آسياأخبار العالمأمريكابحوث ودراسات

ما سر إنهيار العلاقة بين الهند وأمريكا بشكل مفاجئ وغريب …؟

منذ صعود ما يُعرف بالتحدي الصيني، دأبت الولايات المتحدة على جذب الدول الآسيوية الكُبرى إلى مدار التحالفات الأميركية في منطقة المُحيطَيْن الهندي والهادي، وكانت كل من اليابان والهند البلديْن الأهم في تلك الإستراتيجية الأميركية طيلة العشرين عاما الماضية، التي يُمكن القول إنها بدأت عام 2005،ولكن مع صعود إدارة ترامب إلى البيت الأبيض، يبدو أن إستراتيجية الولايات المتحدة في التعامل مع التحديات الدولية الماثلة أمامها تتغيَّر جذريا، وأنها تُفضِّل تقاسم النظام الدولي مع كلٍّ من روسيا والصين بطريقتها الخاصة، وتعظيم المكاسب الأميركية، لا على حساب خصومها التقليديين في موسكو وبكين، بل على حساب الدول المتوسطة والصغيرة، وهي معركة أسهل كثيرا من خوض مواجهة مع الروس والصينيين.

 ركزت إدارة ترامب جهودها الدبلوماسية في آسيا على الشد والجذب مع الصين من أجل الوصول إلى اتفاق تجاري، في حين يبدو هناك تجاهُل للهند، بل وبرود في العلاقة غير مسبوق بعد أن قررت واشنطن تطبيق الجمارك الأعلى على الإطلاق على الهند، فيما يبدو أنه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في العلاقات الهندية-الأميركية، التي اتسَمت بتوتر شديد حتى منتصف الثمانينيات.

وعلى مدار السنوات الخمس والعشرين الماضية، ازداد تقارُب الهند والولايات المتحدة من بعضهما بعضا أكثر من أي وقت مضى، وبنى البلدان روابط اقتصادية وإستراتيجية قوية. وقد استندت شراكتهما إلى قيم ومصالح مشتركة: فهما أكبر ديمقراطيتَيْن في العالم، وتضمُّان أطيافا من السكان متعددي الثقافات، كما أن كلا البلدين قلق بشأن صعود جار الهند الشمالي، الصين.تجد الهند نفسها اليوم إذن تحت وطأة جمارك أعلى حتى من تلك المفروضة على الصين، الدولة التي كانت واشنطن، على الأقل حتى وقت قريب، تريد من دلهي أن تساعد في احتوائها، بل إن ترامب يبدو أحرص على إبرام صفقة مع الصين من التراجع عن موقفه المُتشدِّد تجاه الهند. وزاد الطين بلَّة ما أعلنه ترامب في أواخر جويلية الماضي من صفقة مع الدولة الخصم للهند باكستان، وهي صفقة تقضي بأن تعمل الولايات المتحدة على تطوير احتياطيات النفط الباكستانية.

جاءت هذه المتاعب الجمركية مباشرة بعد صدمة أخرى للنظام الهندي، وهي تدخل ترامب في ماي الماضي أثناء الصدام العسكري بين الهند وباكستان. فبعد بضعة أيام من الضربات التصعيدية التي تسبَّب فيها هجوم إرهابي دموي في الهند، أعلن ترامب من طرف واحد أنه توسَّط من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين البلدين.

وقد نفذت الهند ذلك الادعاء بشدة، إذ إن دلهي لطالما قاومت أي وساطة خارجية في نزاعاتها مع إسلام آباد، وكان المسؤولون الأميركيون حريصين على عدم الإساءة إلى الحساسيات الهندية في هذه المساحة. ولكن ترامب أصر على موقفه، ولا شك أنه شعر بالإهانة من النفي الهندي، تماما كما سرَّه الترحيب الفوري من باكستان بادعاءاته، وترشيحها إياه لجائزة نوبل للسلام في نهاية المطاف.

ويشعر المسؤولون الهنود بغضب شديد هذه الأيام، لكنهم يدركون أن الغضب لن يحل غالبا ما فشلت فيه الحجج العقلانية. في الوقت الحالي، قرَّرت نيودلهي انتظار مرور العاصفة، وصياغة ردودها بعناية لتجنُّب تأجيج الموقف أكثر، مع توجيه إشارات للرأي العام الهندي مفادها أنها لن تستسلم ببساطة للبيت الأبيض. إن تداعيات ضغط ترامب واستهانته بالإستراتيجية الكبرى للهند عميقة للغاية، فقد قلبت سياسة ترامب الخارجية الافتراضات الجيوسياسية الأساسية في دلهي، وزعزعت أسس الشراكة الأميركية-الهندية.

إن السياسة المُفضلة للهند، المتمثلة في “تعدد الانحيازات”، أي السعي لبناء صداقات في كل مكان مع رفض تكوين تحالفات صريحة، أثبتت عدم فعاليتها. ومع ذلك، فإن أفعال ترامب لن تدفع الهند إلى مراجعة كبرى في سياستها الخارجية.

وبدلا من ذلك، ستراقب دلهي المشهد الجيوسياسي المُتغيِّر، وعلى الأرجح ستقرر أن ما تحتاج إليه هو المزيد من العلاقات المثمرة، وليس العكس. ولحماية نفسها من تقلُّبات إدارة ترامب، لن تتخلى الهند عن تعدُّد الانحيازات، بل ستسعى إليه أكثر من أي وقت مضى، وبكل ما أوتيت من قوة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق