميائية، تقدّر بما يزيد عن 28 ألف طن؛ تشمل أنواعا من ذخيرة المدفعية والصواريخ والقنابل الجوية وغيرها من الوسائط المحملة بأخطر أنواع الغازات السامة الحربية في مقدّمتها غازات الأعصاب التّي من بينها غاز في إكس (VX) الفائق الخطورة على الإطلاق، ناهيك عن الذخائر الكيميائية الثنائية (Binary Chemical Ammunition) المُستحدثة والأكثر تطوّرًا.

ووفقًا لما تضمنته تقارير الجمعية الأمريكية لمراقبة الأسلحة، فإن الولايات المتحدة كانت تمتلك (28.600) طنا من الأسلحة الكيميائية. وتأسيسًا على ذلك تكون هذه الدولة حائزة لثاني أكبر ترسانة في العالم بعد الإتحاد الروسي الذي يمتلك تقريبًا 40 ألف طن من مختلف أصناف الغازات السامة الحربية.

وفي خطوة غير مسبوقة، أكملت الولايات المتحدة الأمريكية بحلول شهر يوليو 2023، إتلاف كل مكوّنات ترسانتها الكيميائية آنفة الذكر، فيما كان الإتحاد الرّوسي قد انتهى بدوره من تدمير مخزوناته مع خلال النصف الثاني من سنة 2017.

ووفقًا للبيان الصحفي الذي أصدرته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية مؤخّرًا أن جميع مخزونات الأسلحة الكيميائية المُعلن عنها في العالم من قبل الدول الحائزة قد تم تدميرها بشكل نهائي وفقًا لاتفاقية الأسلحة الكيميائية لسنة 1997. وفي هذا الإطار صرّح المدير العام للمنظمة السفير “فرناندو أرياس” أن أكثر من 70 ألف طن من المواد السامة الحربية في العالم قد دُمِرت بإشراف المنظمة.

والجدير بالذّكر أن هناك دولًا تمتلك أسلحة كيميائية ولا تزال خارج الإتفاقية ولم تنضم لها بعد، وهي  كوريا الشمالية ومصر والكيان الإسرائيلي. وما عدا ذلك فإن كل الدول الأطراف في الإتفاقية الحائزة للأسلحة الكيميائية، كما سبقت الإشارة، قد التزمت بتدمير مخزوناتها تدميرًا كاملًا تحقّقت منه منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

كيف كان استعمال الأسلحة الكيميائية في العالم؟ وما هي آثاره؟ 

ميدانيًّا شهد مسرح العمليات في أوروبّا خلال الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) أشرس مجازر الحرب الكيميائية في تاريخ البشرية، أستخدمت فيها 125 طن من الغازات الخانقة والغازات الكاوية ما تسبّب بحسب التقديرات في مقتل أكثر من 100 ألف عسكري من قوات الأطراف المتحاربة، أما عدد من تأثروا وأصيبوا بنواتج هذا الإستخدام فقد تجاوز 1.3 مليون شخص.

وجدير بالذكر أن هذه الأرقام لم تشمل الخسائر في صفوف السكان المدنيين الذين تأثروا جرّاء التعرض للغازات السامة التي دفعت بها الرياح إلى مناطقهم.

وعلى الرّغم من أن دول المتحالفة بزعامة الولايات المتحدة من جهة، ودول المحور بزعامة ألمانيا النازية من جهة أخرى، كانت عقب الحرب العالمية الأولى قد استحدثت وجهّزت مخزونات هائلة من الأسلحة الكيميائية أكثر تطوّرًا وفظاعة، غير أنّ أيّاً من هذه الأطراف المتحاربة لم تجرأ على استخدامها في الحرب العالمية الثانية، والسبب هو توازن الرّعب.

وهذا لا يعني أن العالم لم يشهد حالات استخدمت فيها الأسلحة الكيميائية بعد الحرب العالمية الثانية، بل حدث ذلك في عديد المعارك المتفرّقة ليمتدّ إلى فترة التسعينيات من القرن الماضي، غير أن هذا الإستخدام في مجمله لم يكن بحجم الوتيرة التي كانت عليه في الحرب العالمية الأولى.

لماذا تخلّت الدول الكبرى عن مخزوناتها؟

من الواضح أن هذا التخلّي لم يكن لدوافع إنسانية أو لدعم سبل السلم والأمن الدوليين، وإنما باختصار كان للأسباب التالية:

1 مع تقدم وسائل الحماية والكشف والإنذار المبكر عن التلوث الكيميائي ووسائل إزالته، انتفى عنصر المباغته وأصبحت كل الجيوش النظامية تقريبًا قادرة على اتخاذ التدابير اللازمة في الوقت المناسب للحد من تأثيرات وتداعيات هذه الأسلحة على القوات في الميدان. وبالتالي فإن حيازة الأسلحة الكيميائية لم يعد يعطي قيمة مضافة تُذكر للمجهود الحربي.

2 إنتاج وامتلاك الأسلحة الكيميائية ليس أمرًا صعبًا، ولا يحتاج إلى تقنيات عالية، وبإمكان أي دولة من الدول النامية بقدرات متوسطة تصنيع مثل هذه الأسلحة، وفعلًا استطاعت العديد من دول العالم الثالث القيام بذلك، وبالتالي لم تعد هذه الشريحة من الأسلحة قابلة للإحتكار، وامتلاكها لم يعد مقتصرا على الدول الكبرى.

3  الترسانات الكيميائية لدى الدول الكبرى تضم مخزونات ضخمة، وأغلب الأصناف التي تحويها أصبحت متقادمة بعد مرور عقود متفاوتة من الزمن على إنتاجها، مما أوجد الكثير من الأعباء اللوجستية في التخزين والإدارة والمناولة، فيما أصبح الكثير من تلك المواد عبارة عن نفايات يتعين إتلافها، لذلك فإن تلك الدول لم تجد مانعًا أو حرجاً في التخلّص كليًّا من مخزوناتها. 

4 الأسلحة الكيميائية تتّسم بأنها عشوائية الأثر ويمكن أن تتحكّم فيها الظروف الجوية مثل اتجاه وسرعة الريح وإمكانية نقل السحب الموثة إلى خارج ميدان القتال لتصل إلى أماكن آهلة بالسكان المدنيين، وقد يكون مقدار ضررها عليهم بفعل التلوث المميت أكثر مما تتعرّض له قوات الخصم المُستهدفة أصلًا.

5  رغبة الدول الكبرى في المراهنة على الأسلحة النووية والتفرّد بالإستئثار والتمسّك بها والتركيز على تطويرها، باعتبار أن هذه الأسلحة من بين وسائل الدمار الشامل هي الأكثر خطورة والأشد فظاعة على الإطلاق لقدرتها الفائقة على سحق تشكيلات عسكرية كاملة للعدو وتدمير قواعده وأساطيله، وحتى تدمير مدن بأكملها في وقت وجيز. وبالنظر إلى أن هذه الأسلحة قابلة للإحتكار لأنها معقدة جدًّا وتحتاج إلى تكنولوجيا متطورة لإنتاجها وإطلاقها، وهو ما لا تقدر عليه إلا الدول الكبرى، لذلك تبقى هذه الأسلحة خيارا إستراتيجيا منقطع النظير للدول الحائزة لها.

هل انتهت حقبة الأسلحة الكيميائية وأصبحت من الماضي؟

تأسيسًا على المعطيات الآنفة الذكر، ربما لا يكون هناك استخدام حقيقي للغازات السامة الحربية في المعارك الحديثة على غرار ما كان يجري في السابق، لكن ذلك لا يعني الإستغناء عن أساليب الدّفاع ضد تعرّض القوات لأي استعمال عسكري للمواد السامة، أو أي عوامل أخرى تندرج في (أ. ت. ش).

وفي هذا السياق أصبحت الدول، عبر مؤسساتها المحلية، تراهن على اتخاذ تدابير خاصة بشأن الحماية والمساعدة، تتلاءم مع التهديدات المحتملة المرتبطة بهجمات قد تستخدم فيها أي مركّبات سامة، أو جرّاء أعمال إرهابية أو نتيجةً لحوادث كيميائية عارضة. على أن تشمل هذه التدابير رفع القدرات الوطنية ورسم سيناريوهات تحاكي مواقف الطوارئ الكيميائية، يتم التدريب على ضوئها. مع مراعاة أن تكون هذه التدابير مُشتركة، وفعّالة بما يكفي لمواجهة الأخطار المذكورة، وبما يضمن التدخّل الإستجابي في الوقت المناسب لتنفيذ إجراءات الكشف والإنقاذ والإخلاء والإسعاف وإزالة الآثار…

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق