كيف تحرك واشنطن الصراع السعودي الاماراتي في جنوب اليمن؟

قسم البحوث والدراسات الاستراتجية 24-12-2025
لا يمكن فصل التطورات المتسارعة في جنوب اليمن عن التحولات الجارية في المقاربة الأميركية للملف اليمني ككل، فالولايات المتحدة، التي خفّضت خلال الفترة الماضية منسوب انخراطها المباشر في الحرب، لا تبدو في وارد الانسحاب من معادلة الصراع، بل تعيد تموضعها عبر إدارة التناقضات بين حلفائها الإقليميين، وتوظيف القوى المحلية كأدوات ضغط قابلة لإعادة التفعيل عند الحاجة. جنوب اليمن يشكل في هذا السياق ساحة اختبار مركزية لهذه الاستراتيجية.
التحركات العسكرية والسياسية التي يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي، بدعم إماراتي واضح، بالتوازي مع محاولات سعودية للحد من تمدده في حضرموت والمهرة، تعكس عمق التباين داخل معسكر الحلفاء.
غير أن الأهم هو أن هذا التباين لا يُنظر إليه أميركياً كأزمة يجب حلها، بل كمعطى يمكن التحكم به وتوظيفه ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى إبقاء الصراع مفتوحاً، لكن مضبوط الإيقاع طبعا والخيوط كلها بيد أمريكا فهي من تعقد العقدة وبيدها تحركها كما تشاء.
تدرك واشنطن أن جنوب اليمن لم يعد مجرد هامش للصراع مع صنعاء، بل بات عقدة جيوسياسية تتقاطع فيها مصالح متعددة منها التالي:
- أمن الممرات البحرية،
- النفوذ الإقليمي،
- ومستقبل الترتيبات السياسية في اليمن.
من هنا، فإن التعامل الأميركي مع المجلس الانتقالي لا ينطلق من اعتراف سياسي صريح، بل من إدراك وظيفي لدوره كقوة ميدانية قادرة على فرض وقائع، من دون أن تتحمل واشنطن كلفة تبني مشروعه السياسي بشكل مباشر.
في المقابل، تنظر السعودية إلى الجنوب من زاوية مختلفة، إذ ترى في تمدد المجلس الانتقالي تهديداً لوحدة المعسكر الموالي لها، ومصدر قلق إضافي في ظل هشاشة الترتيبات الأمنية على حدودها الجنوبية.
هذا التباين بين الرياض وأبوظبي ليس جديداً، لكنه اليوم أكثر وضوحاً، خاصة مع توسع نفوذ الميليشيات التابعة لكل طرف، وتحول الجنوب إلى مساحة تنافس غير معلن على النفوذ والقرار.
الدور الأميركي هنا لا يقوم على ترجيح كفة طرف على حساب آخر بشكل حاسم، بل على إدارة هذا التنافس بما يمنع انفجاره الكامل. واشنطن لا تريد صداماً سعودياً–إماراتياً مفتوحاً في اليمن، لكنها في الوقت نفسه لا ترى مانعاً من استمرار حالة الشد والجذب، طالما أنها تُبقي الأطراف بحاجة إلى المظلة الأميركية، وتمنع تشكل مسار سياسي مستقل قد يفرض تسوية لا تخدم المصالح الأميركية.
هذا المنطق يفسر التساهل الأميركي مع التحركات الإماراتية في الجنوب، مقابل الاكتفاء برسائل تهدئة شكلية تجاه الهواجس السعودية. كما يفسر التركيز الأميركي المتزايد على إعادة ترتيب الأولويات العسكرية، بحيث يبقى الضغط موجها نحو صنعاء، لا نحو تفكيك الصراعات البينية داخل معسكر الحلفاء.
غير أن هذه الاستراتيجية تنطوي على مخاطر بنيوية، فتعزيز دور الميليشيات المحلية، سواء التابعة للإمارات أو للسعودية، يعمّق من تفكك المشهد الجنوبي، ويقوض أي إمكانية لبناء سلطة مستقرة قادرة على إدارة الأرض.
كما أن تحويل الجنوب إلى منصة ضغط عسكري أو سياسي يعيد إنتاج معادلات الفشل نفسها التي شهدتها الحرب خلال السنوات الماضية.
الأهم من ذلك أن واشنطن تبدو وكأنها تتجاهل التحولات التي طرأت على ميزان القوة في اليمن. فصنعاء لم تعد الطرف الذي يمكن إخضاعه عبر أدوات ضغط غير مباشرة، بل باتت تمتلك قدرة ردع تجعل أي تصعيد جديد عالي الكلفة، ليس فقط على الأطراف المحلية، بل على الداعمين الإقليميين أنفسهم.
تكشف خطة واشنطن في جنوب اليمن عن مقاربة تقوم على إدارة الصراع لا حله، وعلى توظيف الخلاف السعودي–الإماراتي بدل تسويته. هذه المقاربة قد توفر للولايات المتحدة هامش مناورة مؤقت، لكنها تضع الجنوب واليمن عموماً أمام مسار أكثر هشاشة وتعقيداً، حيث تتراكم عوامل الانفجار المؤجل، وتُستنزف القوى المحلية في صراعات تخدم حسابات خارجية أكثر مما تخدم أي أفق استقرار حقيقي.



