لماذا يكره الإخوان انتصارات أكتوبر ؟
عمرو فاروق-باحث في الإسلام السياسي
يمثل انتصار الجيش المصري على الكيان الصهيوني في أكتوبر 1973، تاريخا مهما في ذاكرة المجتمع العربي ووجدانه، وركيزة أساسية في إطار الصراع العربي الإسرائيلي لما حققه من هزيمة كاسحة شارك فيها العديد من ابناء الأمة العربية بمختلف أطيافهم والوانهم. لكنه لجماعة الإخوان ودراويشها يمثل تجسيدا لحالة من الكراهية، إذ تمنوا حرفيا هزيمة الجيش المصري، مثلما سجدوا لله شكرا في نكسة 1967، فلم تنس الجماعة معركتها مع النظام السياسي وصدامها مع الدولة المصرية ومؤسساتها وفقا للمشروع القطبي، ولم تخف عداءها للرئيس أنور السادات باعتباره امتدادا وشريكا للرئيس جمال عبد الناصر في كل مآلات الحقبة الناصرية، ولم تنس نهائيا مشاركته في محكمة الشعب عام 1954، التي أصدرت حكمها على عدد من قياداتها بالإعدام شنقا، منهم عبد القادر عودة ويوسف طلعت، رغم الانفتاح الذي شهدته الجماعة في المرحلة الساداتية من تاريخ الدولة المصرية.
كانت انتصارات أكتوبر المجيدة، حدثا مشؤوما بالنسبة إلى جماعة الإخوان ومشروعها المناهض والرافض لمبادئء ومفاهيم الدولة الوطنية المتعارضة مع أدبياتهم القائمة على فكرة الأممية الأصولية واستاذية العالم، التي طرحها حسن البنا، وبلورها سيد قطب، ولا تعترف بالحدود، ولا بالمواطنة، بل وتكفر وتعادي بوضوح النظم السياسية والدساتير الوضعية.
فضلا عن طرح منصاتهم الإلكترونية مقالات تشكك في حقيقة الانتصار من عدمه، تحت عنوان “حرب أكتوبر نصر أم هزيمة”، معتبرين أن الجيش المصري تعرض لهزيمة كبرى في تلك المعركة، من خلال ثغرة “الدفرسوار”، التي اعتبرتها الجماعة نقطة تحول في مسار المعركة الدائرة، وسببًا في تحقيق إسرائيل نصرًا كبيرًا على الجيش المصري.
ستة أشهر كانت هي المسافة الفاصلة بين انتصارات الجيش المصري على الصهاينة في معركة العبور عام 1973، وبين مخطط الإخوان وحلفائها في تنفيذ أول انقلاب مسلح في مصر، للإطاحة بالرئيس السادات، من خلال مجموعة تابعة للفلسطيني صالح سرية، في 18 إبريل 1974.
هدفت الخطة للسيطرة على مخازن السلاح بـمقر”الكلية الفنية العسكرية” في القاهرة، ثم استخدامها في محاولة الهجوم على قصر الرئاسة، واغتيال السادات، والسيطرة على مبنى الإذاعة والتلفزيون، لإذاعة بيان إقامة الدولة الإسلامية في مصر. وهو الهجوم الذي فشل حينها، وعرف بـ”مذبحة الفنية العسكرية”، وقتل فيه 17 وإصيب 65 آخرين، غالبيتهم من حراس الكلية، على أيدي عناصر من حاملي جينات الفكر القطبي التكفيري، تحت إشراف ورعاية حسن الهضيبي وزينب الغزالي، وضمت المجموعة كل من صالح سرية، وطلال عبد المنعم الانصاري، وكامل عبد القادر، وحسن محمد هلاوي، وكارم الأناضولي.
أصدرت المحكمة المصرية حكما بإعدام صالح سرية، وطلال الأنصاري، وكارم الأناضولي، وبمعاقبة قيادات التنظيم بعقوبات تراوح بين الأشغال الشاقة المؤبدة والسجن، وبالبراءة لأربعين متهما من بينهم المتهم حسن هلاوي أمير التنظيم في القاهرة.
وقام الرئيس السادات بتخفيف عقوبة الإعدام الصادرة في حق المتهم طلال الأنصاري إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، نتيجة وساطة والده الشاعر السكندري عبد المنعم الأنصاري، بينما تم تنفيذ حكم الإعدام على كل من صالح سرية وكارم الأناضولي.
كان صالح سرية قائداً في الجناح العسكري لجماعة الإخوان في العراق، ثم انتقل إلى سوريا ومنها إلى القاهرة في 1971، لينال درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس، عن أطروحته “تعليم العرب في إسرائيل” عام 1973.
اتجه صالح سرية عقب وصوله للقاهرة إلى منزل زينب الغزالي التي أدت دوراً أساسياً في تقديمه لمرشد الإخوان حسن الهضيبي، وتعريفه بمجموعات الشباب الجديد، ومنهم طلال الأنصاري، وإسماعيل الطنطاوي، ويحي هاشم.
كعادة الإخوان حاولوا التبرؤ من مذبحة الفنية العسكرية، إلا أن طلال الأنصاري كشف في مذكراته، “صفحات مجهولة من تاريخ الحركة الإسلامية”، أن تنظيم “الفنية العسكرية” كان في الأساس ضمن مخطط لجماعة الإخوان في محاولة تقويض نظام الرئيس السادات، ولكن بطريقة مختلفة، ففي حال نجاح انقلاب صالح سرية، يتبناه الإخوان ويسيطروا على الحكم، وفي حال فشل المحاولة تنكرها الجماعة، وتعتبرها محاولة فاشلة من شباب متحمس غير مسؤول.
كان المخطط الأكبر في التحريض على اغتيال الرئيس السادات في الذكرى الثامنة لمعركة العبور عام 1981، على يد عناصر من الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد، فتورط الإخوان في دعم وتأييد قرار اغتيال السادات، له الكثير من الشواهد القائمة على الإيمان العميق بالفكر التكفيري وتوظيف القوة وتحريك مختلف الأطياف والفئات لتحقيق مآرب الجماعة ومشروعها في شكل مباشر أو غير مباشر.
كان الإخوان على علم مسبق بكل تفاصيل عملية اغتيال الرئيس السادات، وفقا لما ذكره القيادي السابق بالجماعة الإسلامية وليد يوسف البرش، من أن كرم زهدي الأمير السابق للجماعة الإسلامية بمصر، أبلغهم نصًا، أن الإخوان كانوا يعلمون تفاصيل حادث الاغتيال وموعده، وأنهم حرضوا قيادات الحركة الإسلامية على قتل السادات والخلاص منه.
بل إن مصطفى مشهور مؤسس التنظيم الدولي، أصدر عدداً من مجلة “الطيور المهاجرة” التى أصدرها الإخوان في فيينا، وعلى غلافها صورة خالد الإسلامبولي، وقتلة السادات في القفص، وكتب تحتها: “أبناء الإخوان في سجون مصر”.
الدكتور منير الغضبان، أحد أهم مرجعيات الإخوان الفكرية في سوريا، تحدث بوضوح في كتابه “المنهج الحركي للسيرة النبوية”، عن تأييد قرار اغتيال الرئيس السادات، في صفحة 347: “زعماء الطاغوت اليوم، الذين أشعلوا الحرب على المسلمين، هؤلاء يُتقرّب إلى الله بدمائهم، وما فعله شباب الإسلام بالحاكم الذي تحدّى المسلمين في الأرض، فصالح عدوهم (اليهود) في يوم عيدهم، حين قتلوا هذا الطاغية إنّما غسلوا عار المسلمين جميعاً في أرض الكنانة، ونصروا الله تعالى ورسوله بالغيب”.
كتاب “المنهج الحركي للسيرة النبوية”، الذي يتم تدريسه في شكل موسع داخل الأسر والكتائب الإخوانية، يقول فيه منير الغضبان في صفحة 353: “لقد حقّق الاغتيال هدفه حين أحكمت خطته، ومهمتنا اليوم أن نتقن هذا الفنّ، ونحكمه، ولا بدّ من أن تكون عمليات الاغتيال هادفة، ومحققة لعنصر بثّ الرعب في صفوف المجرمين، وإنّ أقدر الناس على تنفيذ عملية الاغتيال أبعدهم عن الشكّ فيه”.
ويضيف القيادي الإخواني، “إنّ اتخاذ مظاهر الكفر، وإعلان الكفر، والنيل من الإسلام والمسلمين لتحقيق مثل هذه المهمّة أمرٌ لا حرج فيه، وكلّ ما من شأنه أن يقصم ظهر العدو، ويفلّ مقاومته؛ هو من حقّ الثائرين، سيان أكان أهدافاً مدنية أو عسكرية، ولن يتراجع الطغاة عن طغيانهم ما لم يصابوا بأرواحهم، وحياتهم، وأموالهم، وأمنهم”.
كراهية الإخوان وتعمدهم لتشويه تاريخ انتصارات الجيش المصري، دفعهم إلى تكريم ومشاركة قتلة الرئيس السادات في احتفالات 6 أكتوبر 2012، اثناء تصدرهم للمشهد السياسي في مصر، بل أصبح شهر أكتوبر أكثر شهور العام تزايدا في وتيرة العمليات الإرهابية التي شهدتها الدولة المصرية على مدرا تاريخها، والأمثلة والشواهد كثيرة في هذا الصدد.