كفى كفى!
خالد بن حمد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة
ما تقوم به إسرائيل من عقاب جماعي للفلسطينيين بدعم مفتوح من أمريكا والغرب لا يمكن القبول بأي تبرير له، ومدان كل من يشجعه أو يدعمه أو يرى فيه حقاً لإسرائيل للدفاع عن النفس؛ فالمدنيون خط أحمر يجب عدم المساس به، أو التفكير بالانتقام من مدنيين فلسطينيين لا مسؤولية عليهم فيما قتل أو أصيب أو أسر في عملية طوفان الأقصى.
وتتتابع المشاهد الدامية التي تتوالى ليل نهار من غزة بفعل الطيران الحربي الذي لا يفرق في أهدافه بين عناصر حماس والمدنيين الفلسطينيين العزّل، هو عمل غير مقبول، وتصرف أحمق، وتصعيد جبان لن يقود إلى السلام في المنطقة، ولن يحمي إسرائيل من ردود الفعل الفلسطينية الغاضبة أمام ما تقوم به إسرائيل من مجازر بحقهم.
لقد قال محمد بن سلمان كلمته، وتحدث عن وجهة نظره، وكان حرياً بالولايات المتحدة أن تأخذ بها إذا كانت واشنطن صادقة في بحثها عن حل لهذه المشكلة المزمنة والتاريخية والظالمة على مدى أكثر من سبعين عاماً، خاصة وأنها تدعي بأنها تقود العالم الحر، وأنها مع حقوق الإنسان، ومع الديمقراطية، وتناصر الشعوب المظلومة، وهي ادعاءات أمريكية حين نقوم بتطبيقها على الحالة الفلسطينية لا نجد غير كلام يطير في الهواء.
من المرات القليلة التي يظهر فيها الصوت بهذه القوة من موسكو وبكين منددين بما تقوم به إسرائيل من مجازر في غزة، ومن الحالات النادرة التي نرى فيها الصين وروسيا تستنكران هذا الدعم الأمريكي الأعمى للعدوان الإسرائيلي على غزة، ربما لأن إسرائيل في هذه الجولة من معاركها مع الفلسطينيين قد تجاوزت الحدود، وعرضت سلامة كل المدنيين للخطر، دون وازع من ضمير، أو الخوف من أن تنال المساءلة والعقاب على جرائمها الموثقة بالصوت والصورة.
يقول نتنياهو بأنهم حصلوا على دعم أمريكي كبير، وجسر جوي يتواصل لإمداد إسرائيل بالعتاد والسلاح، وأن أمريكا تشارك مع إسرائيل في تقديم المعلومات الاستخباراتية وعلى أعلى المستويات، وأنه طلب من واشنطن أسلحة خفيفة لتكون في متناول المدنيين الإسرائيليين للدفاع عن أنفسهم، وأنه تأكد له أن هذا الدعم الراسخ لإسرائيل سوف يتواصل، وأن مخازن أمريكا من كل أنواع الأسلحة في إسرائيل هي بتصرف تل أبيب، أما وزير الدفاع الأمريكي فقد وصل إلى إسرائيل، وصرح بأنه أتى ليناقش الإسرائيليين حول خططهم العسكرية لمساعدتهم في ذلك.
تفاصيل أخرى كثيرة ومهمة عن الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية، وقد نشرنا في هذه الزاوية شيئاً منها في كلمات سابقة، حيث المقاتلات F35 وحاملة الطائرات وغيرها، وفي مقابل ذلك هناك موقف بريطاني معاضد للعدوان الإسرائيلي، حيث أرسلت لندن على وجه السرعة سفينتين حربيتين، وطيرانها يقوم بطلعات جوية ضمن إسنادها للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، ولألمانيا مواقف مماثلة.
يحدث كل هذا بينما تُحاصر غزة، ويُقتل مواطنوها بالآلاف، ويتم تدمير المباني والطرقات، وتستخدم المواد المحرّمة دولياً في هذا العدوان الجائر، ومحاولة تفريغ غزة من المواطنين، وتهجيرهم خارجها، وإجراء إحداثات بها كما لو أنها لم تكن مدينة تاريخية مكتظة بالسكان، حيث لا توجد مدينة بالعالم بهذه المساحة الصغيرة ويسكنها ملايين البشر.
الآن يمنع الماء والدواء والغذاء والكهرباء من تزويد غزة بها، وتحول إسرائيل دون فتح ممرات آمنة لإدخال المساعدات، بل إنها تمنع خروج أي شخص من غزة إلى مصر هروباً من هذا الجحيم ما لم يكن بإشرافها وموافقتها، ليظل المواطن تحت الحصار، ومعرضاً للموت بفعل آلاف الأطنان من القنابل التي تدك بها المباني على ساكنيها، والعالم يتحفظ حتى في التنديد بالكلام المباح.
حتى قواعد الحرب، والقانون الدولي غابت عن ساحة القتل مع هذا التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق في استخدام إسرائيل للقوة المفرطة في هجومها على غزة، وكأن تل أبيب حالة استثنائية بين كل الدول، وهي بالفعل كذلك، إذ لا تُعاقب، ولا تُجرّم، ولا تُحاسب، ولها أن تفعل ما تريد، وهناك من يحميها ويدافع عنها، ويلتمس لها الأسباب، وعلى رأس هؤلاء أمريكا وبعض دول أوروبا.
سينتهي هذا القتال الدامي، لكن السلام والاستقرار والأمان لن يحضر أبداً ما لم تعالج المشكلة التي فجّرت هذه المعارك بكل هذه القسوة، وأعني بالمشكلة إقامة الدولة الفلسطينية، اعتماداً على قرارات الشرعية الدولية الملزمة لإسرائيل وفلسطين وجميع دول العالم