كتاب الإسرائيلي داني بركوفتش: “هل يمكن قطع رؤوس الهيدرا؟ معركة إضعاف حزب الله”
قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 12-10-2024
يُعيد العدوان الإسرائيلي الحالي على لبنان، الذي أطلقت عليه قيادة الكيان المؤقت اسم “سهام الشمال”، تسليط الضوء على كتاب الباحث الإسرائيلي داني بركوفتش، الذي صدر سنة 2007، تحت عنوان: “هل يمكن قطع رؤوس الهيدرا؟ معركة إضعاف حزب الله”.
أهم ما جاء في الكتاب وأركانه
فمن خلال العودة الى هذا الكتاب، سنلاحظ مدى التشابه الكبير ما بين ما نظّر إليه بركوفتش، وما بين مراحل هذا العدوان بنسبة كبيرة ومتطابقة الى حدٍ ما، خاصةً لناحية 4 أركان أساسية مما اعتبره مصادر قوة حزب الله:
- إضعاف قوة العقيدة والإيمان،
- وضرب قوة التجذر الشعبي،
- واستهداف قيادة الحزب خاصةً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله،
- وإضعاف قوة الروابط الإقليمية للحزب خاصةً مع الجمهورية الإسلامية في إيران (العمق الاستراتيجي للمقاومة).
الركن الأول: “إضعاف قوة العقيدة والإيمان”:
فهو ما جرى محاولة تنفيذه خلال كل السنوات السابقة وباءت بالفشل، من خلال إثارة الشبهات حول العقيدة وتشجيع الأفكار التي تشوشها وتشوهها، ودعم النزعات الطائفية والمذهبية وخاصة بين السنة والشيعة.
وفي هذا الركن، أدّت تداعيات عملية طوفان الأقصى الى نسف كل الجهود الأمريكية والإسرائيلية وغيرهم في هذا الجانب، بحيث ظهرّت حالة من التضامن الشعبي الواسع والداعم لحزب الله، في خياره لإسناد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية.
الركن الثاني: ضرب ركن قوة التجذر الشعبي للمقاومة
وبحسب الكتاب يتطلب إضعاف قوة التجذر الشعبي للمقاومة وقدرتها على التوسع الاجتماعي، ضرورة الوصول إلى أن يكره المجتمع المقاومة التي تدافع عنه وذلك عبر فرض الحصار الاقتصادي والتجويع (وهو ما بدأ منذ سنة 2019 وما تبعها من أزمة اقتصادية ضربت لبنان لكن المقاومة استطاعت سريعاً تحويل التهديد الى الفرصة)، والتهجير، وتوجيه الضربات العسكرية للجسد المدني بحجة وجود المقاومة، وتكثيف التغطية الإعلامية التي تبرر الضرب والحصار بوجود المقاومة، حتى يمكن عزلها عن محيطها الاجتماعي، وحرمانها من حاضنتها الطبيعية.
ومن خلال استعراض كافة مراحل العدوان المستمر منذ هجمات “البايجر” الشهيرة، ومن ثم تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية، مروراً بالاعتداءات الجوية على جميع المناطق التي تتمركز فيها البيئة الشعبية الحاضنة للمقاومة، ومن ثم استهداف قيادات الحزب العسكرية العليا وخاصةً السيد الشهيد حسن نصر الله. كل هذه المراحل راهنت، على ضرب هذا الركن، إلّا أن الوقائع أظهرت عكس ما يبتغيه الإسرائيليون، من خلال زيادة الالتفاف الشعبي حول المقاومة، بالرغم من كل التضحيات، فكان لسان حال كل فرد فيهم: “طالما المقاومة بخير، نحن بألف خير”.
الركن الثالث: استهداف قيادة الحزب وخاصةً الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله
أمّا اللافت جداً في هذا الكتاب، فهو تركيزه على ضرورة التصفية المركّزة لقيادة حزب الله، وخاصة الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، لأنه يرمز الى قوة العقيدة. معتبراً أن هناك ضرورة لحرمان حزب الله من مصدري القوة الشعبية وقيادة السيد نصر الله، بأي ثمن بل له أسبقية على أي إجراء آخر.
فباعتقاد بركوفتش: “التخلص من نصر الله سيمس بشكل هام بالحزب، وسيمنح إسرائيل انجازاً معنوياً من الطراز الأول، وسيسرع من عملية إضعافه، حتى وإن كان ذلك بثمن ظواهر عرضية على شكل عمليات انتقامية، من جانب حزب الله ضد إسرائيل”.
فبنظره هناك فقدان بديل ظاهر للعين لزعامة السيد نصر الله، الذي يلعب دوراً سياسيا في صياغة صورة حزب الله.
مشيراً الى أن السيد نصر الله استطاع الدمج بين القدرات الشخصية، من كاريزما وذكاء سياسي وإداري، وتحوّل من “أمين عام الميليشيا”، إلى زعيم كيان سياسي، يتجاوز تأثيره وطموحاته، حدود الطائفة الشيعية والدولة اللبنانية، الى مدى إقليمي.
مؤكّداً بأن مكانة السيد نصر الله داخل حزب الله وخارجه ليست نابعة فقط من صلاحياته السياسية الرسمية كأمين عام، بل تحديداً من “قدراته القيادية – القدرة على التحديد بشكل واضح للهدف المشترك الذي يسعى إليه والتمسك به (مثلاً طرد إسرائيل من لبنان أو قيادة التغييرات والقدرة على اتخاذ القرارات الاستراتيجية المعقدة خلال المواجهات العنيفة مع إسرائيل، وترميم حزب الله بعد ذلك”.
ملخّصاً بأن زعامة السيد نصر الله، هي العامل الأساسي في التماسك السياسي والأيديولوجي لحزب الله وعلى قدرته على تجنيد الجماهير – تحديداً من الطائفة الشيعية، وبأنه يتمتع نصر الله باحترام شخصي وبصورة الزعيم الأمين والكفء داخل دوائر واسعة خارج منظمته، بل وأيضا في أوساط خصومه مثل الجمهور الإسرائيلي.
لكنه بعد ذلك، اعتبر بأن لدى إسرائيل تجربة متنوعة في استهداف قادة المقاومة دون أن تحقق مكاسب استراتيجية، من ضمنها اغتيال السيد الشهيد عباس الموسوى، الذي لم يؤد اغتياله الى إضعاف حزب الله وإنما عززته ومكنت نصر الله من تولى قيادته.
مضيفاً بأنه أدى بشكل شبه المؤكد إلى إبداء الحذر من قبل الحزب، لكي يعدّ “خططا في الدرج مختلفة لحالة كهذه”، وأن حالة الارتباك جرّاء اغتيال السيد نصر الله ستكون مؤقتة إلى حين تركيز قيادة جديدة. مشدّداً بأنه طالما أن لحزب مصادر القدرة، فتوجد إمكانية كبيرة بأن يعود ويرمم نفسه.
الركن الرابع: المسّ بعلاقة الحزب مع إيران
أما الركن الرابع في الكتاب، فهو المسّ بعلاقة الحزب مع الجمهورية الإسلامية في إيران، لأنها تشكّل جبهة خلفية استراتيجية وشبكة أمن مادية. معتبراً بأن المسّ بهذه العلاقة سيهيئ الأرضية لتنفيذ بقية شروط إضعاف الحزب. فذلك سيؤدي وفقاً لزعمه، الى تضرر علاقة الحزب بسوريا مباشرةً، وسيضرب مكانة الحزب داخل الطائفة الشيعية، وعلى قدرته كقوة عسكرية تشكل تهديدا لإسرائيل. وكل هذا سيجعل قدرة حزب الله تضعف، وسيغرقه داخل لبنان على حساب أجندته الإقليمية.
والعمل على هذا الرهان، ظهر بوضوح عقب اغتيال السيد نصر الله، من خلال الإيعاز للعديد من الشخصيات ووسائل الإعلام اللبنانية والعربية والأجنبية، الى محاولة التصويب على علاقة الحزب بالجمهورية الإسلامية، من خلال الإشاعة بأنها قد قامت بـ “بيع الحزب” أو “خيانته” أو حتى “الوشي بأماكن قادته” لمساعدة إسرائيل على اغتيالهم.
لكن قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي، كان يدرك الخبث الاسرائلي ويعلم أنهم من صناع الفتن، منذ الساعات الأولى لما بعد عملية الاغتيال. حينما كرّس دوره الراعي للمقاومة، وقطع الطريق على هذه المحاولات، من خلال بيانات الدعم وخطاب يوم جمعة استثنائي، وتنفيذ عملية “الوعد الصادق 2” كرد أولي على جرائم إسرائيل.
فنجح الإمام الخامنئي بإعادة التوازن ليس للمقاومة اللبنانية فقط بل لكل محور المقاومة، وأفرغ حالة الانتشاء الإسرائيلية بنجاح عملية الاغتيال من مضمونها، بعد أن ظنّ بنيامين نتنياهو عقبها، بأنه بات بإمكانه صياغة “نظام جديد” للمنطقة، لمصلحته ولمصلحة راعيته الولايات المتحدة الأمريكية.
الغاية الإستراتيجية من مواجهة حزب الله
وبالعودة الى الكتاب، فقد جزم بركوفتش أيضاً، بأنه في كل الأحوال فإن معقولية تغيير استراتيجي للعلاقة ما بين إيران وحزب الله، هي معقولية منخفضة، ولإسرائيل تأثير مقلص جدا في هذا المسار.
عند هذه النقطة، قد يتساءل البعض، عما هي الغاية الاستراتيجية لكل ما ذكره الكتاب، ولكل ما يحصل الآن من عدوان الإسرائيلي على لبنان.
وحول هذا النقطة، سيجيب الكتاب بما هو واضح ومحدّد ودقيق، بأن الغاية هي: “تقليص الخطر الذي يشكله حزب الله على أمن إسرائيل وعلى استقرار المنطقة، من خلال إضعاف قوته وتحويله إلى لاعب هامشي غير ذي صلة تجاه المعادلات الإقليمية. وبناء على هذه الرؤية، يجب أن تتركز المعركة الفعالة لإضعاف حزب الله، في فصله عن مصادر قوته”.