آسياأخبار العالم

لماذا يعتبر نمو الناتج المحلي الصيني بنسبة 5.4% أكثر من مجرد رقم؟

تقرير في موقع “CGTN” الصيني يتناول اقتصاد الصين حالياً، ويؤكّد أنه يظل قوة لا يُستهان بها، ليس لأنه لا يمكن إيقافه، ولكن لأنه يعرف كيف يواجه العاصفة في ظل حرب الرسوم الجمركية الأميركية.

تحدث موقع “CGTN” الصيني، في تقرير له، عن نوع من الثقة الهادئة الكامنة في الأرقام التي تفوق التوقعات، مشيراً إلى أنه في حالة الصين، فإنّ نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.4% في الربع الأول من عام 2025 لا يشير فقط إلى المرونة – بل يروي قصة تصميم، وصنع سياسات بارعة، وبلد لا يزال يرفض أن يُحاصر بالتوقعات القاتمة أو التنافسات الجيوسياسية.

وبحسب التقرير، لم يكن هذا النمو سحراً، ولم يكن مجرد خدعة إحصائية. لقد كان نتيجة خيارات مقصودة، وتحولات ذكية، وقليل من تلك السمة الصينية القديمة – البراغماتية العنيدة.

وبحسب الموقع الصيني، فإنّ نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.4% ليس مجرد إنجاز في الاقتصاد العالمي اليوم؛ إنه بيان نوايا. بالنسبة لدولة تتنقل في مناخ عالمي عاصف – مع ضغط التعريفات الجمركية الأميركية من جانب والرياح المعاكسة المحلية من جانب آخر – يُظهر رقم النمو هذا أنّ الصين تلعب كلاً من الهجوم والدفاع بمرونة مدهشة.

إنفاق المستهلك… على سبيل المثال

ارتفعت مبيعات التجزئة بنسبة 5.9% على أساس سنوي في مارس، متجاوزةً توقعات المحللين. وبينما تُركّز عناوين الصحف الغربية غالباً على “ضعف الطلب المحلي” في الصين، فإنّ انتعاش الاستهلاك يُشير إلى قصة مختلفة. يبدو أنّ المستهلكين الصينيين ليسوا متشائمين كما يُصوّرهم البعض. فقد أبدت الطبقة المتوسطة في البلاد، وهي شريحة سكانية متنامية ومتطورة، رغبةً متجددةً في الإنفاق. ولعبت قسائم الاستهلاك المُوجّهة والدعم الحكومي في بكين دوراً هاماً أيضاًَ، حيث حفّزت المشترين على العودة إلى مراكز التسوق ومنصات التجارة الإلكترونية. إنه علاجٌ بالتجزئة، على الطريقة الصينية – مع دعمٍ اقتصاديٍّ كلي، وفق التقرير الذي أورد ما يلي:

الناتج الصناعي الصيني ارتفع بنسبة 7.7% في مارس

وتابع التقرير، أنّ الناتج الصناعي الصيني ارتفع بنسبة 7.7% في مارس، مضيفاً أنّ هذا أكثر من مجرد انتعاش – إنه انتعاشٌ قويٌّ وشامل. إذ يتطور قطاع التصنيع في الصين بوتيرة أسرع مما يُدركه الكثيرون. ويتزايد التركيز على صادرات التكنولوجيا الفائقة، والمركبات الكهربائية، والروبوتات، ومكونات الطاقة المتجددة. رؤية “صُنع في الصين 2025″، التي استهزأ بها البعض سابقاً، تتبلور تدريجياً في صورة صناعات أذكى وأنظف وأكثر تنافسية عالمياً.

وتابع التقرير: صحيحٌ أنّ موجةً من التحفيز الحكومي قد ساهمت في ذلك، لكن التحفيز دون هيكلية لا يزيد عن كونه نشوة مُفرطة. ما نراه هنا هو معايرة دقيقة – انخفاض أسعار الفائدة لتخفيف تكاليف الأعمال، وإعفاءات ضريبية للشركات الناشئة، وتوجه مدروس نحو الصناعات الاستراتيجية التي يُتوقع أن تُشكل الاقتصاد العالمي في العقد المقبل.

وتشير البطالة، وهي المقياس الرئيسي لمشاعر الرأي العام، إلى الاتجاه الصحيح أيضاً.

ووفق التقرير الصيني، فقد انخفض معدل البطالة في المناطق الحضرية إلى 5.2% في مارس، مسجلاً تحسناً ملحوظاً مقارنة بـ 5.4% في فبراير. ولا يُعد هذا مجرد ارتياح إحصائي، بل يُشير إلى سوق عمل يشهد تعافياً، حتى في ظل الاضطرابات العالمية. ويجد الخريجون الشباب فرص عمل في قطاع الخدمات المتنامي والشركات التقنية الناشئة في الصين، بينما تستفيد الشركات الصغيرة والمتوسطة – التي غالباً ما تُغفل في التحليلات الاقتصادية الكلية – من سهولة الحصول على الائتمان وبيئة تنظيمية أكثر تسامحاً. بمعنى آخر، لا تنمو الصين فحسب؛ بل تتكيف أيضاً.

هل هناك ركيزة إيجابية أخرى؟

وبالإضافة إلى ذلك، فقد ارتفع الاستثمار في الأصول الثابتة بنسبة 4.2% في الربع الأول، مدفوعاً بشكل رئيسي بالإنفاق القوي على البنية التحتية العامة والتصنيع. وبينما لا يزال قطاع العقارات يُشكل عائقاً، فقد خفف التحول نحو مشاريع البنية التحتية التي تقودها الحكومة من وطأة الأزمة. فالطرق والسكك الحديدية والموانئ ليست مجرد رموز للنمو الصيني؛ بل هي شراينه. والأهم من ذلك، أنّ الإنفاق على البنية التحتية له عوائد طويلة الأجل. فهو يدعم التوظيف، ويعزز الطلب على السلع المحلية، ويعزز الإنتاجية على المدى الطويل. صحيح أنه ليس من أكثر العوامل جاذبية، إلا أنه من أكثرها موثوقية.

ولعل أكثر العناصر التي لا تحظى بالتقدير الكافي في قصة نمو الصين هو صعودها كمركز للابتكارـ يؤكد الموقع الصيني.

وبشأن الرسوم الجمركية الأميركية، يقول التقرير إنّه من المرجح أن تؤثر حرب التجارة المتبادلة – التي تتصاعد الآن إلى “حرب تجارية ثانية” – سلباً على الصادرات الصينية في الأشهر المقبلة. ومن المرجح أن يكون جزء من قوة الربع الأول مدفوعاً بـ”الاندفاع قبل فرض الرسوم الجمركية” حيث سارع المصدرون إلى شحن البضائع قبل فرض الرسوم الجديدة.

ومع ذلك، حتى في هذا السياق، أظهرت الصين قدرة على التكيف. فقد انخفضت حصة الصادرات المتجهة إلى الولايات المتحدة إلى 14.7%، بعد أن كانت تقارب 20% في عام 2018.

وهذا ليس مجرد تحول في أنماط التجارة؛ بل هو تحول استراتيجي. فالصين تعمل على تنويع أسواقها – بتعميق تجارتها مع جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط، وحتى أجزاء من أميركا اللاتينية وأفريقيا، يؤكد الموقع الصيني.

ووفقاً له، في الوقت الحالي، الأرقام تتحدث عن نفسها. وما يقولونه، بهدوء ولكن بلا لبس، هو أنّ اقتصاد الصين يظل قوة لا يستهان بها ــ ليس لأنه لا يمكن إيقافه، ولكن لأنه لا يزال يعرف كيف يواجه العاصفة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق