أخبار العالمأمريكاأوروبا

كييف ورقة استراتجية لترامب: ترامب يتفاوض بإسم زيلنسكي  

خلال الفترة الماضية، حرص زيلينسكي على تقديم صورة أوكرانيا كخط الدفاع الأول عن الديمقراطية الغربية، ونجح في تأمين دعم عسكري واقتصادي غير مسبوق من الولايات المتحدة وأوروبا.

لكن تصريحات ترامب الأخيرة، التي ألمح فيها إلى إمكانية تقديم أوكرانيا تنازلات إقليمية، تضع زيلينسكي أمام معادلة صعبة: إما التمسك بموقفه الرافض للتفاوض، ما قد يؤدي إلى خنقه ماليًا وعسكريًا، أو القبول بتسوية تقوض ما تبقى من سيادة أوكرانيا.

وبالتالي تتجه الحرب في أوكرانيا نحو مفترق حاسم، ليس بسبب إنجازات ميدانية مفاجئة، بل بسبب التحولات السياسية في مواقف الحلفاء، وعلى رأسهم الولايات المتحدة.

تصريحات زيلينسكي الأخيرة حول رفضه تقديم أي تنازلات إقليمية لروسيا تتناقض مع التوجهات الأميركية الجديدة، خاصة مع عودة ترامب إلى المشهد السياسي، حيث أبدى استعداده لقبول “تسويات مؤلمة” لإنهاء الحرب.

هذا التحول يعكس واقعًا صادمًا لكييف: الاعتماد غير المشروط على الدعم الغربي كان رهانًا محفوفًا بالمخاطر، وها هو الآن يتراجع أمام مصالح أكبر تحددها واشنطن وليس كييف.

ما يعزز هذه الضغوط أن بعض الدوائر السياسية في واشنطن باتت ترى في استمرار الدعم غير المحدود لأوكرانيا عبئًا ماليًا وسياسيًا. ومع صعود التيار الانعزالي داخل الحزب الجمهوري، وتصاعد الأصوات التي تدعو إلى “إعادة ترتيب الأولويات”، باتت كييف في مواجهة واقع لا مفر منه: الغرب الذي دعمها بسخاء في بداية الحرب، بدأ الآن في إعادة تقييم حساباته.

تصريحات ترامب لم تأتِ من فراغ، بل تعكس تغيرًا في المزاج العام داخل الأوساط الغربية تجاه الحرب الأوكرانية. مع تراجع التأثير الإعلامي للصراع، وارتفاع كلفة الدعم العسكري، بدأت بعض الدول الأوروبية في التلميح إلى ضرورة “الحل الدبلوماسي”، وهو تعبير دبلوماسي عن القبول بتقديم تنازلات.

في المقابل، تدرك موسكو أن الوقت أصبح لصالحها، فكل يوم يمر دون اختراق عسكري كبير لأوكرانيا يزيد من احتمالات إنهاك الغرب وتراجعه عن التزاماته. تصريحات ترامب التي استبعد فيها انضمام أوكرانيا إلى الناتو تعكس هذا الواقع، فهي تزيل من الطاولة أحد أكبر المخاوف الروسية، وتؤكد أن فكرة انضمام كييف إلى الحلف لم تكن سوى ورقة ضغط وليست التزامًا حقيقيًا.

المتابع للموقف الأميركي في السنوات الماضية يدرك أن واشنطن لم تتعامل مع أوكرانيا كحليف استراتيجي مستقل، بل كأداة في لعبة التوازنات مع موسكو. منذ بداية الأزمة، كانت واشنطن تدير الدعم العسكري لكييف بطريقة تمنع سقوطها السريع، لكنها لم تمنحها في أي لحظة القدرة على حسم المعركة ضد روسيا. كان الهدف الحقيقي هو إنهاك موسكو واستنزافها، وليس تمكين أوكرانيا من الانتصار النهائي.

لكن مع استمرار الحرب، وتزايد كلفتها السياسية والاقتصادية، بدأ الحساب الأميركي يتغير. الآن، يبدو أن أوكرانيا لم تعد ورقة رابحة، بل أصبحت عبئًا يمكن التضحية به مقابل تحقيق تسوية أوسع بين واشنطن وموسكو، خاصة في ظل إعادة ترتيب الأولويات الأميركية تجاه الصين والشرق الأوسط.

الواقع الجديد يفرض على أوكرانيا إعادة تقييم استراتيجيتها. لم يعد بالإمكان الرهان على دعم غير مشروط من الغرب، ولا يمكنها الاستمرار في المواجهة دون موارد مستقرة. مع تراجع الحماسة الغربية وتزايد الضغوط الداخلية، قد تجد كييف نفسها مضطرة للقبول بتسوية لم تكن مستعدة لها قبل عام.

في عالم السياسة، لا يوجد دعم مجاني، وما كانت تعتقده كييف التزامًا أميركيًا صلبًا، كان في الحقيقة مجرد ورقة مساومة في يد واشنطن.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق