مأزق أوروبي في ملف مكافحة الإرهاب وتقارير إستخباراتية تؤكد على تمدد الإرهاب في أوروبا
إعداد: قسم البحوث والدراسات الأمنية والعسكرية
إشراف الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية
تعيش أوروبا اليوم هاجس تدفق المهاجرين الغير شرعيين وتسلل الموجات الأرهابية الى أوروبا مع تفاقم الأزمة الأكرانية التي تسببت في تصدع كبير دالخل الإتحاد.
وقد دفعت هذه التحولات الجيوسياسة والأمنية في أوروبا نتيجة الأزمة الأوكرانية، إضافة إلى تصاعد التهديدات الإرهابية الى إعلان حالة التأهب القصوى والعمل من أجل تعزيز استراتيجيات مكافحة الإرهاب والتطرف، في إطار تعاون وتنسيق واسع على المستوى الأمني والاستخباراتي بين دول الاتحاد، اعتماداً على آليات جديدة تستهدف التقنيات الحديثة للإرهاب عبر الإنترنت والتطرف العابر للحدود.
ومنذ بداية سنة 2023 ووعيا من الإتحاد الأوروبي لتمدد الإرهاب وتطوره فقد إعتمد مجلس أوروبا، في 8 فبراير2023 استراتيجية لمكافحة الإرهاب للفترة 2023-2027 توفر أدوات جديدة واستجابات ملموسة للتحديات المستمرة والناشئة التي تواجهها سلطات الدولة.
وفي الوثيقة الموقعة لا توجد فعلا لإستراتجية مبتكرة وجديدة عند الأوروبيين بل بالعكس رجعوا الى نفس المبادئ وهي استراتيجية تعزيز جهود مكافحة الإرهاب في أوروبا وخارجها من خلال معالجة أسبابه الجذرية ودوافعه في المشهد الجيوسياسي الحالي مع مراعات التطورات العالمية الجديدة الجيوسياسية.
ويهدف إلى معالجة التهديد المتزايد الناجم عن الإرهاب في أوروبا، والزيادة في إساءة استخدام التقنيات الجديدة لإرسال الرسائل والتجنيد والتدريب، والتفاعل بين أعمال الإرهاب وانتهاكات قواعد الصراع المسلح مثل جرائم الحرب التي لوحظت مؤخرًا في أوروبا.
لماذا أصبح مكافحة الإرهاب أولوية قصوى للاتحاد الأوروبي؟
بالرغم أن الإرهاب في أوروبا ليس ظاهرة جديدة، ولكنه أصبح يشكل تهديداً أكثر خطورة في السنوات الأخيرة، وقد سهلت تكنولوجيات الاتصال عبر الإنترنت على الإرهابيين التواصل عبر الحدود وضخمت الدعاية الإرهابية وانتشار التطرف، لذلك اعتمد الاتحاد الأوروبي في أبريل 2021 لائحة بشأن معالجة نشر المحتوى الإرهابي عبر الإنترنت وبحسب تقارير تقييمية للخطط الأوروبية لمكافحة الإرهاب فإنّ أوروبا لم تنجح في خططها لمكافحة الإرهاب وهي اليوم كذلك بحسب تقارير إستخباراتية أوروبية فهي تتوقع الأسواء في التحركات الإرهابية في أوروبا.
وعلى الرغم من أن مسؤولية مكافحة الجريمة والحفاظ على الأمن تقع في المقام الأول على عاتق الدول الأعضاء، فقد أظهرت الهجمات الإرهابية التي وقعت في السنوات الأخيرة أن هذه مسؤولية مشتركة أيضاً يجب أن يتم التنسيق والتعاون فيها بشكل أكبر بين الدول الأعضاء خاصة على المستوى الأمني والاستخباراتي.
أزمة المقاتلين الأجانب والإتحاد الأوروبي لم يجد حلا الى اليوم
تشير التقديرات إلى أن ما بين 4000 إلى 5000 من مواطني الاتحاد الأوروبي قد سافروا الى العراق وسوريا منذ عام 2011 للانضمام إلى داعش، وبحسب التقارير الإستخباراتية فإن أكثر من 30% منهم قد عاد بالفعل إلى بلدانهم الأصلية وهذا الرقم تربك الإتحاد الأوروبي كثيرا.
ولخطورة الملف ظلت قضية المقاتلين الأجانب على رأس جدول الأعمال السياسي للاتحاد الأوروبي لسنوات عديدة، والى اليوم بل أنه وبحسب التقارير فهو يستشرف موجة أخطر وأعنف داخل دول الإتحاد الأوروبي.
ولهذا فدول الإتحاد الأوروبي تعمل من أجل تعزز القواعد الجديدة الإطار القانوني لمنع الهجمات الإرهابية ومعالجة ظاهرة المقاتلين الأجانب. ويجرم التوجيه أفعالاً مثل: القيام بالتدريب أو السفر لأغراض إرهابية، تنظيم أو تسهيل مثل هذا السفر، توفير أو جمع الأموال المتعلقة بالجماعات المتطرفة.
بريطانيا تقترح إستراتجيا جديدة لمكافحة الإرهاب
كشفت الحكومة البريطانية في 18 يوليو 2023، عن تحديث لاستراتيجية مكافحة الإرهاب المعروفة باسم “كونتست”، وهي تُعَد الوثيقة الأولى من نوعها منذ خمس سنوات.
وقد أوضحت وزيرة الداخلية البريطانية “سويلا برافرمان”، في تصريحات لها، أن “التهديد الإرهابي لبريطانيا يتزايد، حيث أصبح المهاجمون غير متوقعين بشكل متزايد، ويصعب اكتشافهم”، مشيرةً إلى أن التهديدات أصبحت أكثر تنوعاً وديناميكيةً وتعقيداً، وهو ما دفع بلادها إلى وضع تحديث شامل لاستراتيجيتها الخاصة بالتصدي للإرهاب، التي ركزت فيها على إرهاب الجماعات الإسلامية، باعتباره التهديد المحلي الرئيسي للمملكة المتحدة.
إذ شكل نحو ثلثي الهجمات في عام 2018، فضلاً عن تشتت وانتشار أعضاء تنظيمَي “داعش” و”القاعدة”، في الوقت الذي تحاول فيه الجهات الفاعلة الدولية المعادية للندن الاستفادة من الأنشطة الإرهابية لتحقيق أهداف خاصة لها بالمملكة.
تستند الاستراتيجية إلى عدد من الأطر والتوجهات الرئيسية لدى بريطانيا بشأن العمليات الإرهابية وكيفية التصدي لها، منها:
- التخوف من تهديدات الجماعات الإرهابية الإسلامية،
- تأكيد الطابع المزدوج للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي،
- استدعاء دور أفراد المجتمع في مواجهة الإرهاب،
- تطوير آليات مواجهة الأيديولوجيات المتطرفة،
- تعزيز الشراكة مع الحلفاء الدوليين،
- تفعيل دور القطاع الخاص،
- تعزيز الأمن الوقائي.
اللاتحاد الأوروبي يجدد شراكاته الدولية
يشكل التعاون الدولي جوهر التوجه الذي يتبناه الاتحاد الأوروبي لتحقيق الاستفادة القصوى من آليات مواجهة الإرهاب وتوريط كل الدول في مستنقع مكافحة الإرهاب.
ولتحقيق هذه الغاية:
- يعمل الاتحاد الأوروبي بشكل وثيق مع الأمم المتحدة، ومع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب،
- والمديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب”المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة” على وجه الخصوص،
- كما يعمل الاتحاد الأوروبي أيضًا مع أكثر من 40 كيانًا تابعًا للأمم المتحدة والتي تشكل ميثاق الأمم المتحدة العالمي لتنسيق مكافحة الإرهاب.
- كذلك يشارك الاتحاد الأوروبي في رئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب (GCTF) منذ سبتمبر 2022 بصفته جهة مانحة وعضواٍ في مجالس إدارتها،
- يساهم الاتحاد الأوروبي أيضاً في عمل ثلاث مؤسسات مرتبطة بالمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، والمعهد الدولي للعدالة (IIJ) والصندوق العالمي لإشراك المجتمع وقدرته على الصمود (GCERF)
- الاتحاد الأوروبي هو شريك غير عسكري للتحالف العالمي ضد داعش
- يتعاون بنشاط مع حلف شمال الأطلسي والانتربول،
- ويتعاون مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وفرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية (FATF).
ما هي استراتيجية أوروبا لمكافحة الإرهاب في إفريقيا؟
مدد مجلس الاتحاد الأوروبي تفويض العملية الأمنية في أفريقيا في ديسمبر 2020. وساعدت عملية “أتالانتا” أيضًا في إنفاذ حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على الصومال وكذلك مكافحة الاتجار بالمخدرات غير المشروعة.
ويبقى التركيز الرئيسي على توفير الحماية للسفن التي تحمل شحنات لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ودعم بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال “أميسوم”.
ويكتسب القرن الإفريقي أهمية خاصة لدى أوروبا لأن هناك حوالي 40٪ من ممرات الشحن العالمية و 25٪ من الإمدادات البحرية للاتحاد الأوروبي تمر عبر خليج عدن.
على الرغم من أن القرصنة قد تم تحديدها إلى حد كبير من خلال الجهود الدولية، وقبل كل شيء عملية الاتحاد الأوروبي “أتالانتا”ATLANTA ، إلا أنها لا تزال تشكل تهديدًا أساسيًا للأمن البحري بما في ذلك الاتجار غير المشروع والتجارة غير المشروعة.
وبالنسبة لمصالح الإتحاد الأوروبي لا يزال الوضع الأمني متقلبًا في إفريقيا، مع استمرار نشاط الجماعتين الإرهابيتين، حركة الشباب وداعش، والمجموعات المتبقية من القاعدة التي تحاول أوروبا ترويضها وإيجاد إتفاق معها.
الخلاصة:
تخبط وإنشقاقات زمخاوف كبيرة لدى الإتحاد الأوروبي وخاصة أن التقارير الإستخباراتية كلها “سلبية” ولا تنبؤ بخير فمع الأزمة الأوكرانية و الإنهيارات الإقتصادية يجد الإتحاد الأوروبي نفسه أمام تحديات مستمرة ومتصاعدة ومن أبرزها المخاطر الأمنية وما يتعلق بالتأثير على زيادة التهديدات الإرهابية في دول أوروبا.
والى حدود الساعة لم تجد الدول الأوروبية لتعزيز استراتيجية يمكن أن تكون ناجعة من أجل تحقيق أعلى مستوى من المواجهة مع تنظيمات الإرهاب في الداخل والخارج، كما تسعى لتنسيق جهودها وتبادل المعلومات والخبرات فيما بينها لمحاصرة نشاط التنظيمات الإرهابية ولكنها الى اليوم لم تنجح لأن الأزمة الأكرانية قد شتت تعاونها وأولوياتها.
الإجراءات المتخذة حتى الآن لم تنجح تماما بوضع نهاية إلى التنظيمات الإرهابية التي تستفيد من التطورات التقنية الافتراضية للتخفي والتواصل فيما بينها مخترقة بذلك حدود الدول وإجراءاتها الأمنية، لذلك تبدو دول أوروبا في حاجة مستمرة لتعزيز سبل المواجهة.
والملف الذي تحاول أوروبا غض البصر عليه وعدم طرحه هو ملف ملف المقاتلين الأجانب وعوائل تنظيم داعش الأوروبيين في المخيمات، ولا ينبغي أن تستمر السياسات الأوروبية بالتجاهل مستقبلًا لأن النتائج ستكون عكسية عليها هي بالأساس ونحن نرى حجم الهجرة الغير شرعية خاصة من دول الساحل الإفريقي والذين تقول أغلب التقارير أنه من بينهم عدد كبير من الإرهابيين.