قيادي بقسد: “هدفنا سوريا موحدة ومستقرة ويجمعنا العلم السوري”
سوريا-30-10-2020- أجرت اللقاء زهور المشرقي
تكبّد السوريون خسائر كبيرة ماديا ومعنويا ودفعوا الثمن باهضا جرّاء استمرار الحرب بعد أن انطلقت المطالب عبر ثورة سلمية من أجل الحرية والحق في العيش الكريم والآمن، لتضع الحرب حداّ أمام حاضرهم ومستقبلهم ..عشر سنوات من الخراب والدمار والخصاصة والتهجير والنزوح..
لقد أصبح الإنتقال السياسي في سورية ضرورة سياسية واقتصادية وإنسانية واجتماعية وأمنية وقانونية، إلا أن عرقلته من قبل بعض الأطراف زاد من مأساة الشعب الذي يدفع أثماناً متصاعدة…
عارف مسوتي، القيادي بقوات سوريا الديمقراطية، وقائد لواء محمد الخطيب، يتحدّث في حوارصحيفة “ستراتيجيا نيوز”، عن الأزمة الامنية والسياسية التي تعيشها سورية، وعن أحداث ما لبثت أن تحولت إلى حرب بالوكالة مدمرة…
س-ما طبيعة الأزمة الحالية في سورية اليوم؟ألا ترى أنها أزمة أمنية بالدرجة الأولى، زادت من حدتها التدخلات الأجنبية في كامل البلاد بما فيها الشمال السوري؟ ؟
ج– نعم تعيش سورية أزمة أمنية وإجتماعية واقتصادية، دخلت عامها الحادي عشر، أمام غموض كبير وسؤال مفاده الى أين تتجه؟.. ما أثّر على حياة السوري وزاد من معاناته المستمرة حدّة التدخّلات الأجنبية خبيثة الأهداف والمصالح، فلولا تلك التدخلات المتنوعة لكان مصير الشعب السوري قد تحدّد منذ أولى سنوات الثورة بعد تحرير أغلب المناطق من الجماعات المتشددة والفصائل المتأسلمة التي تدعمها تركيا، وقد انحرفت الثورة عن مسارها الحقيقي وهدفها الخارق لتتحول إلى هذه الفوضى العارمة ، أما الوضع بالشمال فهو نسبيا أفضل من الناحية الإقتصادية والأمنية والإجتماعية .
س- تتجه آراء المراقبين للشأن السياسي إلى اعتبار أن الأزمة السورية من أكثر الأزمات تعقيدا وتداخلاً على الصعيد العالمي خلال السنوات الأخيرة، حيث تشابك فيها السياسي بالطائفي، الداخلي بالخارجي، الإقليمي بالدولي، ما يجعل الأمن القومي العربي في مرمى الأزمة السورية، ليس فقط نتيجة لتأثر عدد كبير من الدول العربية بهذه الأزمة على نحو مباشر، بل كذلك لتداخل مؤثراتها بالأمن الإجتماعي العربي.. كيف تقرؤون هذا المشهد؟
ج-نعم.. الثورة السورية من أكثر الثورات تعقيدا من حيث التدخلات الإقليمية والدولية من مختلف الأطراف، ولا توجد أي دولة لا تنتظر نتيجة الحل بسورية باعتباره باب الحل والإستقرار السياسي في المنطقة ككل، وقد تشابكت الأمور لكثرة التنظيمات المتشددة والفصائل المسلحة التي أتت إلى سورية بهدف إثارة الفوضى بدعم من مخابرات الدول العربية والأجنبية .
- أؤكد وأجزم أن أمن المنطقة ككل مرتبط ببعضه البعض، وكلنا بحالة ترقب وانتظار في وقت يصعب فيه إيجاد الحل السياسي السلمي، وهذا مايفسر الهدوء الحذر الذي يسبق العاصفة.. كل الدول في فترة ما زمجرت وأزبدت وتوعدت بتدخل بري في سورية لاقتلاع النظام من كرسي الحكم في حين أطلقت أيدي الجماعات الإسلامية المتطرفة للسيطرة على البلد الذي تحول إلى خرابة بحجم دولة.. هدأت العاصفة، وتبخرت الرغاوي والزبد، وعادت الأمور لتستقر بأيدي القوتين العسكريتين الأكبر في العالم: الولايات المتحدة وروسيا، وخلال الرحلة منذ ظهور شبح الحرب إلى ابتعاده أخيرا، طفت على السطح أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات .
س-يقول القائد العام لـ”قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي، إنه لا حل في سورية دون مشاركة “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سورية.. ماذا يعني ذلك ؟ وإلى أي مدى قد تنجح الإدارة الذاتية في رفض حلّ سياسي سلمي علما وأنكم تتهمون بعض الأطراف بعرقلة سبل الحلّ؟
ج- نعم.. الأزمة السورية لن تجد الحلّ دون مشاركة ممثلين عن مناطق شمال شرقي سورية، ولن يكون هناك إعمار دون مشاركة الإدارة الذاتية والكل يعلم هذا، وقواتنا لم تكن يومًا سببًا في الأزمة السورية، بل دافعت عن الأرض وطردت تنظيم “الدولة” من مناطقها، وإذا كان هناك حل للأزمة السورية، فسيكون حلًّا سياسيًّا، ومن دون مشاركة مناطق شمال وشرقي سوريا لن يحدث الإستقرار ولا توجد الحلول ، والكل يعلم أن قسد التزمت بالقيم الوطنية السورية وبالدفاع عن مناطقنا، وبعض الأطراف ترفض فكرة تشريك كل المكونات في الحلّ، ونحن كقسد جزء من الشعب السوري ومعنا كل الطوائف، وسورية من دون المناطق التي تسيطر عليها شمالي وشرقي سورية ستكون “فاشلة”.
س-ما ردّكم على اتهام وزير الخارجية السوري وليد المعلم، في 26 من أيلول الماضي، حيث قال إن”قسد””انفصالية” ونهبت ثروات البلاد؟
ج-من نهب ثروات البلد هو النظام لاغير، ونحن كقوات سورية الديمقراطية علمنا سوري ونتعامل بالليرة السورية، ولم نكن نعرف أن في سورية ثروات قبل الثورة ، 40سنة ونحن لا نعلم أن بسورية نفط ، البعض هدفه تشويه الإدارة الذاتية وتخريب مشاريعها والنسيج بالشمال السوري.
س- كنتم قد اتهمتم النظام بأنه بالإقصاء ، ومن جانب أخر طالبتموه مؤخرا بالتفاوض من أجل وضع حدّ للتهديدات التركية شمال البلد.. ألا تعتبرون أن هذا تناقضا، علما وأنكم كنتم قد جلستم سابقا مع النظام وقلتم إن التفاوض لم يأت بنتيجة؟
ج– التناقض في كلام وليد المعلم.. لو كنا انفصاليين فعلا ماكنا دعونا النظام أكثر من مرة إلى التفاوض السلمي من أجل إيجاد الحلول السياسية السلمية التي تُخرج البلد من عنق الزجاجة وتنهي الحرب المستمرة منذ سنوات ، بعد أن كانت ثورة ظلم وجوع ، ونحن دعونا النظام السوري إلى التحلي بالمسؤولية والكف عن مواقفه التي تعرقل سبل الحل، وعلى حكومة دمشق التصرف بمسؤولية، لأنها بسياساتها الراهنة تخدم المخططات الرامية إلى تقسيم سورية، ولا يمكن تحقيق الإستقرار في بلادنا عبر العنف والقمع، والحكومة السورية لا زالت تواصل نهجها وعقليتها الشوفينية، ولا تعمل على تغيير هذه العقلية، ولا تريد أن تفعل ذلك، ولذلك فهي نفسها لا تثق بكلامها، ونحن نواجه عدوا خارجيا قبل أي شيء.
-قسد كانت مرغمة على قبول الدعم الخارجي لإيقاف العدو الخارجي الذي كان يهدد البلد بالتقسيم، ومهما اختلفنا مع النظام مستحيل أن نسمح لعدو خارجي أن يحتلّ أرضنا ونصمت، ونحن مستعدون للتفاوض مع النظام من أجل حماية أرضنا لاغير، ومستعدون للمفاوضات مع الجميع، لذلك أمام حكومة دمشق خيار واحد هو المفاوضات.
-ويمكن إن نقول إن شروط “الإدارة الذاتية” للتفاوض مع النظام السوري تتلخص في الإعتراف بالإدارات الموجودة، بما فيها الإدارة العامة لشمال وشرق سوريا، والإعتراف بخصوصية “قسد” ومسؤوليتها الكاملة عن الملف العسكري والأمني في مناطق “الإدارة الذاتية”.
س-كيف يمكن لـ “قسد” أن تتحكم بزمام الأمور في مناطق نفوذها ، في ظل الوجود الروسي وقوات النظام، وكيف تستطيع التنسيق بين طرفين متخاصمين (أمريكا وروسيا)؟
ج- بالنسبة للوجود الروسي وقوات النظام، طبعا هناك تنسيق وكل له حدوده في المكان الذي يسيطر عليه، روسيا وغيرها تبحث عن مصالحها الشخصية، ولا توجد أي دولة صديقة لسورية.. كل يبحث عن مصالحه، وهم يلعبون لعبة المصالح ولهذا نتيجة اختلاف المصالح نحن نعيش بهذا الجو غير المستقر منذ سنوات.
س- في ظلّ استمرار التهديد التركي.. ما مدى جاهزية قسد للتصدي لأي هجوم تركي محتمل، وهل هناك احتمال شنّ هجوم شمال سوريا؟
ج– التهديدات والأطماع التركية موجودة بحجج واهية وبحجة ضبط أمن حدودها شمال سورية وهي الشماعة لشن هجمات على سورية، حيث تتخوّف من تجربة الكرد السوريين في “الحكم الذاتي الديمقراطي” المستند إلى المبادئ الإجتماعية الليبرالية وتعتبر ذلك تحديًا سياسيًّا وأيديولوجيًّا يواجهها، يذهب إلى ما هو أبعد من التهديد العسكري، إضافة إلى خشيتها من المكاسب التي حققها الأكراد السوريون ما قد يشجع سكانها الأكراد على إنشاء ولاية صغيرة تابعة لحزب العمال الكردستاني على حدودها، وتعطي نقاط القوة العسكرية والسياسية والإقليمية التي يتمتع بها الأكراد السوريون أوراق مساومة قوية في أي حل سياسي بسورية يطالبون من خلاله بالإعتراف بحقوق الأكراد وإلغاء مركزية السلطة.. لذلك تسعى تركيا إلى منع هذا التطور.
-ونحن على جاهزية تامة للتصدي لأي هجوم تركي وأي تقدم في مناطقنا، وجاهزيتنا تنبثق من إرادتنا أكثر من نوعية سلاحنا والحق سينتصر مادمنا في حالة دفاع عن أنفسنا وعن حقوقنا وأرضنا، ونعتمد على وعي شعبنا للتصدي لأي تهديد يمسّ بلادنا، ولدينا أساليبنا الخاصة للتصدي للأسلحة التركية المتطورة.
س- هل تتمسك القوى الكردية بالثقة بواشنطن دون غيرها في تثبيت سيطرتها على المناطق التي تحكمها في الشمال والشرق السوريَين، وحمايتها من التهديد التركي؟
ج– لم تكن هناك ثقة كالأول ،خاصة بعد وصول الرئيس الحالي دونالد ترامب إلى السلطة، وبعد أن اتجهت السياسة الأمريكية إلى تحقيق المصالح الإقتصادية أكثر من حماية الديمقراطية والدفاع عنها وحماية الطوائف والأديان والمذاهب.. لا توجد هناك ثقة بأي طرف، هي فقط مصالح لا غير، فمصلحة أمريكا في شمال سورية وغيرها هي الحدّ من النفوذ التركي والروسي والإيراني لاغير، والدول العظمى لا تنظر إلى هموم الشعوب ولا إلى معاناتها زمن الحروب، بل إلى مصالحها الجيو-سياسية.
س-رحبتم بقرار الرئيس الأميركي الخاص بسورية، والذي نصّ على تمديد حالة الطوارئ “لحماية المصالح القومية الأميركية”.. هل سيؤدي القرار إلى منع تركيا من غزو جديد لمناطق تسيطر عليها قوات قسد؟ وما ردّكم على اتهامكم بالتهليل للوجود الأمريكي مقابل صفقات نفطية ومصالح اقتصادية بعيدة كل البعد علن الحلول السياسية للأزمة المستمرة في البلد؟
ج- نحن رحّبنا بالقرار الذي مدد فيه ترامب الأمر التنفيذي رقم 13894 لمنع غزو تركي آخر ولضمان التزام تركيا بوقف إطلاق النار، خاصة بعد الأفعال التي أقدمت عليها حكومة تركيا بتنفيذ هجوم عسكري على شمال شرقي سوريا، والتي تقوض الحملة الهادفة إلى هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية وتعرض المدنيين للخطر، كما يستمر الإرهاب في تشكيل تهديد غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
-لدينا مصلحة أيضا في تمديد الطوارئ لحصر نفوذ تركيا، ونحن نستغل تضارب المصالح لكسب مزيد من الوقت قبل الوصول إلى حل سياسي يخدم مصالح الشعب السوري بمختلف أطيافه، ونحن رحبنا بالقرار حتى لا نترك أي فرصة لأي دولة للتحكم بزمام الأمور.
س-أي دور لقسد في بلورة الحل السياسي في سورية؟
ج-دور قسد مهمّ وأساسي باعتبار أن لديها مشروعا سياسيا ونظاما ونظرة مجتمعية واقتصادية متقدمة من شأنها أن تخدم الشعب السوري، ولديها رؤية مهمة لبلورة الحل السياسي الديمقراطي ، ونحن نؤمن بالفيدرالية كحل أمثل ولإيجاد الحل السياسي المتزن وتحقيق الإستقرار .
-بالنسبة لنا، يشكل الإنتقال السياسي في سورية ضرورة سياسية واقتصادية وإنسانية واجتماعية وأمنية وقانونية ودولية أيضاً، ما يعني كذلك أن تعطيل هذا الإنتقال، وعرقلته وتأجيله المستمر، يكبّد كل هذه المحاور أثماناً حادّة، وإلى الآن يكاد المجتمع الدولي يكون منعدم الوجود في ما يخص الشأن السوري، فمجلس الأمن معطل، والجمعية العامة بلا مخالب، والأمم المتحدة بكل مؤسساتها ومكاتبها عجزت طوال عشر سنوات عن اتخاذ أي خطوة فعلية وعملية ضد النظام والفصائل المتشددة .
دورنا مهم للتعبير عن آمال الشعب السوري في الشمال وغير الشمال، ولدفع الأطراف المختلفة إلى تغيير سلوكها ومواقفها.
-ونحن في الإدارة الذاتية كلنا عزيمة وإصرار على رفض خيار الرضوخ للإستبداد، وسنقف صدّا أمام ماكينة الألم والقتل والتجويع والإجرام وسلب الثروات.