ماذا ترتقب تونس من قمة روما ؟
خلافات كبيرة واراء متعددة تأتي بعيد انعقاد المؤتمر الدولي للهجرة و التنمية المنعقد بالعاصمة الايطالية روما التي جمعت اعلى تمثيل دبلوماسي تونسي يتقدمه الرئيس قيس سعيد و دول الاتحاد الأوروبي فيما يخص الإدارة المشتركة والأوروبية لملف الهجرة غير النظامية، منها آلية مراقبة اتفاقية الهجرة مع تونس، وكيفية ربط قضاياها بالوعود الاقتصادية المقدمة وقضية الحدود و السواحل وشبكات الجريمة المنظمة و مهربي البشر . قمة دولية اماطت اللثام عن قضايا ساخنة عالقة في رفوف إدارة الرئيس سعيد أهمها ما اسماه ب “مخطط التهجير والتوطين” و تفكيك خيوط هذا اللغز الدولي المعقد .
وفيما اعتبر خبراء ومختصون ان نجاح هذه القمة هو بمثابة تتويج لتفاهم تونسي اوروبي يطوي صفحة الماضي ويبدأ سياسة تونسية – تونسية تقف وقفة الند للند مع ما تعرضه من خطوط حمراء لا يمكن المساس بها و هي السيادة على الارض و الشراكة الاستراتيجية المنصفة للشعوب النامية و مكافحة الفقر في العالم و الكف عن نهب ثروات الشعوب و حماية مقدراتهم وارساء نظرة اوروبية جديدة للمهاجرين وهي نظرة انسانية تحترم كرامة الذوات البشرية بغض النظر عن كل انتماء ديني او اثني او عرقي و الاعتراف الفعلي و الحقيقي بشرعة الاعلان العالمي لحقوق الانسان كالحق في التنقل و العمل و بناء مستقبل افضل و الاستثمار في الكفاءات التونسية و الطاقات الشابة و اتاحة الفرص اما هؤلاء، مشيدا في الان ذاته بضرورة وقف الخروب و عدم استعمال الغذاء كسلاح يهدد الانسانية جمعاء و بمبدأ تونس الراسخ في عدم التدخل في شؤونها الداخلية و عدم الرضوخ الى ما تفرضه البنوك الدولية من شروط مجحفة في حق هذه الشعوب النامية و هو الأمر الذي أدى الى تعميق الأزمات خصوصا في الأنظمة التي لا تزال تلتمس طريقها نحو الديمقراطية .
خطوة اعتبرها الرأي العام الوطني وحتى الدولي فرصة جديدة امام الشعوب النامية في الالتحاق بركب قاطرة النمو الاقتصادي و كذلك في ما يتعلق بتدويل قضية الهجرة و اقتسام اعبائها بين دول المنطقة دون الزج بالبلاد في معترك حرب دولية منظمة و يأتي ذلك عقب موجات هجرية غير مسبوقة حيث كانت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل “فرونتكس” توقعت أن يشهد الاتحاد الأوروبي رقما قياسيا جديدا من الساعين للوصول إلى حدوده عبر طرق غير قانونية. كما سجلت الوكالة وصول نحو 330 ألف مهاجر غير نظامي إلى الاتحاد الأوروبي عبر جميع طرق الهجرة العام الماضي، وهو أعلى رقم منذ عام 2016 حيث تزداد عمليات عبور المنطقة الوسطى للبحر المتوسط، القادمة من سواحل شمال أفريقيا صوب إيطاليا إلى أكثر من 42 ألفا.
الجانب الايطالي اكد بدوره تجديد مرحلة غير مسبوقة في مدى و أهمية نسج قنوات التواصل التونسي الاوروبي حيث يهدف المؤتمر الى تنظيم ظاهرة الهجرة ومكافحة الاتجار بالبشر وتعزيز التنمية الاقتصادية وفق نموذج جديد للتعاون بين الدول من خلال التخطيط المشترك، وتنفيذ المبادرات والمشاريع في ستة قطاعات رئيسية هي الزراعة والبنية التحتية و مجال الطاقة وتحديات المناخ والتعليم و الصحة والماء والبيئة و ضرورة حشد كل الجهود الرامية لمعالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية، وإطلاق “خارطة طريق دولية” تتضمن إجراءات ملموسة لدفع التنمية الاقتصادية في منطقة البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا، حسب ما أكدته رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني.
تتويج ترافق باستجابة لمبادرة رئيس الجمهورية قيس سعيّد، على الالتزام بتضييق الخناق على تهريب البشر وزيادة التعاون في مجالات مثل الطاقة المتجددة لمكافحة تغير المناخ وتحسين مستقبل الدول الفقيرة رافق ذلك استجابة من المشاركين الذين يمثلون أكثر من 20 دولة وافقوا على توفير التمويل اللازم لدعم مشاريع التنمية في تونس هذا وتعهدت دولة الإمارات بتقديم 100 مليون دولار ،على أن يتم في خطوة تالية تنظيم مؤتمر للمانحين.
لقد تم التطرق خلال هذا اللقاء إلى النقاط المدرجة على جدول أعمال المنتدى الدولي حول التنمية والهجرة حيث أكد رئيس الجمهورية على ضرورة وضع حد لظاهرة الهجرة غير الإنسانية والقضاء على أسبابها العميقة والتصدي للشبكات الاجرامية التي تقف وراءها وتتاجر بالبشر وبأعضاء البشر.
بالمقابل يرى مختصون ان مخرجات اللقاء لم تكن بالمستوى المطلوب على اعتبار وان هذه القمة تنبني على ميزان قوى مختل لا يسمح بالدفاع عن مصالح إفريقيا و جنوب المتوسط: من جهة تجمع أوروبي يشمل 28 دولية و يشكل أكبر قوة اقتصادية عالمية و من جهة أخرى بلدان جنوب المتوسط و إفريقيا مشتتة و متنافرة تحكمها أنظمة تعيش أزمات اقتصادية و سياسية متعددة فأي حلول ستنتج هذه القمة في ظل انخرام كامل لموازين القوى بين الطرفين ؟ و هو الامر الذي جابهه الرئيس التونسي معتبرا أن ملف الهجرة غير النظامية لا يمكن معالجته لا بصفة منفردة ولا بواسطة اتفاقيات ثنائية ، مقترحا إنشاء مؤسسة مالية عالمية تحول ديون الدول الإفريقية والأموال المنهوبة بعد استرجاعها إلى مشاريع تنموية كما جدد التأكيد أن تونس لن تقبل بأن تكون أرض توطين مبطن للمهاجرين، أو ممرا ولن تحمي إلا سواحلها وان كل ما يتداول بخصوص تحويل الحدود التونسية الى وجهة امنية اوروبية مخابراتية امر خال من كل اساس للصحة على اعتبار وجود التعاون الامني الدولي المشترك منذ حقي تاريخية بالاعتماد على اجهزة الشرطة الدولية كالانتربول اعتماد منظومات ناجعة في مكافحة الجريمة العابرة للقارات كالأفريبول الدولي .
كما ان اهداف ايطاليا و أوروبا معروفة للقاصي و الداني وهي ترحيل المهاجرين غير النظاميين و إغلاق حدودها ضد الهجرة بتحويل بلدان جنوب المتوسط الى حارس حدود لها مقابل فتات مالي فما هي إجابات بلدان الجنوب إذا استثنينا الوعود و الاتفاقيات التي لم تدخل بعد حيز التنفيذ او تلك التي عقدت بشكل شفاهي دون توقيعها ؟ فأهداف أوروبا أوسع من ذلك كما جاء في اتفاقية 16 جوان مع تونس: استقطاب الكفاءات الى أوروبا، ترحيل اليد العاملة غير الكفؤة من أوروبا، استغلال الطاقة المتجددة من الجنوب و تصديرها الى اوروبا و كذلك الشان فيما يتعلق بالميادين الاقتصادية الأخرى.